تمويل المشاريع الكبرى في المغرب: الفرص الضائعة في سوق المالية الإسلامية

06 أغسطس 2025 10:33

هوية بريس – نبيل العسال

رغم توفر المغرب على ترسانة قانونية ومؤسساتية قوية في مجال المالية الإسلامية، فإن تفعيلها على أرض الواقع، خاصة في ما يتعلق بتمويل المشاريع الكبرى، ما يزال دون المستوى المطلوب. هذه الملاحظة جاءت على لسان الخبير والمستشار في المالية الإسلامية، المحاسب المالي المعتمد ذ. نبيل العسال، الذي قدّم تشخيصا دقيقا لوضعية هذا القطاع الحيوي، مبرزا شقيْن رئيسيين يُمكن للمغرب من خلالهما تعبئة موارد تمويلية ضخمة بطريقة شرعية ومستدامة.

أولًا: سوق الصكوك الإسلامية.. إمكانيات مجمدة

الصكوك، بحسب ذ. العسال، تُعد من أهم الأدوات التمويلية للمشاريع الكبرى، وقد أثبتت نجاعتها في تمويل البنى التحتية والبرامج التنموية في عدد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية. المغرب، بدوره، خطا خطوات تشريعية مهمة بإصداره القانون 69.17 المتعلق بالصكوك الإسلامية، والذي صادق عليه البرلمان سنة 2018، إلى جانب مرسومه التطبيقي 2.19.576 الصادر في أكتوبر 2019، حيث تم تحديد المبادئ العامة لإصدار الصكوك.

غير أن الإطار القانوني، رغم وجوده، ما يزال يعاني من نقص في التفاصيل العملية والهيكلة التنفيذية التي تسمح بتفعيل سوق الصكوك بشكل ناجع وفعّال.

وقد تم إسناد الإشراف على إصدار الصكوك السيادية إلى مؤسسة “المغربية للتسنيد” (Maghreb Titrisation) المعروفة بتجربتها في هذا المجال، إلى جانب جهات أخرى حكومية، مثل وزارة الاقتصاد والمالية، وبنك المغرب، واللجنة الشرعية للمالية التشاركية، التي تسهر على مطابقة المنتجات المالية لأحكام الشريعة.

في سنة 2018، تم إصدار أول صكوك سيادية بصيغة الإجارة بقيمة مليار درهم، لكن هذه الصكوك لم تُستخدم لتعبئة تمويلات للمشاريع الكبرى، لا في القطاع العمومي ولا في الخاص، مما جعل التجربة الأولى تتوقف عند بعدها الرمزي فقط.

ويؤكد العسال أن البنك المركزي ووزارة المالية يدرسان حالياً الجوانب التقنية لإصدار ثاني للصكوك، ضمن مراجعة وتقييم للتجربة الأولى، لكن إلى حدود الساعة لم يُعلن عن أي تاريخ محدد لهذا الإصدار، رغم الحاجة الملحّة لبدائل تمويلية وطنية، خصوصًا في ظل محدودية المديونية التقليدية وارتفاع تكلفتها.

ثانيا: الأبناك التشاركية.. تجربة نامية بإمكانات أكبر

الشق الثاني من سوق المالية الإسلامية يتمثل في الأبناك التشاركية، التي تم إدراجها في القانون البنكي 103.12، بعد تعديله في سنة 2014. وقد حددت هذه التعديلات صيغ التمويل الشرعية المعتمدة، مثل المرابحة، المضاربة، الإجارة، المشاركة، والسّلم، تلاها صدور عدد من الدوريات من طرف بنك المغرب واللجنة الشرعية للمالية التشاركية لتأطير عمل هذه المؤسسات.

وانطلقت هذه البنوك رسميًا في تقديم خدماتها سنة 2017، وتُوّج هذا المسار بتعديل المدونة العامة للضرائب في سنة 2020، ما سمح للمنتجات التشاركية بالاستفادة من نفس الامتيازات الجبائية التي تحظى بها الأبناك التقليدية.

كما نظّمت دورية بنك المغرب رقم 1/19 عملية التدقيق الشرعي الداخلي والخارجي، بمشاركة المجلس العلمي الأعلى، لضمان توافق المنتجات والخدمات مع مقاصد الشريعة.

ورغم أن هذه المؤسسات البنكية بلغ عددها حاليًا ثمانية بنوك تشاركية، إلا أن دورها ما يزال محدودًا من حيث نوعية وحجم المشاريع الممولة، إذ تقتصر معظم عملياتها على المرابحة العقارية وتمويل السيارات والاستهلاك، في حين أن المشاريع الكبرى، سواء العمومية أو الخاصة، لا تزال خارج نطاق تمويلها.

ويلاحظ أن أكثر من 80% من التمويلات التشاركية تتم عبر المرابحة، مع بدايات محدودة لصيغ أخرى كـ”السّلم” و”المشاركة”، ما يعكس حاجة هذه الأبناك لتوسيع عروضها وتطوير ابتكاراتها التمويلية.

ويؤكد ذ. العسال أن الأبناك التشاركية، رغم صغر سنها، راكمت تجربة مهمة تخوّل لها اليوم الانخراط في تمويل المشاريع الكبرى، خاصة في ظل حاجة الدولة المتزايدة لتمويلات بديلة ومستدامة.

الاستنتاج العام: نصوص بلا تفعيل

رغم وجود بنية قانونية ومؤسساتية متماسكة، يخلص ذ. نبيل العسال إلى أن التحدي الرئيسي يكمن في غياب الإرادة العملية لتفعيل هذه الإمكانيات. فالنصوص وحدها لا تُنجز مشاريع، ما لم تُرفق بقرارات سياسية ومالية شجاعة.

ويُعرب العسال عن أسفه لكون أدوات المالية الإسلامية، التي أثبتت فعاليتها في تمويل مشاريع ضخمة في دول مثل ماليزيا، إندونيسيا، تركيا، السعودية والإمارات، لم تُوظف بعد بالشكل الكافي في المغرب، في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الوطني تحديات متراكمة تتطلب تمويلا مستدامًا وعادلاً.

خلاصة: فرصة استراتيجية تنتظر قرارًا شجاعًا

في ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض التقليدي، والضغوطات المتزايدة على المالية العمومية، يبدو أن المالية الإسلامية توفر فرصة استراتيجية حقيقية للمغرب، إذا تم استثمارها بالشكل الصحيح.

الصكوك السيادية يمكن أن تموّل الطرق، والموانئ، والمستشفيات، والمدارس، والمشاريع البيئية، في حين يمكن للأبناك التشاركية أن تدعم ريادة الأعمال، والمقاولات المتوسطة والصغيرة، وحتى المشاريع الفلاحية والصناعية الكبرى.

الكرة اليوم في ملعب صانعي القرار المالي والاقتصادي، وعلى رأسهم وزارة المالية وبنك المغرب، من أجل إطلاق العنان لأدوات مالية حديثة، متجذرة في الخصوصية المغربية، ومتوافقة مع قيم المجتمع، وقادرة على دعم التنمية الوطنية بشكل عادل ومستدام.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة