تمويل البحث العلمي بجامعة القاضي عياض.. وعود دون عهود
هوية بريس – ذ. عبد الرزاق مرزوك
الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.
في غمرة الإعلان عن تمويل جديد للبحث العلمي بجامعة القاضي عياض، بمبلغ تجاوز ثلاثة مليار سنتيم -كما نشرت ذلك جريدة المراكشية الإلكترونية (www.almarrakchia.net) يوم الأربعاء 20 يوليوز 2016-، توصلنا بتاريخ 24 يوليوز الجاري من (لجنة البحث والشؤون العلمية) بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بقرار جائر صادر عن (لجنة البحث العلمي والتعاون) بجامعة القاضي عياض، المسؤولة عن فحص الملفات التي قدمتها بنيات البحث بالكلية المذكورة طلبا لتجديد اعتمادها.
رفضَ القرارُ الجائر طلبَ اعتماد اثنتي عشرة بنية، منها بنيتنا (البحث في تراث الغرب الإسلامي)، التي لو تولت آلةٌ فحصَ ملفِّها لأجازته، فضلا عن خبير مختص يدري ما يصنع، محيطٍ
بمدلول اسم بنيتنا، وموضوعِ الاختصاص العلمي الذي تنتمي إليه.
من أول وهلة يلحظ القارئ أن لغة الخطابات التي توجه إلينا من (لجنة البحث العلمي والتعاون) فرنسية، اللغة تتابع بها رئاسة الجامعة تدبير هذا الشأن من أول يوم: في مراسلة المديرين لبنيات البحث والاجتماع بهم، على نحو يضطر معه المتحدث والمستمع كل مرة إلى ترجمة فورية مسعفة.
ولئن كانت لغة البحث في بعض البنيات فرنسية بالنظر إلى تخصصات الشُّعَب التي تنتمي إليها داخل كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فإن لغة البحث في سائرها عربية، تقتضي – تحقيقا لأقل شروط تقديرها – مخاطبةَ أهلها باللغة التي سميت بها البِنية، وتُـميز اختصاص الأساتذة الباحثين الممثلين لها، وتُنجَز بها رسائل الدكتوراه التي يعدها الطلبة الباحثون المسجلون بها، وإلا فإننا لا نرضى لبنيتنا فاحصا:
– لا يعرف اللغة العربية معرفة العارف لأصولها وقواعدها، الناطق بها نطق المبينين الفصحاء، المدقق لنصوصها تدقيق الماهرين النبهاء .
– لا يعرف العلوم المؤسسة لاختصاصاتنا الدقيقة المعنية بالبحث في تراث الغرب الإسلامي معرفة المختص الخبير المفيد.
– لا يعرف مصادر كل اختصاص من اختصاصاتنا ومراجعه معرفة الباحث الواعي المتمرس.
– لا يعرف قيمة التراث العلمي الموروث عن أعلامنا المغاربة المؤلفين في العلوم المنضوية تحت تخصصاتنا.
– لا يعرف قواعد تحقيق التراث العلمية، ومسالكه الفنية، ومقاصده الحضارية.
– لا يعرف صناعة التأليف، وليس له فيه مشاركة ولا تجربة مؤهِّلة لترشيد البحث في التخصصات العلمية المعنية بمجال بنيتنا.
إن المفارقة جلية ناطقة بين الإعلان عن تمويل بنيات البحث العلمي بجامعتنا بمثل هذا المبلغ الكبير، وبين فقدان التأهل الذي تعانيه اللجان المخولة -في الجانب المذكور- لمنح اعتماد البنية أو منعه، والفصل في مشاريع ترشحها -إن منحت الاعتماد- بما يثبت استحقاقها التمويل أو ينفيه.
وما ينبغي لنا أن ندعو الأساتذة الباحثين في شتى جامعاتنا إلى إنشاء بنيات البحث العلمي وتقديم طلب الحصول على اعتمادها قبل إنشاء لجان البحث العلمي المختصة، ذات الكفاءة النَّامَّة والأهلية التامة في شتى التخصصات العلمية التي تضمها كل شعبة في كل كلية تابعة لكل جامعة، وإلا فسيظل التحكم والتعسف والإقصاء سلوكا لازما لتدبير شأن البحث العلمي لدينا، وهو السلوك العاصف بأقل شروطه قيمة.
ومن ثم فإنه لا يحق لنا التحدث عن تطوير أو تحديث في عنايتنا بالبحث العلمي بأرقام التمويل العالية فحسب، وإلا فسيكون كل إعلان عن كل تمويل – مهما علا – وعداً دون عهد يبلغه مأمنه، كما أن قسمة استحقاقه بين بنيات البحث العلمي ستكون قسمة ضيزى، ترفع أقواما وتضع آخرين حيفا لا إنصافا، بل إن مجال البحث العلمي أحرى المجالات بالنزاهة ونظافة الأداء الدال على الرغبة الحقيقية في الإصلاح، وباستقامته تستقيم وتنجح مشاريع النهوض بالتعليم وسائر القطاعات.
والجدير بالذكر في هذا السياق أن بنيتنا (البحث في تراث الغرب الإسلامي) قدمت قبل عامين مشروعا عدَّتْه السيدة العمادة يومئذ أحسن مشروع رشحته كلية الآداب والعلوم الإنسانية من حيث الموضوع والدراسة، وكان موضوعه: (ترميم مخطوطات زاوية الشيخ الجيلاني بإقليم أو سرد بالصحراء المغربية)، وذلك:
– بإنشاء مركز بالكلية لترميم المخطوطات المذكورة، بعد استيراد خبرة الترميم عن طريق التعاقد مع مؤسسات مختصة.
– بفتح تكوين ماستر مواز في المجال يؤهل الباحثين الخريجين للاستقلال بالخبرة وتسيير مركز الترميم.
– بإيراد خبرة ترميم المخطوطات لكثير من الدول الإفريقية المجاورة تلقينا وصناعة،
وهو مشروع -إضافة إلى قيمته العلمية الخاصة- لا ينقصه البعد الوطني في التصور والتدبير، ما دام إعمارا علميا وحضاريا لصحرائنا المغربية العريقة، لكنه رفض.
والحمد لله أولا وآخرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، مراكش.
القاضي عياض يتبرأ من إطلاق إسمه على جامعة بمراكش.
معظم بنيات البحث بجامعة القاضي عياض المكلومة تلقت منذ سنوات إنشائها مبالغ خرافية من الوزارة المعنية، ولكنه مع كامل الأسف لم يظهر لها أثر على البنية ككل؛ لا على البحث العلمي ولا على الطلبة الباحثين وبحوثهم، اللهم على المسؤولين على البنيات البحثية من خلال سفريات على حساب البنية، ونشر مؤلفات أنجزها طلبة الإجازة والماستر كل ذلك على حساب البنية… إضافة إلى الكثير من البنيات المعنية لا تضف أية قيمة علمية للجامعة ككل في انفتاحها على قضايا المجتمع الراهنة ومحاولة معاجلتها بالبحث الجامعي الأكاديمي الرصين.
وكثير من رؤساء البنيات والمشتغلين بها أكل الدهر على أجسامهم وعقولهم البالية وشرب، معارف بالية، تكوين جامعي تربوي تواصلي لا يرقى إلى مستوى الجامعة، طاقات إبداعية شحيحة على مستوى التلقين الجامعي؛ فما بالك بتسيير بنيات بحثية أكاديمية ذات أفق في التحصيل والتكوين. فقر في الإنجازات والمشاريع…
أريد فقط أن أتسائل : ما هي المشاريع التي حققت تحت رعاية البنيات الجامعية المتوفرة من حيث التأطير والتكوين والبحث العلمي الرصين ؟
ماذا استفاد الطالب الباحث والبحث العلمي من الدعم السابق للبنيات المتوفرة؟ أين هي البحوث العلمية التي قام بها الطلبة الباحثين؟ لماذا لم تطبع وتنشر ؟ ولماذا أصر أصحاب البنيات على إقبارها؟ أين محضراتكم، ندواتكم ، مؤتمراتكم الوطنية والدولية على غرار باقي الجامعات المرموقة؟
لماذا التهافت على الدعم المالي الخاص ببنيات البحث العلمي الرصينة، ويتم تناسي أهداف البحث ومبادئ البحث العلمي وقيمه السامية في نشر المعرفة وتنوير عقول الباحثين وتحبيب البحث لديهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، طالما أن أغلب الأساتذة في جامعتنا الموقرة مع كل الأسف لا يضعون العلم والمعرفة ضمن أولوياتهم، طرق تلقين بالية تعتمد على الإملاء والمحاضرة الارتجالية البعيدة عن كل اعداد علمي رصين، معاملة سيئة مع طلبة العلم، تبخيسهم والتقليل من شأنهم، عدم اشراكهم في عملية التعلم، تنفيرهم من المواد المدرسة، التلاعب بالقانون الخاص بتوزيع الغلاف الزمني على المواد المدرسة، حيث يلجأ الأستاذ إلى جمع الطلبة وتكديسهم في المدرجات بدل القاعات بهدف تقليص ساعات التدريس على قلتها(8 ساعات فقط)، ويدرس سعادة الأستاذ فصل واحد في السنة!!!!! أين هو البحث العلمي يا أيها الأساتذة “الباحثين”؟؟؟ أين هي إنجازاتكم العلمية والبحثية؟
أغلب الأساتذة في جامعتنا الموقرة في سبات عميق بعيدين كل البعد عن البحث العلمي الرصين، يحسبون أن الطلبة لا خبرة لديهم في تقييم حصيلاتهم، ومستوى إنتاجياتهم العلمي والمعرفية، فالطالب اليوم يقبل على الجامعة وهو يأمل في تحصيل جيد، لكن أغلبهم يصتدم مع غياب الضمير المهني لبعض الأساتذة الذين لا يهمهم سوى التحايل على قوانين الجامعة؛ فتارة وتحت وطأة التأهيل الجامعي والترقية الجامعية بتأهيل الملف العلمي، يلجأ إلى طباعة” إنتاج علمي” في لمحة البصر رديء منسوخ ؛ فيجبر الطلبة على شرائه للحصول على النقطة في غير شفافية وعدالة ومساواة بين الطلبة المغلوب على أمرهم. كما يلجأ معظم الأساتذة إلى الاختبارات بالشفوي لتحقيق هذا الأمر وللهروب من الكتابي وظلال مئات الأوراق التي تريد تصحيحها دقيقا ، لكنها لا تصحح مع كل أسف ، يكتفى يتقدير النقط على الأوراق باعتماد تكنولوجيا النظرة المتفحصة عن بعد…. مهزلة
ليس بالغريب أن نجد جامعاتنا في ذيل الترتيب العالمي من حيث المردودية والانتاجية العلمية؛ لأن الكل ابتعد عن العلم الرصين بل ويحارب كل شيء له علاقة بالعلم والمعرفة، مناهج متهالكة وقديمة قدم الدهر في أغلب التخصصات، نريد أن نقلص الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة لكن نوسعها أكثر بكثير، أغلب المشرفين على مراكز البحوث لا علاقة لهم بالميدان المشرف عليه، الجامعة تسير بعقلية الستينيات من القرن الماضي بعيدين كل البعد عن الابتكار والابداع والتكنولوجيا والبيداغوجية الرقمية بشتى أصنافها.
لقد ضاع العلم عندما ذهبت الاستقالية في تسيير الجامعة، فالحزبية أصبحت طاغية على المشهد العام بالجامعة ككل، التهافت على المال العام بشكل آخر.فالأحزاب هي التي تسير دوالب الجامعة والكليات والمعاهد التابعة لها، فالمناصب الرئاسية تتم عبر الكولسة السياسية لا الدرجات العلمية، في بعد سافر عن الديمقراطية الحقة التي ينادي الدستور ، لا محاسبة، لا انتخاب لا عدل وانصاف . ينبغي أن تبقى السياسة الحزبية خارج أسوار الجامعة برمتها. فمنصب رئيس الجامعة والكليات والمعاهد التابعة لها ينبغي أن بناء على ديمقراطية المنتوج العلمي والمردودية العلمية. بالانتخاب لا التعيين. وكذا رئاسة البنيات البحثية والمراكز التابعة لها ينبغي أن تتم بشكل مقبول يقدم فيه العلم عن الحسابات الذاتية والنعرات العصبية والتهافت على الموارد المالية للشعب المغربي وللطلبة المعوزيين المغلوب على أمرهم.