تقرير عن الندوة العلمية التي نظمت بالقنيطرة بعنوان «الإنسان في العلوم الإسلامية»
هوية بريس – إعداد الطالبة: سلمى حداوي
يعتبر الإنسان المحور الرئيس للعلوم بأسرها، والعلوم الإسلامية هي من هذه العلوم التي تمحورت حول الإنسان، وجعلته مدار قضاياها، فقد ارتبطت بنص يحتل فيه الإنسان المقام الأول، إذ أن خطاب الوحي ركّز تركيزا لا نظير له على استيعاب كل الجوانب المتعلقة به. فإن كانت هذه هي بداية العلوم الإسلامية، فما هو وضعها اليوم؟ وما هي علاقتها بالقضايا الإنسانية انخراطا وإنتاجا وتطويرا ومواكبة؟
كانت هذه مجموعة من التساؤلات التي أجيبَ عنها في الندوة العلمية التي عقدها مختبر الدراسات الشرعية والبناء الحضاري، وماستر الاختلاف في العلوم الشرعية، بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، بعنوان “الإنسان في العلوم الإسلامية“، وذلك يومي الأربعاء والخميس 25-26 أبريل الجاري، وأغنت أشغال هذه الندوة؛ مداخلات قيمة لخبراء وأساتذة متخصصين من مشارب علمية مختلفة.
افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية من ماستر الاختلاف في العلوم الشرعية، حيث رحب د.بلحسان بالحضور الكريم وبيّن أهداف هذه الندوة، ومن أهمها: توجيه الاهتمام نحو قضايا الإنسان، وتدشين خط بحثي ومسار دراسي يروم هذه الغاية. وكذا الانفتاح على التخصصات المختلفة والاستفادة من معارفها وتجاربها في هذا الشأن.
ثم أعطى مسيّرُ الجلسة د.محسن أكوجيم الكلمة للدكتور ميلود الكعواس، الذي قدم مداخلة باسم اللجنة المنظمة، حيث مهّد فيها للموضوع وطرح تساؤلا عن معنى الإنسان، وأنه سؤال مطروح منذ بداية الخلق، فقيل: هو قتّال سفاك للدماء، وقيل: هو معجون طيني… واستمر التساؤل للكشف عن طبيعة هذا المخلوق، فنشأت علوم تبين حقيقة الإنسان وهي ما يعرف ب: “العلوم الإنسانية”، ثم ختمَ هذه الجلسة الافتتاحية بالشكر والتقدير للحضور والأساتذة الكرام.
وبعد استراحة شاي انطلقت الجلسة الأولى بمداخلة للدكتور ميمون نكاز-باحث متخصص في العلوم الشرعية والفكر الإسلامي- ، ذكر بأن الإنسان الأكرم هو القادر على التعامل والتعايش مع الآخر، وأن نُزوح الإنسان إلى الاستغناء هو تغييب لنفسه، فإظهار الافتقار إلى الله تعالى هو سر الوجود، قال عز وجل: {إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}، وقال أيضا: {أنتم الفقراء إلى الله}.
ثم كانت المداخلة الثانية مع د.محمد بنكيران، تحت عنوان: “العلوم الإسلامية والإنسان: تساؤلات نقدية في أفق تجديد البحث والدراسة” حيث قال: إن الهدف الأول من العلوم هو الإنسان، إذ علينا الانتقال به من مرحلة التشخيص إلى مرحلة المعالجة، إننا غلّبنا جانب الأحكام على علومنا، مع أنها لا تمثل إلا سبعة في المائة من القرآن الكريم، وأغفلنا جانب التربية والعمران.. فاستثمرها غيرنا وتقدم بها.
ثم قدمت الدكتورة مريم ايت أحمد مداخلة بعنوان: “العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية: أي مستقبل لمناهج تكامل العلوم في جامعتنا”، حيث أكدت على أنه علينا التحول من أسلمة العلوم إلى تكامل العلوم، فعلماؤنا المسلمون كانوا من أهم رواد هذا المنهج التكاملي كابن سينا، والفرابي، وابن رشد… وأننا نحتاج في إطار هذا التكامل إلى جهد جماعي لكي نخرج طلبتنا من الكلالة النفسية، ونستثمر الذكاءات لصنع التفكير الحضاري.
بعد ذلك كان للحاضرين موعد مع الجلسة العلمية الثانية، فقدم الدكتور عبد الخالق الشدادي -أستاذ بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط- كلمة بعنوان: “العلوم النقلية والعقلية بين ضيق التصنيف وسعة التأليف”، فنبّه على ضرورة إحداث مسالك لتكوين أطر تتميز بنوع من التكامل في الإنتاج العلمي، كما ذكر بعض النماذج التي صنفتِ العلوم، كالفرابي صنفها إلى نظرية وعلمية، وابن خلدون إلى: صنف طبيعي وصنف شرعي.
أما المداخلة الأخيرة فكانت للدكتور أحمد البوكيلي “مقاربة عرفانية لآفاق التكامل بين العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية”، طرح في كلمته مجموعة من الإشكالات والتساؤلات، أهمها هو: هل يمكننا أن نبني حضارة إسلامية في مجتمع غارق في العلمانية ؟ ثم ختمت هذه الجلسة بمناقشة عامة.
وفي اليوم الثاني من أعمال هذه الندوة، استضافت الجامعة العالم المبجّل، الذي أدّى لوطنه الشيء الكثير، الدكتور مصطفى بن حمزة (رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى)، وقد استقبله عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة (محمد زرو) بكلمة شرف وتقدير، أعرب من خلالها عن كامل المحبة والإخاء لهذا الشيخ الجليل، ثم تلاه د.بلحسان بكلمة ترحابية أيضا، لتنتقل الكلمة للدكتور مصطفى بن حمزة ليلقي محاضرته فقال: بأنه لا رهبانية في الإسلام لأنه يراعي بشرية الإنسان، فالأحكام الفقهية والفتاوى؛ كانت تحمي حرية الناس وكرامتهم على مرّ الزمان، وأغلب هذه الفتاوى مستندة إلى القرآن والسنة، و مراعاية للمقاصد الشّرعية، ثم بين مراعاة الشريعة للبعد الإنساني، وأنها تمنحه أحكاما لكل مرحلة؛ قبل الولادة، في الحياة، وبعد الموت، وهذا عكس ما نجد في الشرائع غير الإسلامية، ثم ختم هذه بالمداخلة بتوجيه؛ وهو أن لا نجعل العاطفة هي التي تقودنا، وإنما أن نجعل العلم والمعرفة.
ما شاء الله على الطالبة “سلمى حداوي” أسلوب رائع و جذاب غير ممل???