تكدس بمدارس “أونروا” في غزة.. أزمة التمويل “تعتصر” الطلاب (تقرير)
هوية بريس – وكالات
تتراص المقاعد الدراسية ـ على غير العادة ـ هذا العام، داخل فصول مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في قطاع غزة.
بعضها التصق بحائط “السبورة” استغلالا للمساحة رغم ما يشكله ذلك من عائق لرؤية ما يكتبه المعلم، وحركة الأخير بين الطلبة والمقاعد.
عشرات الطلاب اشتكوا من الازدحام داخل الفصل، إذ بات عدد الطلاب بالفصل الواحد يقترب من (50)، فيما يجلس ثلاثة على المقعد الواحد الذي يتسع لاثنين في بعض المدارس.
وحرمهم هذا التكدس، بحسب شكاويهم، من المشاركة الحرة والفاعلة والتركيز المطلوب خلال الحصة الدراسية.
ويعجز المدرسون عن الحركة بين المقاعد نظرا لضيق المساحة داخل الصف بسبب ما وصفوه بـ “تكدّس الطلبة”.
** غضب
وأثار تكدس الطلاب داخل الصفوف غضب أولياء الأمور، ما دفعهم إلى الخروج في احتجاجات لعدة مرات في مناطق متفرقة بقطاع غزة.
وقالت سها (25 عاما)، والتي فضلت عدم الكشف عن اسمها كاملا، إنها ترفض هذه الطريقة التي يتم التعامل بها مع الطلبة، حيث يكتظ الفصل بالطلاب.
وتوضح أن طفلتها تشكو يوميا من عدم إمكانية رؤيتها لما يُكتب على السبورة، وذلك لأن مقعدها يلتصق بحائط السبورة.
لكن ضيق المساحة، وارتفاع أعداد الطلاب لم يمكّنها من إقناع المدرسة بنقل طفلتها إلى مقعد آخر.
مجلس أولياء الأمور في مدارس “أونروا”، استنكر في بيان اطلعت الأناضول على نسخة منه، التشكيل الصفي الجديد في مدارس الوكالة، معتبرا إياه “جريمة ترتكب بحق الطلبة”.
وقال المجلس: “إدارة أونروا خرجت علينا بقرار جديد، وهو تغيير التشكيل المدرسي المتفق عليه، ما تسبب في تكديس الطلبة داخل الصفوف”.
وأشار المجلس أن ذلك “يساهم في زيادة المعلمين، وبهذا تصبح أعداد المعلمين والمعلمات في المدارس أكثر من العدد اللازم”، ما قد يمهّد للاستغناء عن بعضهم.
** زيادة شعب صفية
أمل عوّاد، مديرة مدرسة بنات الزيتون الإعدادية (ب)، اضطرت إلى إعادة استغلال غرفة المدرسات والمخزن المدرسي، من أجل استغلالهما في استيعاب الأعداد الكبيرة من الطلبة.
وارتفعت أعداد الغرف الصفية داخل هذه المدرسة من 34 إلى 36 غرفة، منذ بداية العام الجاري.
وتقول عوّاد للأناضول: هذه السنة شهدنا زيادة شعبتين عن عدد الغرف الصفية، وقد شهدنا العام الماضي زيادة أعداد الطلبة داخل الفصول لكن ليس بهذا الشكل”.
وتضم الغرفة الصفية الواحدة داخل تلك المدرسة من (46 ـ 47) طالبة في المرحلة الإعدادية، مقارنة بـ(35 ـ 37) العام الماضي.
وترجع عوّاد زيادة عدد الطلبة في الفصل الدراسي الواحد لعدة أسباب، أهمها “المناطق التي تستقبل أعدادا كبيرة من المواطنين سنويا (هجرة) من المدن التي تقع بعيدا عن قلب مدينة غزة”.
وتقول إن المناطق المحيطة بالمدارس باتت مكتظة بالسكان، لافتة إلى أن مدرسة أخرى تعمل بنظام ثلاث فترات لكثرة أعداد الطلبة الذين انضموا إليها.
وترى عوّاد أن زيادة أعداد الطلبة في الفصول الدراسية تؤثر على جودة العملية التعليمية، حيث إن الوقت المتاح للطالب في الحصة الواحدة بات أقل.
وتعتقد أنه كلما “قل عدد الطلبة داخل الفصل الواحد، كان الوقت المخصص لكل طالب أكثر، وقدرة المعلم على توصيل المعلومة بجو أفضل تزداد”.
وتابعت قائلة: “ترتيب الطلاب في الصف أصبح يصل السبورة، فضلا عن عدم وجود مساحة للمعلم والطالب للحركة داخل الصف”.
** أسباب سياسية
لكن اتحاد موظفي “أونروا” يعتقد بأن هناك أسبابا أخرى ربما تكون سياسية، تسببت بهذا الازدحام داخل صفوف مدارس الوكالة.
محمود حمدان رئيس قطاع المعلمين في الاتحاد بغزة، يقول إن الأمر يأتي ضمن سلسلة التقليصات والمضايقات على الوكالة، حيث أفرغت الوكالة غرفا دراسية كاملة وضمتها إلى غرف أخرى.
وقال لـ”الأناضول”: “ما كان متفقا عليه مع إدارة أونروا، ألا يتجاوز عدد الطلاب في الفصل الواحد 37 طالبا”.
ووصف حمدان الازدحام الصفي في مدارس “أونروا” بالإجراء الخطير لما يترتب عليه من آثار سلبية لعدة جوانب.
وتابع قائلا: “عندما يكون عدد الطلبة أقل، يأخذ الطالب حقه في بيئة تعليمية مناسبة، والمعلم يستطيع السيطرة على عدد الطلبة وإدارة العملية التعليمية على نحو أفضل”.
ولفت إلى أن “أونروا” أطلقت خلال السنوات السابقة برنامجا لتدريب المعلمين في التعليم داخل الفصول غير المزدحمة، وأنفقت خلاله ملايين الدولارات.
وفي ذلك الصدد قال حمدان: “الازدحام الصفي يعني أن الملايين التي صرفت في ذلك البرنامج ستذهب سدى، فهو خسارة إدارية ومالية وتعليمية”.
من جانب آخر، ستضطر وكالة “أونروا” إلى الاستغناء عن 250 مدرسا يعملون في مدارس مختلفة تابعة لها، وفق حمدان.
وأشار إلى أن تلك الإجراءات من شأنها أن تزيد معدلات “البطالة والفقر في قطاع غزة”.
ودعا حمدان لجان اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير ومجلس أولياء الأمور إلى التدخل العاجل لـ”رفض هذا الأمر الذي يضر بمصلحة الطالب”.
وأعرب حمدان عن تخوفاته من توجه “أونروا” للاستغناء عن أعداد من موظفيها في قطاع التعليم بغزة، لذا دعا إلى ضم ميزانية الوكالة للأمم المتحدة.
ومنذ أشهر، يشهد قطاع غزة احتجاجات يشارك فيها الآلاف من موظفي “أونروا” بالقطاع، رفضا لسياسات الوكالة بتقليص خدماتها والتي تمس حقوقهم وحقوق اللاجئين.
وكان اتحاد موظفي “أونروا” قد قال في بيان سابق، إن نحو ألف موظف مهددون بالفصل من وظائفهم.
لكن الوكالة تقول إنها قررت عدم تجديد عقود أكثر من 250 من موظفي برنامج الطوارئ (113 في غزة و154 في الضفة)، وإحالة حوالي 900 آخرين للدوام الجزئي حتى نهاية 2018.
وتعاني الوكالة الأممية أكبر أزمة مالية في تاريخها، بعد قرار الولايات المتحدة، قبل أشهر، تقليص المساهمة المقدمة لها خلال 2018 إلى نحو 65 مليون دولار، مقارنة بـ 365 مليونا في 2017.
وتبع تقليص واشنطن دعمها للأونروا قرار من إدارة الرئيس دونالد ترامب في 31 غشت الماضي، بقطع المساعدات المالية للوكالة الأممية بشكل كامل.
وتأسست “أونروا” بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، وهي الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة.