محاضرة للدكتور محمد الروكي حول “أثر المعارف الشرعية في بناء الحياة السوية”
هوية بريس – محمد بن داوود
نظم المجلس العلمي المحلي لمدينة وجدة بتنسيق مع مختبر مناهج البحث في الحضارة الإسلامية وتجديد التراث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية لجامعة محمد الأول-وجدة محاضرة علمية في موضوع: “أثر المعارف الشرعية في بناء الحياة السوية” ألقاها فضيلة الدكتور محمد الروكي عضو المجلس العلمي الأعلى، وذلك يوم السبت 6 جمادى الأولى 1446هـ الموافق ل 9 نونبر 2024م على الساعة العاشرة 10 صباحا، بقاعة نداء السلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية-وجدة.
افتتح اللقاء بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلتها كلمة الدكتور محمد مصلح عضو المجلس العلمي المحلي لمدينة وجدة، وجاء فيها:
-الترحيب بالضيوف من دكاترة جامعين بالكلية وأطر إدارية وتربوية وطلبة باحثين في مختلف الأسلاك الجامعية.
-تقديم ترجمة علمية موجزة للدكتور المحاضر.
-إعطاء الكلمة لنائب عميد الكلية.
-تسليم الكلمة للدكتور المحاضر محمد الروكي.
الاستهلال: استهل الدكتور محمد الروكي حفظه الله ورعاه كلمته بالحمد والثناء على الله سبحانه، والصلاة والتسليم على من لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ألقى التحية على كافة الحاضرين.
المقدمة: قدم فضيلته موضوع المحاضرة: “أثر المعارف الشرعية في بناء الحياة السوية”، مبينا دواعي اختياره للموضوع متجلية في الواقع الهجين الذي أصبح يعيش فيه الإنسان المسلم؛ في واقع خليط بين الأفكار الصالحة وغير الصالحة، وبين مناهج حسنة وأخرى سيئة، وبين فكر سوي وآخر سيء، فأضحى السؤال: ما السبيل للخلاص من هذه الهَجينية؟ وما أثر المعرفة الشرعية في بناء الحياة السوية للإنسان؟
وبعد ذلك تناول الموضوع في المحاور التالية:
المحور الأول: مصطلحات موضوع المحاضرة.
1-المعارف الشرعية: هي المعارف المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية.
2-الحياة السوية: هي الحياة المستقيمة التي لا اعوجاج فيها عن الفطرة السليمة مصدرا ومنهجا وغاية؛ حيث يعلم السائر مبتدأ ومنتهى المسير.
3-وبذلك يكون المراد ب “أثر المعارف الشرعية في بناء الحياة السوية” أي بيان السبل الكفيلة لتأثير المعارف المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية على حياة الإنسان المسلم وجعلها مستقيمة سوية؛ كما رسمها الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن والسنة.
المحور الثاني: مفهوم المعرفة ومصطلحات ذات صلة بها.
بعدما عرف الدكتور في هذا المحور المعرفة، تطرق بعد ذلك لمجموعة من المصطلحات ذات الارتباط بها:
أولا: المعارف: جمع معرفة، وهي “إدراك الشيء على ما هو عليه” دون التعمق فيه وإلا صار علما، ومن عرف الشيء فقد كان لا يعرف؛ أي سبقه جهل، لذلك الله تعالى لا يوصف بالعارف؛ لأن المعرفة مسبوقة بجهل _تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا_ والمعرفة يقابلها الإنكار؛ قال تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}، وقال سبحانه: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اَ۬للَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا}، ومن الأحاديث التي تبين حقيقة المعرفة، ذكر الدكتور حديث الحارث بن مالك الأنصاري: (كيف أصبحت يا حارثة؟ … عرفت فالزم)؛ حيث يستفاد من صحة معنى الحديث: أن شعار المعرفة هو ” إذا عرفت فالزم”.
ثانيا: مصطلحات ذات صلة بالمعرفة: هناك مصطلحات ذات صله بالمعرفة؛ مثل: العلم، والإدراك، والفكر، والحكمة.
-العلم: هو “إدراك الشيء على ما هو به” إدراكا جازما، وعلاقته بالمعرفة هي علاقة عموم وخصوص؛ فقد يكون المرء عارفا وليس عالما، ولكن إن كان عالما فحتما هو عارف.
-الحكمة: هي العلم بحقائق الأشياء على ما هو عليه، والعمل بمقتضاه، فهي تشمل العلم والعمل، جانب نظري وآخر تطبيقي، وبين الحكمة والعلم عموم وخصوص، فكل حكيم عالم وليس كل عالم حكيم.
-الفكر: “هو نتاج ارتباط العقل بالقلب”، فحين يرتبطان ينتج الفكر، ودليل الارتباط قوله: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٞ يَعْقِلُونَ بِهَآ}.
-الإدراك: بمعنى وصول النفس الى المطلوب بكماله.
المحور الثالث: مصادر المعرفة الشرعية أو العلم الشرعي.
1-القرآن الكريم: فهو المصدر الأول والأساس لكل معرفة شرعية أو علم شرعي {وَأَعْلَمُ مِنَ اَ۬للَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
2-السنة النبوية: هي المصدر الثاني لتلقي المعرفة الشرعية أو العلم الشرعي.
3-المأثور عن الأنبياء والمرسلين: وذلك من خلال قصصهم القرآنية التي تستخلص منها الدروس والعبر.
4-أقوال العلماء الراسخين: سواء قبل مجيء الإسلام أو بعده، مثل لقمان والخضر.
5-أقوال الحكماء: سواء كانوا على الإسلام أم لا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها”.
المحور الرابع: سبل بناء الحياة السوية.
جوابا على سؤال مدخل المحاضرة: ما السبيل إلى بناء الحياة السوية؟
ذكر فضيلة الدكتور: إن السبيل الذي ينبغي بناؤه أولا هو العقل، ثم بناء القلب _وقد تقدم ارتباطهما_ فينشا عنهما الفكر؛ الذي هو السبيل الثالث، ثم الحس، وكذلك بناء النفس.
والمعرفة الشرعية هي أساس بناء السبل الخمسة: العقل، القلب، الفكر، الحس، والنفس، فإذا أشبعت هذه الخمسة بالشرع؛ فإنها تورث الحذَر من الله تعالى: {لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمُۥٓ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} والحذر يزيل العجز والكسل والخمول؛ فيبتعد الإنسان عن الشهوات؛ وحيث إن المعرفة تقتضي اللزوم؛ فإن الشعار “إذا عرفت فالزم”، ومن الانتكاسة أن يتذوق المرء المعرفة فلا يلزم، وبالمقابل العلم يقتضي العمل، وقياسا على الشعار السابق نقول: “إذا علمت فاعمل”، وعليه فالمقتضى العام من المعرفة الشرعية والعلم الشرعي أن يتم التوظيف الأمثل في الحياة والانتفاع بهما لتكون الحياة سوية.
خاتمة: إن الحياة السوية هي التي صيغت في أحضان القرآن الكريم والسنة النبوية، بحيث
لا يمكن للأفكار الناشئة من الأرض أن تنتج حياة سوية، في حين الأفكار النابعة من وحي السماء هي الكفيلة بجعل حياة الإنسان مستقيمة سوية؛ فمن كان على صراط مستقيم كانت حياته سوية {اَفَمَنْ يَّمْشِے مُكِبّاً عَلَيٰ وَجْهِهِ أَهْد۪ىٰٓ أَمَّنْ يَّمْشِے سَوِيّاً عَلَيٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ}.
مسك الختام: ختم فضيلة الدكتور محمد الروكي محاضرته بتحية شعرية عنونها ب “أشواق” لوجدة أشواق تهز فؤادي…