“ثلاثية” آخر الزمان..
هوية بريس – يونس فنيش
شاهدت صورة معبرة في شكل “سيلفي” لثلاثة أشخاص، متداولة في المواقع الإجتماعية، و نظرا للقصف الشديد الذي تتعرض له مبادىء و معتقدات المغاربة في الآونة الأخيرة، و نظرا لكثرة ما يردده هؤلاء عبر قنواتهم من كلام لا حدود له، و بما أنه كلام غير صائب و مستفز للغاية، ارتأيت أن لا بأس من المساهمة بمقال في هذا الموضوع للتعبير عن وجهة نظري لكل غاية مفيدة:
سيداتي سادتي، “الثلاثيات” تتكاثر و هذا شيء يبدو غير صحي بتاتا. فبعد ثلاثية “الرمضاني-دافقير-الشرقاوي” المعلنة ضمن برنامج “العصابة”، و هي “عصابة” تبقى ودية رغم الإختلاف معها في بعض الأمور، ها هي ثلاثية “عصيد-الفايد-أيلال” تتكون دون سابق إعلان كما لو كانت تعتزم التحرك أولا ضمن مخطط شبه سري مدروس قبل الجهر بنواياها التخريبية مباشرة على العلن. و إذا كانت الثلاثية الأولى تناصر العصرنة أو الحداثة و تتطرق عبر إبداء الرأي حول ما يروج من أخبار يومية أو أسبوعية و بالتالي فهي لا تثير مخاوف بالنسبة للمجتمع، فالثلاثية الثانية همها الوحيد هو محاربة الدين الذي هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع المغربي و التي تبقيه متماسكا تحت إشراف نظام الدولة المحكم في إطار إمارة المؤمنين.
إن معالجة كل الأمور التي تخص المجتمع عبر إبداء الرأي و الآراء مهما اختلفت شيء مستحب، بل ضروري، ولكن أن يتشكل تكتل ثلاثي لتغيير مسار الفكر المغربي جذريا عبر مخطط يعتمد المواجهة و نشر فكر لا يتحمل الرأي الآخر (-مخطط بعيد كل البعد عن التنوير الذي يعتمد عادة على طرح الأفكار و تنقيحها و تصحيحها حسب التفاعلات الفكرية الأخرى في إطار تبادل فكري سليم يهدف فقط إلى تحقيق التقدم و الإزدهار-)، فهذا إذن تكتل ثلاثي قد يتسبب في شيء خطير هدام مرعب مرهب. طيب.
لا مجال لضياع الوقت في محاولة إقناع من كانت نيته سيئة لأنه لا يبحث عن الحقيقة، بل يريد فرض فكره المعوج بكل الوسائل عبر نشر الكذب و تكراره إلى أن يستقر في عقول الناس كحقيقة، علما أن الإنسانية لم تنس بعد أن هذه كانت طريقة “غوبلز” النازي في الأربعينات من القرن الماضي لجعل الشعب الألماني يؤمن بأفكار كاذبة خطيرة بفرط تكرارها على العلن بكل الأبواق المتاحة آنذاك، إذ لولا هيمنة الإعلام النازي أو “البروباغندا” آنذاك لما سيطر “هيتلر” على ألمانيا و لما تسبب في كل ما جرى إبان الحرب العالمية الثانية من مآسي عظيمة… إلا أن الفرق بين المخربين القدامى في ألمانيا، مثلا، و ما قد يحمله الفكر التخريبي اليوم، مثلا، هو أن النازيون كان هدفهم هو التوسع و ضم أراضي الغير، و أما فكر التخريب اليوم فقد يهدف الى محاولة تقسيم الدولة و الوطن الحبيب إلى أطراف ضعيفة، و الدليل “مشروع تامزغا” الذي لن يتم و لن يكون ما دامت قوتنا في إسلامنا، المعتدل الوسطي الثابت..
لا مجال لضياع الوقت مع هؤلاء طبعا، ولكن لابد من إلقاء نظرة ولو مقتضبة على التشكيلة الجديدة المتكونة من تلك المخلوقات الغريبة المتجسدة في “عصيد” و “الفايد” و “أيلال”.
و أما “أيلال”، فيظل سجين مستواه الإبتدائي الذي لا يمكنه من التحليل بل فقط بترديد ما يقال له من طرف جهة ما.. و لذلك فمهمته هي فقط تكرار عناوين المشروع الهدام الذي يهدف إلى زعزعة أساس النظام العام، و بطبيعة الحال فخطابه المبسط الساذج يتوجه إلى الفئة غير المتعلمة أو ضعيفة التكوين المعرفي.
و أما “عصيد”، فمجرد أستاذ فلسفة إعدادية أو ثانوية تدرب على بعض فنون المنطق ولكن فقط عبر استعمال التناقضات بغض النظر على الزمان و المكان مما يجعل نهجه ضعيفا و غير سوي، في حين أن علم المنطق أكبر من ذلك بكثير، ولكن ذلك يمكنه من تمرير أفكار جهنمية بذهاء ماكر قد يخفي حقيقة مقاصده الهدامة حتى على بعض المثقفين الوطنيين المعتبرين.. و يبقى هدف “عصيد” الوحيد هو تحقيق وهمه الساذج ألا و هو إقامة “مملكة أو جمهورية تامزغا” في شمال المغرب العربي الكبير، يعني من طنجة إلى مصر، و في سبيل ذلك فهو مستعد لجميع التحالفات الفكرية و غيرها المناهضة للدين القويم مهما كان شكلها، لأنه يعلم أن ما يوحد المغرب و المغاربة هو الإسلام الذي ظل و يظل منذ 12 قرنا سدا منيعا يحفظ وحدة الوطن.
و أما “الفايد” فيوتوبرز تمكن من جمع أعداد هائلة من المشاهدين على مدى سنين و ذلك عبر الخوض في شؤون ما ادعاه أنها “تغذية صحية”، و مضايقة بعض الشركات التي تصنع شتى المواد الغذائية للظهور كبطل، ولكن فقط بهدف الربح المادي لا غير، و الدليل أن من يستطيع فحص فيديوهاته يجد أنه يغير أقواله حسب مصلحته الشخصية، ولذلك فهو لا يشكل خطرا فكريا، ولكن قابليته على الإرتزاق عبر اليوتوب بدون أدنى مبدأ صحيح قد تجعل منه عنصرا فعالا داخل المجموعة الثلاثية الجديدة الغريبة نظرا لعدد مشاهديه المرتفع و نظرا لتوجيه خطابه لفئة فضولية لا حدود لوقت الفراغ لديها.
سيداتي سادتي، إننا أمام تكتل لثلاثة أشخاص في إطار تيارين اثنين لا ثالث لهما : التيار الذي يمثله “عصيد” و هو تيار يثير النزعة العرقية في سبيل تحقيق “وهم تامزغا” من الغرب إلى الشرق، و التيار الذي يمثله “أيلال” و هو تيار يهدف إلى تحقيق العلمانية المطلقة في المغرب عبر تغيير جذري، و أما “الفايد” فقد يمثل فقط بداية لتأسيس تيار مساعد للتيارين الأولين عبر استخدام أو استعمال “مؤثرين” بنفسية مضطربة و أنانيين لا مبادىء لهم و لا هدف ماعدا تحقيق أرباح مادية شخصية. و “الفايد” يبدو نموذجا واضحا لهذه الفئة، فهو يريد الزبدة و ثمن الزبدة، و لذلك فهو يهادن الإسلاميين تارة، و العلمانيين تارة أخرى، كلما اشتد عليه الإنتقاد الموضوعي سواء من جهة أو من أخرى.
كل من “عصيد” و “الفايد” و “أيلال” يخوضون في أمور عامة الناس، بل في الأمور الدينية و السياسية التي تهم المغرب و المغاربة، و ينشرون أقوالهم على صعيد واسع لا حدود له، و بالتالي فهم يعدون من الشخصيات العمومية في زمننا هذا، مع كامل الأسف، ولذلك فمن جهتي كمواطن بسيط، كان لابد من هذه المساهمة بكل صدق و وضوح في إطار إبداء الرأي و تفعيلا لمبدأ المواطنة الحقة. و الله أعلم.