تكريس اللامساواة في الذكرى العالمية للعدالة الاجتماعية
هوية بريس – عادل بنحمزة
يحيي العالم في 20 (فبراير) من كل سنة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، وهو يوم أقرته الأمم المتحدة سنة 2007. بين 2007 و2022 عرف العالم اختبارين حقيقيين لمفهوم العدالة الاجتماعية، ومدى تمثل المفهوم واقعياً في ممارسات السلطة من خلال القدرة على قياس أثر السياسات العمومية ونفاذ المفهوم في الممارسة، الاختبار الأول تمثل في الأزمة المالية لسنة 2008، والثاني تمثل في جائحة كورونا التي ما زالت تأثيراتها مستمرة إلى اليوم، وفي كلتا الأزمتين ظهر أن العالم يفتقر إلى العدالة الاجتماعية، إذ تكرست الفوارق وضعفت الفرص واتسعت الهوة بين الأثرياء والفقراء.
وبيننا سارعت الدولة إلى إنجاد المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى، فإن حظ العمال ومن هم في أسفل الهرم كان ضعيفاً، وعلى هذا المستوى برزت ظاهرة الاقتصاد غير المهيكل، الذي لعب دوراً بارزاً لعقود طويلة في لجم عقال الفقر والانتفاضات الاجتماعية، فإذا به في ظل جائحة كورونا، وبخاصة مع إجراءات الإغلاق، يتحول إلى خطر يعادل خطر فيروس كورونا نفسه، لذلك نجد الأمم المتحدة تختار موضوع الاقتصاد غير المهيكل موضوعاً رئيسياً للاحتفاء باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية لسنة 2022، إذ إن أزيد من 60 في المئة من السكان العاملين في العالم، أي نحو ملياري شخص، يعيشون في ظل الاقتصاد غير المهيكل، وهو ما يجعلهم خارج أي نظام للحماية الاجتماعية، ولا تتوفر لهم أي امتيازات مقارنة بمن يعملون في ظل الاقتصاد المهيكل. لذلك فإن الأمم المتحدة تعتبر أن إدماج الناس في الاقتصاد المهيكل، يمثل ضمانة لهم من السقوط في الفقر وفي حالة اللامساواة، كما أن ذلك من شأنه أن يعزز من العمل اللائق ومن الرفع من الإنتاجية، ولتحقيق ذلك فإن الدولة يجب أن تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية.
المسافة بين ما تراكمه الأمم المتحدة من أدبيات عن العدالة الاجتماعية وواقع الممارسة على الأرض، شاسعة بشكل يعزز اليقين بأن العالم ما زال بعيداً تماماً من كسب رهان العدالة الاجتماعية، ولذلك مظاهر عدة، تظهر حيناً في المعارك الانتخابية والسجالات السياسية، وفي أحيان أخرى تظهر عبر أبحاث ودراسات علمية موضوعية، كمثال على ذلك نستحضر صورة انعدام العدالة الاجتماعية في المجتمع الفرنسي كما صوّرها، في تجمع انتخابي، الوجه اليساري البارز جون ميلونشون، مرشح الرئاسيات الفرنسية وأحد الوجوه السياسية القليلة على الساحة الفرنسية التي ما زالت تحاول أن تعطي مضموناً مختلفاً للسياسة في المرحلة المعاصرة، فقد ذكّر ميلونشون بحجم الفوارق الصارخة في الأجور، مذكراً بأن المليارديرات الفرنسيين في 19 شهراً الأخيرة والتي تغطي فترة جائحة كورونا، حصلوا على 236 مليار أورو، وهو ما يعني 12 ملياراً شهرياً، 414 مليون أورو في اليوم، 17 مليون أورو في الساعة، 287 ألف أورو في الدقيقة و4790 أورو في الثانية، بينما هناك 17 مهنة حددتها وزارة العمل الفرنسية نظير العمال المنزليين لا يتعدى معدل أجورها ما بين 682 أورو في الشهر لعمال الإصلاحات، و766 أورو في الشهر للصرافين والصرافات، و859 أورو في الشهر لعمال البستنة والعاملين في القطاع الفلاحي، ثم 787 أورو في الشهر و1023 أورو في الشهر لحراس الأمن، أما بالنسبة الى حمالي السلع داخل المخازن فلا يتعدى دخلهم الشهري 1035 أورو، أما عمال البناء فلا يتعدى دخلهم الشهري 1145 أورو في الشهر، كذا العمال المؤهلون للأشغال العمومية فلا يتجاوزون 1400 أورو في الشهر. هذه الفوارق الكبيرة في واحد من نماذج الدول الغربية الرأسمالية لا يمثل حالة خاصة، بل هو الواقع الذي يعرفه الاقتصاد المعولم…
الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان أكد سنة 2004 أن العالم لم يشهد ما يعادل حجم الفقر الذي ينتشر في العالم، وذلك منذ أربعين سنة التي هي عمر العولمة، كما أن الفترة نفسها لم تسجل خروج أي بلد من دوامة الفقر، وذلك منذ سبعينات القرن الماضي، بل على العكس من ذلك هناك دول انزلقت إلى الفقر أو شارفت على ذلك، كما تمثله تجربة الأرجنتين التي عادت بصعوبة من الهاوية بعد خضوعها الكامل للمؤسسات المالية الدولية.
في الضفة الغربية للمحيط الأطلسي، ليس هناك تغيير عن المشهد الذي صوره ميلونشون في فرنسا، بل ربما تظهر مظاهر توحش الرأسمالية أكثر. ويقدم الاقتصادي الجزائري/الكندي عمر أكتوف وهو يفسر مفهوم العولمة، أرقاماً صادمة تبرز حجم الفوارق الصارخة بين الدخل المالي لرموز العولمة، مقارنة ليس فقط مع باقي العاملين في الحقل الاقتصادي حيث يحصل مثلاً كل عامل من بين ستة عمال كنديين على أجر يعادل عتبة الفقر، وفي الولايات الأميركية المتحدة نجد عاملاً من بين أربعة أو خمسة عمال يحصل على أجر يعادل عتبة الفقر، أي ما يقدّر بين 40 و60 مليون أميركي، بل بالمقارنة بمتوسط الداخل لسنوات بعدد من الدول عبر العالم، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، نجد أن معدل أجور المديرين ورؤساء المجالس الإدارية وكبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى الكندية في الساعة، يتراوح ما بين 6 آلاف دولار و73 ألف دولار، بل إن ثلاثة أشخاص هم: جاك ويلش الرئيس التنفيذي السابق لـ”جنرال إليكتريك”، وغراسو الرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد في نيويورك ثم الرئيس المدير العام لـ”كارفور” الفرنسية، سيحصلون كمنحة نهاية الخدمة بعد الإحالة على التقاعد على ما يعادل 20 ألف سنة من متوسط الدخل الأميركي، و200 ألف سنة متوسط الدخل الجزائري، و600 ألف سنة من متوسط الدخل في بنين، ومليون و200 ألف سنة من متوسط الدخل في بنغلاديش.
وفي وقت يعيش فيه 3 مليارات إنسان بأقل من دولار واحد في اليوم، تحصل كل بقرة أوروبية وأميركية على 3 دولارات في اليوم كدعم لإغناء أصحاب المزارع الذين هم أغنياء في الأصل. هذا هو وجه اللامساواة في اقتصاد عالمي غارق في المضاربة وبعيد من الاقتصاد الحقيقي، لا يمثل سوى محرقة كبيرة وقودها الأساس هو الطبقات الفقيرة، بما فيها الطبقة المتوسطة التي تآكلت بفعل الأزمات المالية وجشع الرأسمال.
يقول جان جاك روسو إن “العدالة الاجتماعية شرط الحرية”، فلا حرية من دون عدالة اجتماعية.