تنويع شركاء المغرب، الدوافع والغايات
هوية بريس-ذ.أحمد نورالدين
على خلفية حصول المغرب على وضع شريك في الحوار القطاعي لدى رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروفة اختصارا بآشيان، حيث سيكون أول بلد في شمال افريقيا يحظى بهذا الوضع، يمكن القول أن تنويع المملكة لشركائها خيار استراتيجي ليس وليد التقلبات الجيوسياسية التي يعرفها العالم خلال العشرية الاخيرة، خاصة منها ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ثم حربها على اوكرانيا، ولا حتى تصاعد حدة الصراع في بحر الصين، والاتجاه نحو المواجهة بين واشنطن وبيكين بخلفية اقتصادية، وغير ذلك من الأزمات وبؤر التوتر التي طفت على سطح العلاقات الدولية.
وفي هذا الصدد يمكننا أن نستقرئ هذا التوجه في السياسة الخارجية المغربية منذ تربع الملك محمد السادس على العرش، حيث بدات تظهر الملامح الأولى لرؤيته الجيوسياسية من أجل إعادة تموقع المغرب على رقعة الشطرنج العالمية، سواء في شقها السياسي والاستراتيحي أو شقها الاقتصادي، فهما مرتبطان ويكمل بعضهما البعض.
وهذه الرؤية حرصت على بث رسائل الطمأنة للحلفاء التقليديين بإن توجه المغرب الجديد ليس مناقضا لمصالح شركائه الكلاسيكيين. ولكن في نفس الآن سعى المغرب بخطى حثيثة نحو تنويع الشركاء مع قوى اقليمية ودولية بما يسمح له بالوصول إلى أهدافه المسطرة. وهو ما تبلور في الزيارات الملكية إلى موسكو وبكين ونيودلهي والتي كللت بالتوقيع على شراكات استراتيجية. ومع واشنطن تم التوقيع على اتفاق للتبادل الحر ثم بعد ذلك على برنامج يهم التعاون العسكري والأمني يمتد الى غاية 2030.
ولا ننسى العلاقات التاريخية والتي يمكن أن نصفها بفوق استراتيجية مع مجلس تعاون الخليج العربي وخاصة مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والتي توجت بقمة المغرب-الخليج سنة 2016. وهي علاقات امتدت لعقود واصبحت تغطي كل المجالات الاستراتيجية بما فيها الصناعات الدفاعية، والمجالات الاقتصادية والمالية والتقنية والعلمية والثقافية والدبلوماسية وغيرها.
وهناك ايضا اتفاقات متقدمة لم ترق بعد الى الشراكة الاستراتيجية مع دول صاعدة مثل البرازيل وتركيا وتجمعات اقليمية في أمريكا اللاتنية، والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، وتوقيع الف اتفاقية في مختلف القطاعات خلال 50 زيارة قادت العاهل المغربي الى معظم دول القارة الافريقية.
وللحديث عن الدوافع نحو هذا التنويع في الشركاء، وباختصار شديد، لا يمكن أن نغفل الجانب الجيوسياسي المتعلق بازدواجية مواقف بعض الشركاء التقليديين الذين يريدون تعاونا او “حبا” احادي الجانب. فتراهم يطلبون من المغرب تعاونا وثيقا في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية وتسهيل الاستثمارات والحصول على الصفقات الكبرى بالمملكة وغيرها من المصالح والمكاسب وحتى الامتيازات.. ولكن حين يتعلق الأمر بأهم ملف استراتيجي يهم مصالح المغرب وهو ملف الوحدة الترابية للمملكة، نجد هؤلاء الشركاء يلعبون على الحبلين، ويقفون في منزلة بين المنزلتين، رغم أن بعضا منهم يتحمل من الناحية التاريخية والسياسية المسؤولية عن جريمة تقسيم اراضي المغرب. واعني هنا تحديدا فرنسا واسبانيا ودول اوربية أخرى كانت شاهدة على تآمر القوى الامبريالية من أجل تقطيع خارطة المملكة المغربية خلال مؤتمر برلين ثم مؤتمر الجزيرة الخضراء.
وأمام هذه الازدواجية وجد المغرب نفسه في فخ الابتزاز من أولئك الشركاء الاوربيين، المفترض فيهم أن يكونوا حلفاءه، فلم يكن هناك بد من رد مغربي يحمل رسائل هامة بأسلوب حضاري يليق بتاريخ المغرب الامبراطوري الممتد لاثني عشر قرنا كدولة مركزية ذات إشعاع دولي.
فكان تنويع الشركاء احد الخيارات الذكية من أجل قلب المعادلة والخروج من وضعية الابتزاز، ومغادرة موقع الهشاشة الجيوسياسية بكسب شركاء جدد يمكن أن يشكلوا، عند الضرورة، بديلا للمتلاعبين بمصالح المغرب الاستراتيجية من الشركاء الكلاسكيين، او على الاقل يمكن أن يشكلوا فزاعة لأصحاب المواقف المزدوجة بأن هناك منافسين يمكن أن يهددوا مصالحهم اذا استمر الغموض والابتزاز في علاقتهم بالمغرب. وقد لاحظنا نتائج مشجعة لهذه المقاربة تمثلت في المراجعات التي طرأت على المواقف السياسية لبعض شركائنا التقليديين ومنهم إسبانيا، إزاء مغربية الصحراء، في انتظار الحسم النهائي للنزاع.
أما المبرر الآخر لتنويع الشركاء فهو ذو طبيعة اقتصادية بالأساس، ويرتبط بمخطط المغرب لدخول نادي الدول الصاعدة، وهو ما يتطلب اسواقا جديدة لشركاته وصادراته، ويتطلب استثمارات مبتكرة من مصادر جديدة ومتنوعة، كما يتطلب سياسة لتحويل التكنولوجيات وتوطينها من خلال استثمار الامكانات الاي تتيحها المنافسة بين الشركاء الجدد والقدامى لتقديم افضل العروض للمغرب مقابل الفوز بصفقات المشاريع الكبرى..
وقد بدأنا فعلا نلاحظ تداعيات ايجابية لتنويع الشركاء والانفتاح على دول وتجمعات جديدة ومن هذه النتائج مضاعفة الناتج الداخلي الخام خلال الفترة الممتدة من بداية القرن الحالي الى نهاية العشرية الثانية منه، وهذا الناتج مؤهل لأن يتضاعف مرة او أكثر من مرة خلال العشر سنوات المقبلة اذا حقق النموذج التنموي الجديد أهدافه المعلنة.
ومن تداعيات تنويع الشركاء بروز صناعات مغربية قوية في قطاعات متطورة لم يكن للمغرب فيها ذكر قبل ذلك، وتعزيز تواجد الشركات المغربية في إفريقيا وغيرها من القارات. وقد استطاع المغرب ان يحقق في بعض القطاعات الريادة على المستوى الافريقي مثل قطاع صناعة السيارات والطائرات وصناعة الادوية، والبنوك والطاقات المتجددة والموانئ او اللوجستيك بصفة عامة، كما حقق المغرب الريادة العالمية بالنسبة لإنتاج الأسمدة والمخصبات التي ستتحكم في نسبة هامة من الأمن الغذائي العالمي.
هذه بعض وليس كل المؤشرات على نجاعة هذا التوجه الاستراتيجي للمملكة، وهو ما سيشجع صانع القرار على الاستمرار في نهجه لتحقيق السيادة الكاملة في أفق 2030 على صعيد معظم القضايا والقطاعات الاستراتيجية المبرمجة على اجندة المملكة. /