توقيف الشيخ العمراوي.. هل التوفيق عدو للخطباء أم للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية؟!
حكيم بلعربي – هوية بريس
مرة أخرى؛ وفي استمرار سياسته التوقيفية يفاجأ المغاربة بالقرار الجائر لوزير الأوقاف أحمد التوفيق القاضي بتوقيف الأستاذ الشيخ محمد العمراوي عن الخطابة بعد خطبة العيد التي نالت إعجاب الرأي العام وانتشرت عبر وسائل التواصل واحتفت بها آلاف الحسابات والمجموعات والصفحات على مختلف منصات شبكات التواصل الاجتماعي.
وإذا كنا قد ألفنا هكذا قرارات تعسفية تصدر مرة بعد مرة عن الوزير الذي تطال عصاه كل من رآه يشوش على سياسته القائمة على إحاطة الشأن الديني بسياج السلبية والعدمية؛ وخنقه بحيث لا يكون له أدنى تأثير ولا فاعلية… فإننا اليوم أمام قرار من نوع خاص واستثنائي.
ذلك أن الأستاذ محمد العمراوي لا يمكن للوزير تصنيفه على أنه مثير فتنة وشوشرة، أو أصحب فكر ثوري أو مذهب دخيل أو منهج وارد حسب موازين وسياسة الوزير… لأن الأستاذ العمراوي يعتبر أحد أكبر المخلصين لما أضحى يعتبر ثوابت الشأن الديني في المغرب، وهي المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وطريقة التصوف السني.
ومع عدم التسليم بهذا الثلاثي الذي لا يعبر حقيقة عن تدين المغاربة إلى عهد قريب، إلا أن الأستاذ العمراوي كان يستميت في الدفاع عنه بل والهجوم على كل من خرج عنه كما في كثير من محاضراته ولقاءاته وكتاباته.
فما هي الجناية التي جعلت أحمد التوفيق يعدم قامة علمية مخلصة لإمارة المؤمنين وصادقة في نهج ما تعتبره الوزارة: “الاختيار المغربي في التدين”.
بالعودة إلى الخطبة المذكورة نجد أن الخطيب قد ألقى خطبته الأولى بشكل عام داعيا إلى التمسك بالإسلام وأحكامه وأخلاقه، معرجا على بعض أحكام الفطر كما هي العادة في خطب عيد الفطر ثم في الخطبة الثانية -ويبدو أن هذا ما أغضب السيد الوزير وجعله يشهر البطاقة الحمراء مرى أخرى دون سابق إنذار أو إشعار-.
قال الشيخ العمراوي: “إن أدنى الحد الأدنى للتدين العام والخاص (أقل القليل) أن لا يسمح بالجهر بالكفريات في مجتمعات الإسلام وأن لا يدعى إلى الخلط بين الحقائق القرآنية وما عند اليهود والنصارى ومن على شاكلتهم من أهل الملل والنحل من الهرطقات والخزعبلات فالدين الحق واحد هو الإسلام لا غير والدين الباطل متعدد التسميات.
ومن أدنى الحد الأدنى للتدين أن لا ترفع للمعاصي الرايات، وأن لا تنصب لها السرادقات، وأن لا يدعى لها في وسائل الإعلام المسموعات والمرئيات، ففي الحديث الشريف الصحيح المليح “من أصاب هذه القاذوراتِ شيئًا فلْيَسْتَتِرْ بسِتْرِ اللهِ“.
وفي الحديث الصحيح :”كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرين” لأن الجهر بالمعصية معصية أخرى”.
ثم أردف قائلا “أيجوز في شرع الله أيها المسلمون والمسلمات أن كون الزنا واللواط والسحاق في الإسلام حراما ثم يجري الحديث علنا في ديار الإسلام عن عدم تجريم العلاقات الرضائية وعن ضرورة التغطية الصحية من مال الأمة لمن ابتلوا بهذه الخبائث.
ما معنى العلاقات الرضائية؟؟ هي الزنا الصريح الذي حرمه الله في القرآن وحرمه النبي صلى الله عليه وسلم في السنة وأجمعت الأمة على ذلك.
وفي الحديث الشريف: “يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ واللَّهِ ما مِن أحَدٍ أغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أوْ تَزْنِيَ أمَتُهُ، يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ واللَّهِ لو تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ولبَكَيْتُمْ كَثِيرًا“.
وهل يجوز أن تكون الخمر حراما في الإسلام وتوصف في نصوص الشرع بأنها أم الخبائث ثم يرخص ببيعها وتؤخذ الجباية من المتاجرين فيها فتوضع في بيت مال الأمة وقد “لعن رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في الخمرِ عَشْرَةً: عاصرَها، ومعتصرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وساقِيَها، وبائعَها، وآكلَ ثَمَنِها، والمشترِي لها، والمُشتَراةَ له“.
وهل يجوز أن يكون الربا حراما في الإسلام ويعلن القرآن الكريم الحرب عليه، ثم تكون الربا هي عصب الاقتصاد العام والخاص في المجتمعات الإسلامية؟؟
قال اله عز وجل”(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)، ما هي القضية إذن (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ) (ما عندوش اعط لو فرصة حتى يكون عندو ويخلص)، (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰمَيْسَرَةٍ) وأعلى من ذلك: (وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) وقد “لعنَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكلَ الرِّبا وموكلَهُ وَكاتبَه وشاهديْهِ”.
لقد بين لنا الرسول الأكرم والنبي الأفخم والإمام الأعظم معالم الصراط المستقيم ورسم لنا مناهج الطريق القويم فقال تعالى: “إن اللهَ عز وجل فرض فرائضَ فلا تُضَيِّعُوها، وحَرَّمَ حرمات فلا تَنْتَهِكوها، وحَدَّ حُدُودًا فلا تَعْتَدُوها، وسكت عن أشياء رحمةً بكم غيرَ نِسْيانٍ فلا تَبْحَثوا عنها” انتهى كلام الشيخ العمراوي.
فإذا كان مجرد هذه الكلمات استحقت في قانون أحمد التوفيق إعدام قامة علمية مخلصة للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والطريقة الصوفية فما تُراه يفعل مع غيره ممن قد لا يكون بالضرورة متقيدا بالاختيارات السالفة.
إن كلام الأستاذ العمراوي يمكن إجماله في خمس نقاط:
-النهي عن الجهر بالكفريات والخلط بين الإسلام وغيره من الأديان.
-النهي عن إشهار المعاصي والدعوة لها في وسائل الإعلام العمومية.
-التحذير من مطلب بعض اللادينيين إلى تقنين العلاقات الجنسية الرضائية/الزنا والسماح بها ضدا على الشريعة والقانون.
-الدعوة إلى القطع مع الثنائية في التعامل مع الإسلام والتصالح مع الذات بمنع ما حرمه الإسلام كالخمر وعدم اعتباره موردا ماليا لخزينة الدولة.
التحذير من الربا وبيان خطرها.
ومادام السيد الوزير قد أغضبه ما في هذه النقاط فما الذي يرضيه من الإسلام المغربي الأصيل؟
ألا يعلم السيد الوزير أن هذه النقاط مستقاة من صريح القرآن وصحيح السنة وهما قوام المغاربة في التدين؟
ألا يعلم السيد الوزير أن هذه المعلومات من المسلمات في المذهب المالكي الذي اختاره المغاربة على مرّ العصور؟
ألا يعلم السيد الوزير أن في مطبوعات وزارته بأمر من الملكين الحسن الثاني رحمه الله ومحمد السادس حفظه الله كالتمهيد والمعيار ما يكفي للتدليل على ما في خطة الأستاذ العمراوي؟
ألا يعلم السيد الوزير أن مطبوعات الرابطة المحمدية مليئة بما يدل على صحة كلام الأستاذ العمراوي؟
ألا يعلم لسيد الوزير أن في مجلة دعوة الحق الموجودة على موقع وزارته ما يكفي لإيراد آلاف الشواهد على كلام الأستاذ؟
ألا يعلم السيد الوزير أن في الدروس الحسنية الرمضانية التي تلقى بحضرة جلالة الملك ما يكفي للتدليل على ما في خطبة الأستاذ؟
ألا يعلم السيد الوزير أن تفسير سلفه في الوزارة العلامة المكي الناصري (التيسير في أحاديث التفسير) الذي كان يذاع يوميا على أمواج الإذاعة الوطنية ما يكفي لإيراد ألاف الشواهد على خطبة الأستاذ؟
فمن الدخيل ومن الأصيل يا سيادة الوزير؟؟ ومن أحق بالتوقيف؟