تقريض مجلة الزهراء المصرية لكتاب “ضرب نطاق الحصار على صاحب الانكسار” (1926م)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
إضاءة: على إثر صدور كتاب “إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة” للشاب وقته محمد المكي الناصري، الذي انتقد الطرقية والطرقيين، سنة 1922، أصدر الشرقي الشرقاوي كتابا مضادا له، يفند رأيه وينتقده، بعنوان (غاية الإنتصار ونهاية الإنكسار)، فرد عليه أخ المؤلف الذي كان وقتها يدير مدرسة حرة بالرباط تسمى (مدرسة الحياة) محمد بن اليمني الناصري بكتاب سماه (ضرب نطاق الحصار على صاحب الإنكسار).
وقد أثار كتاب “إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة” ردودا عديدة بين مؤيدة، ومعارضة، ومقارنة، ومنها هذا التقريض الصادر من قبل مجلة (الزهراء) الشهيرة الصادرة بالقاهرة في العشرينيات، والذي يبين قيمة الدعوة التي تبناها الشاب الناصري والجماعة التي كانت معه.
هاته الجماعة ساهمت في نفقات طبع الكتاب ونشره، وأسست من أجله جمعية (أنصار الحقيقة) للدفاع على ما جاء به من أفكار تحولت لجمعية سرية تحمل شعار (الرابطة المغربية) لمناهضة الاستعمار، وكانت هذه الجمعية منطلقا لتأسيس الجمعيات والمنظمات السياسية أواخر العشرينيات ومطلع الثلاثينيات (انظر تفصيل ذلك في كتابنا؛ [إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة.. من مناهضة الطرقية إلى مقاومة الاحتلال”].
نص تقريض مجلة الزهراء
“البيت الناصري من البيوت القديمة في المغرب الأقصى، اشتهر رجاله بالانتصار للسنة والدعوة إلى العمل بها، ومن نجباء هذا البيت السيد محمد المكي الناصري صاحب رسالة (إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة) التي ذكرناها في الزهراء(م3/عدد586)، كان ألفها عندما رأى بني وطنه متفرقين طرائق قددا، لا عهد لهذه الملة بمثلها في الصدر الأول.
فما كاد ينتقد ما عليه حال الطرق الصوفية في بلاده، حتى اتكأ الطرقيون على رجل كالقصبة المرضوضة، ألف لهم رسالة اسمها (غاية الانتصار ونهاية الإنكسار)، فاضطر الشقيق الأكبر للسيد محمد المكي الأستاذ الفاضل البليغ السيد محمد بن اليماني الناصري إلى مقابلتهم بتأليف (ضرب نطاق الحصار)، وشحنه بالأدلة على أن طريقة الإسلام الأولى تخالف ما صارت إليه هذه الطرق في العصور المتأخرة.
وبعد فإن في المغربين (الأقصى والأوسط) حركة تجديد وصل إلينا صداه، منذ بضع سنين، ولا تزال إلى اليوم، في دور جدتها، هي لا ترمي إلى ما ترمي إليه حركة الكماليين وأذنابهم بمصر، وأذناب أذنابهم في الشام والعراق، لأن الكماليين وأذنابهم يقولون بلا حياء، أن الغرض من تجديدهم، إزالة كل شيء إسلامي، والأخذ بكل شيء إفرنجي.
أما الداعون إلى التجديد في المغرب الأقصى والجزائر فيقولون إن المسلمين جربوا طريقتين: أولاهما التي كانوا عليها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والدول العاملة بأحكام دينه، والثانية التي صار إليها المسلمون بعد أن استعجمت دوله، وأباحت حمى الدين للبدع الطارئة عليه، وهم يقولون -وحجتهم في ذلك قوية- إن أهل الطريقة الثانية تولوا قيادة المسلمين في المائة الأخيرة من السنين، فصاروا بنا إلى ما نحن عليه من ذل وضعف، حتى تغلب الأغيار على الأوطان، وأن بين أولئك القادة اليوم عددا من عشاق الدنيا -نرجو الله أن يكون قليلا- من دأبه إذا خلا بالحاكمين من الإفرنج، أن يقول لهم: نحن عاملون على تثبيت دولتكم في وطننا الإسلامي، فعاونونا على تثبيت دعائم دولتكم في وطننا الإسلامي.
والذي يبحث عن حقيقة الحال، يرى لذلك أمثلة موجودة وياللأسف.
إن هذه الحقائق تحمل المنصف على تمني النجاح لهذا الحزب، من دعاة الإصلاح الذين يريدون الرجوع بالمسلمين إلى هداية الإسلام الأولى، هذا لا يمنعنا من أن إرسال كلمة خالصة لوجه الله نوجه شطرها إلى هذا الفريق، وشطرها الثاني إلى الفريق الثاني.
نصيحتنا لدعاة الرجوع بالمسلمين إلى الهداية الأولى، أن يتأسوا بحكمة التشريع في الهداية الأولى، فيتجنبوا الطفرة، ويضعوا بين عينيهم قاعدة “الإصلاح خير من الثورة وإن كان أطول أمدا“، وإذا كان بين أوضاعنا الحاضرة ما يمكن الاستعانة بصالحي أهله على جعله أداة صلاح ووسيلة لبث مكارم الأخلاق في السواد الأعظم، فإن ذلك خير عندنا من إضاعة الوقت بالجدال.
أما الذين تسوؤهم دعوة الإصلاح ممن اعتادوا حالة يصعب عليهم تغيرها فنلفت أهل الإنصاف منهم إلى حال الأقطار الإسلامية الأخرى التي اشتد فيها تيار الإلحاد محاولا -لا وفقه الله- أن يذهب بالسنة والبدعة معا، وبالهداية الإسلامية القديمة والطرق الصوفية الحديثة على السواء، حتى اضطر هذان الفريقان في كثير من البلاد الإسلامية، إلى أن يأتلفا ويوحدا صفوفهما لصد ذلك التيار الخبيث، بل إن الذي يثبت في الدفاع عن الإسلام وصد ذلك التيار إنما هو جوهر الدين الثابت بالكتاب والسنة.
أما ما عدا ذلك من المحدثات في العصور الإسلامية الأخرى، فالضرورة تقضي بتركه ليلا تكون هذه الزيادات حجة على الأصل من الهداية الإسلامية ولا تظن مسلما صادق الإيمان يرضى بذلك.
إن الفريقين إذا عرفا حالة الشرق -التي يخشى أن يصل شرها إلى المغرب- لا يلبثان أن يتفقا على حالة معتدلة يرضى الله بها عنهما ورسوله والرجاء فيهما أن يعملا”.
(نشرت بالجزء الثاني؛ م4ص123).