تقرير.. أزمة روسيا وأوكرانيا.. المغرب يمسك العصا من الوسط
هوية بريس – وكالات
لم يشارك المغرب في التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال جلسة 2 مارس الجاري، على قرار يطالب روسيا “بالانسحاب الفوري” من أوكرانيا.
وفي اليوم التالي قالت الرباط في بيان، إن عدم مشاركتها في التصويت “لا يمكن أن يكون موضوع أي تأويل بخصوص موقفها المبدئي المتعلق بالوضع بين البلدين”.
وقبل ذلك، في 26 فبراير الماضي، عقب يومين من بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، أعلنت الخارجية المغربية في بيان، تشبثها بمبدأ “عدم اللجوء إلى القوة” في تسوية النزاعات بين الدول.
وأفادت المملكة، بدعمها “للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”، وذلك في أول موقف للرباط حيال الأزمة بين موسكو وكييف.
وصرح أكاديميان متخصصان في العلاقات الدولية، للأناضول، بأن الدبلوماسية المغربية تواصل إمساك العصا من الوسط في التعامل مع عدد من القضايا الدولية.
ويرى الأكاديميان، أن موقف الرباط من الأزمة الأوكرانية الروسية، ينسجم مع المبادئ التي تشتغل عليها دبلوماسية المملكة.
** مسك العصا من الوسط
وقال تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة “محمد الخامس” بالعاصمة الرباط (حكومية)، إن “موقف المغرب قريب جدا من مسك العصا من الوسط”.
وأضاف في حديث للأناضول: “خاصة ما يتعلق بعدم المشاركة في التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة، على قرار إدانة روسيا (..) الموقف المغربي يتسم بطبيعة مزدوجة”.
وتابع: “على المستوى الميداني وعلى أرض الواقع، يبذل المغرب كل ما في وسعه لمساعدة الأوكرانيين، ودعم وحدتهم الترابية واستقلال أراضيهم”.
وزاد: “في آن واحد يعمل على تثبيت بعض الركائز المرتبطة بسياسته الاستراتيجية، خاصة مع الدول الكبرى، الدائمة العضوية في مجلس الأمن”.
وعقب تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية ساحقة في 2 مارس، على قرار يدعو روسيا إلى سحب قواتها فورا من أوكرانيا، قالت الخارجية المغربية، إنها “تواصل المتابعة بقلق وانشغال تطور الوضع”.
وأردف البيان: “المغرب أعرب عن أسفه إزاء التصعيد العسكري الذي خلف مع الأسف، إلى حدود اليوم، مئات القتلى وآلاف الجرحى، والذي تسبب في معاناة إنسانية للجانبين”.
وصوت لصالح القرار 141 دولة فيما عارضته خمس دول فقط هي روسيا وسوريا وإريتريا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية، وامتنعت 35 دولة عن التصويت.
** قضية الصحراء
ويرى الأكاديمي المغربي، أن بلده “يعتبر مساعدة الأوكرانيين، لا يمكن أن تتحقق على حساب مصالحه العليا والحيوية، خاصة المتعلقة بوحدته الترابية”.
وأردف: “لذلك الدبلوماسية المغربية أخذت باتجاه مزدوج، من جهة دعم الأوكرانيين في استرجاع وحدتهم الترابية وفي مغادرة الروس لأراضيهم”.
واستطرد: “وفي نفس الوقت دون أن تتجاوز (الدبلوماسية المغربية) إلى بعض النقط التي يمكن أن تؤثر على موقفها في العلاقة مع الكبار بمجلس الأمن، والدول المؤثر في آلية اتخاذ القرار الدولي”.
وزاد: “علينا أن نتصور مثلا، لو أن روسيا عندما طرح مشروع قرار مجلس الأمن (2602) الذي خرج بنتائج جد إيجابية بالنسبة للمغرب في مسار تسوية النزاع مع الجزائر، اتخذت قرارا بالاعتراض على المشروع واستعملت حق النقض (الفيتو)، كان حينها سيعرف الملف تدهورا كبيرا بالأمم المتحدة”.
** علاقات متوازنة مع الكبار
وأفاد المتحدث قائلا: “المغرب يعتبر أن صمام الأمان في العلاقات المتطورة مع الدول دائمة العضوية بالخصوص داخل مجلس الأمن، هو إقامة علاقات متكافئة في إطار استراتيجي مبني على مبدأ تعدد الشركاء”.
واعتبر أن “المغرب اختار منذ حوالي سبع سنوات قرار لا رجعة فيه، بأن لا يضع كل بيضه في سلة واحدة، وبأن يقيم علاقاته مع الدول الكبرى على التوازن”.
وأضاف: “قيام المغرب بمواقف دبلوماسية متشددة تجاه روسيا ستكون له آثار سلبية على العلاقات بين الطرفين، وقد يؤدي إلى الدفع بتقديم مساعدات أكبر مما كان عليه الأمر في الماضي من طرف روسيا إلى الجزائر”.
وتشهد العلاقات المغربية الجزائرية انغلاقا منذ سنوات على خلفية قضايا مختلفة بينها إقليم الصحراء والحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ العام 1994، وغيرها.
** الانسجام مع المبادئ
وفق الأكاديمي المختص في العلاقات الدولية محمد العمراني بوخبزة، فإن “موقف المغرب (من الأزمة الأوكرانية الروسية) ينسجم مع المبادئ التي تشتغل عليها الخارجية المغربية”.
وقال بوخبزة، عميد كلية الحقوق القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة “عبد المالك السعدي” (حكومية) بمدينة تطوان (شمال)، للأناضول: “المواقف المغربية منسجمة مع ثوابت متعلقة أولا بعدم اللجوء إلى القوة العسكرية لحل النزاعات”.
واستدرك: “ثم التشبث بدور الأمم المتحدة، ثم ما يتعلق بوحدة أراضي الدول المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة”.
وزاد: “تخيلوا ما وقع بالنسبة لقطر، رغم أن الأمر يتعلق بحلفاء تقليديين وله علاقات استثنائية معهم، فإن المغرب لم ينجر إلى موقف يتعارض مع المبادئ التي تتأسس عليها سياسته الخارجية”.
واتخذت الرباط موقفا محايدا من الحصار الذي فرضه الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) على الدوحة، في يونيو 2017، واستمر 4 سنوات.
وتابع المتحدث: “يجب أن لا ننسى نقطة مهمة جدا، وهي أن المغرب دولة ترتبط مواقفها بتاريخ له علاقات طويلة جدا، وليست مواقف آنية وعابرة ومرحلية”.
وذكر أنه “عندما تحاول مثلا فهم موقف المغرب من قضية معينة، لا يمكن فعل ذلك انطلاقا فقط من اللحظة العابرة التي تحكم موقفه، بل يجب العودة إلى تاريخ علاقة البلد مع الدولة المعنية”.
وأضاف: “يجب أن نفهم موقف المغرب عندما يصوت بمجلس الأمن أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بكونه دولة ذات خصوصية وتمتد لقرون، وليست دولة حديثة تحكمها الظرفية والمواقف العابرة”.
واعتبر أن “المسألة لا ترتبط فقط بمسك العصا من الوسط وتحقيق التوازنات، بل الأمر يتجاوز ذلك بكثير، فالمغرب الآن له نظرة خاصة للعلاقات الدولية، ويرى أن تكلفة الحرب وعدم الاستقرار تمس بالأساس تنمية الدول، وهي ليست تكلفة مادية صرفة”.
** النداء الإنساني
وأعلن المغرب، في 2 مارس الجاري، استجابته للنداء الإنساني الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بشأن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
وقالت الخارجية المغربية في بيان،، إن المملكة “قررت الاستجابة لنداء الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم مساهمة مالية (لم تحددها) للجهود الإنسانية للأمم المتحدة والبلدان المجاورة”.
ويعتقد تاج الدين الحسيني، أن “المغرب في الوقت الذي أكد فيه على مبادئ سامية في العلاقات الدولية، إلا أنه يأخذ بعين الاعتبار الجانب الإنساني”.
وأضاف: “المملكة تقدم مساعدات مالية بناء على طلب أمين عام الأمم المتحدة، لدعم مطالب إنسانية بأوكرانيا، وهو في نفس الوقت يتخذ مواقف متحفظة، من شأنها أن لا تضر بعلاقته مع الشريك الروسي”.
ومطلع مارس، أطلق غوتيريش نداءً إنسانيا لجمع مليار و651 مليون دولار، من أجل تلبية الاحتياجات المتصاعدة للمتضررين من العمليات العسكرية الروسية داخل أوكرانيا، وللنازحين إلى دول الجوار.
وأطلقت روسيا، فجر 24 فبراير الماضي، عملية عسكرية في أوكرانيا، تبعتها ردود فعل دولية غاضبة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية “مشددة” على موسكو.
وتشترط روسيا لإنهاء العملية، تخلي أوكرانيا عن أي خطط للانضمام إلى كيانات عسكرية بينها حلف شمال الأطلسي “الناتو” والتزام الحياد التام، وهو ما تعتبره كييف “تدخلا في سيادتها”.
المصدر: وكالة الأناضول.