تقرير عقيدة الوسط والاعتدال في مسمى الإيمان
هوية بريس – د.رشيد بن كيران
◆ من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
كما أنه يتبعض، فإذا تخلف بعضه بذنب ولو بكبيرة من غير أن تكون مكفرة مخرجة من ملة الإسلام فلا يؤثر ذلك على ما بقي من إيمان ولا يُذهبه، بل يثاب عليه صاحبه.
◆ وقد خالف عقيدة أهل السنة والجماعة فرقتان، انطلقتا من نفس المقدمة الفاسدة ووصلتا إلى نتائج متناقضة مشينة؛
انطلقتا من أن الإيمان لا يتبعض، بل هو كتلة واحدة، ولا يقبل التبعيض..
◆ فقالت إحداهما: بما أن الايمان كتلة واحدة لا يتبعض فإذا ثبت إيمان عبد فلا تضره في إيمانه معصية كما لا تنفعه فيه طاعة، ولهذا قررت أن إيمان أفسق الفساق كإيمان أتقى الأتقياء، فالناس متساوون في الإيمان، وكفى بهذا القول شَيْنًا.
وهذه الفرقة هي المرجئة، فأصبح الإيمان عندها فقط في القلب لا أثر له على الجوارح، وأن جميع الواجبات من الطاعات وأعمال الإيمان الواجبة شرط فقط في كماله.
◆ وقالت الأخرى: إذا وقع العبد في معصية ذهب بعض الإيمان. وإذا ذهب بعض إيمانه ذهب كله، لأنه كتلة واحدة لا يتبعض، فلا ينفعه ما بقي من إيمانه في شيء، ويخرج بوقوعه في معصية واحدة من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر، وكفى بهذا القول فتنة وتقنيطا من رحمة الله.
وهذه الفرقة هي الخوارج ويشاركها في ذلك المعتزلة على خلاف بينهما في بعض فروع المسألة. ولهذا كانت عندهما جميع الواجبات من الطاعات وأعمال الإيمان الواجبة شرط في صحته.
◆ أما أهل السنة والجماعة فقولها وسط معتدل بين القولين إعمالا لجميع نصوص الوحي ومقتضياتها ولوازمها؛ فإن الإيمان عندهم ليس كتلة واحدة، إنما يقبل التبعيض، فإذا ذهب بعضه لا يذهب كله، وأن من أعمال الإيمان ما يكون شرطا في صحة الإيمان كالشهادتين مثلا أو محبة الله وتعظيم رسوله…، ومنها ما يكون من واجبات الإيمان كالصلاة المفروضة والزكاة وبر الوالدين وارتداء الحجاب للمرأة وترك شرب الخمر…، ومنها ما يكون شرطا في كمال الإيمان كالمندوبات من الطاعات.
◆ ومن مقتضيات هذه العقيدة أنه يتحقق في المسلم الواحد أو المعين حب من جهة وبغض من جهة، فـيُحَبّ إذا أتى بطاعة ويحمد عليها، ويُـبغَض إذا وقع في معصية ويذم بسببها.
✔️ وفي ضوء هذا التقرير نفهم الحديث الصحيح الوارد في قصة ذاك الرجل الذي كان كثيرا ما يؤتي به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب شربه للخمر، فلما لعنه أحد الصحابة بسبب ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: “لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ“،
فأثبت عليه الصلاة والسلام لذاك الرجل شارب الخمر طاعة مع معصيته، وأوجبت طاعته له حقوقا من بينها الدفاع عنه والشهادة له بما فيه من إيمان، ولم يمنع بغض معصيته من إعلان ذلك، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما منع من شيء إلا شانه.