ثوروا على أنفسكم من أجل العدالة
هوية بريس – ذ. أحمد اللويزة
عرفت دول من بلاد العالم الاسلامي العربي تحديدا ثورات قامت بها الشعوب ضد ما أسموه ظلم الحكام والساسة، ومن أجل العدالة والكرامة، وبكل صدق ومسؤولية فالمطالب غالبها وأهمها تدور في فلك المطالب الدنيوية، والاحتجاجات قامت ضد السياسات التي تحرم الشعوب من حقها في الثروات المادية لا غير، ولا حاجة للحديث عن النتائج المعلومة فليست هي صلب موضوع المقال الذي يريد لفت الأنظار الى الحقيقة المرة التي لا تقبلها النفوس التي لا يهمها من هذه الدنيا الا مطالب تحقق لها شهوات نفسية متعددة، تزداد تنوعا مع تطور الحياة المادية.
وإذ لم يتغير من الحال شيء، بل لم يزدد الا سوءا فإنه وان طالت هذه الاحتجاجات والثورات والاعتصامات الى قيام الساعة فلي اليقين أنها لن تحقق من المنشود شيئا ما دامت الشعوب لم تعد الى أصل الداء وتضع يدها على الدواء، والمعني بهذا الكلام شعوب مسلمة عندها الوحي الذي يدلها على أسباب التدهور والانهيار الحضاري، ويدلها على أسباب الرقي والتقدم وتحقيق الرفاه الدنيوي، لكن لابد أن يمر ذلك وجوبا وبلا نقاش عبر قناة تحقيق المطالب الدينية الشرعية القائمة على تنزيل الاسلام بشرائعه أعمالا وتصرفات على أرض الواقع، فصفة من يعدهم الله بالتمكين والازدهار وعلو الرفعة واردة في قوله تعالى: “الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور“. فينبغي التأمل، فمن لهذه الغايات ممن خرج اليوم يطالب برخص المعيشة، وتقسيم الثروات، وتوفير البنيات التحتية وهلم جرا مما هو مطلوب شرعا لكن لتحقيق ما سبق ذكره في الآية. وليس لتوظيفها في العصيان والانحراف والطغيان إذ طغيان نفوسنا وظلمها هو الذي أوردنا هذه المهالك.
فقبل أن نواجه الحكام والمسؤولين بظلمهم، ونطالبهم بتركه، نلتفت إلى نفوسنا لنحارب ظلمها الذي لا يقل شرا عن ظلم أولئك.
إن كثيرا من ظلم المسؤولين ما كان له أن يكون لو لم يتواطأ مع ظلم الشعوب.
وليس ظلم الحكام مسوغا أبدا لظلم الشعوب بدعوى الناس على دين ملوكهم، والا فالأصح كما تكونوا يول عليكم، ونحن نعلم أن النجاشي الملك المسلم أخفى إسلامه خوفا من شعبه، وهرقل عظيم الروم ترك الدخول في الاسلام خوفا من شعبه.
ومن هنا أوجه الأسئلة الصادمة الى هذه الشعوب الثائرة التي تشعر بالحكرة والظلم وتتهم الدولة دون نفسها بممارسة ذلك.
من يذهب الى أضرحة ومواسم الدولة التي تنفق عليها الملايين؟
من يذهب الى مهرجانات الدولة التي تنفق عليها الملايير؟
من يتفرج على سهرات الدولة الماجنة وأفلامها الساقطة وبرامجها التافهة…؟
من يذهب الى حانات وخمارات الدولة التي يباع فيها الخمر لغير المسلمين!!!!!!؟
ومن يذهب الى المراقص وعلب الخنا التي رخصتها الدولة؟
من يذهب الى مقاهي وكازينوهات القمار؟
من يشتري سجائر الدولة التي تربح منها الملايير ويمرض الملايين؟
من تشتري الملابس العارية الفاضحة وتخرج بها الى الشارع ممارسة أبشع انواع الظلم وهي مما صنع في مصانع الدولة أو سمحت باستيرادها الدولة؟
من استرخصت عرضها ومن استباحه من أجل شهوة عابرة هل ألزمته الدولة؟
من يظلم أخواته فيمنعهم حقهم من الميراث؟؟
ومن يعق والديه بالسب والضرب والقتل أحيانا وسوء المعاملة أبدا ومن يرميهم في دور العجزة بلا شفقة ولا رحمة؟
ومن يملأ المحاكم بسب الظلم والسرقة والاعتداء والشجار و… وهي المحاكم التي يقولون أنها عنوان للظلم والحكرة؟
من يقدم الرشوة لموظف الدولة من أجل تغيير الحقيقة؟
ومن يذهب الى بنوك الربا من أجل الكماليات والرفاهية بدعوى الضرورات؟
ومن يأكل اموا الناس بالباطل حين يأخذها سلفا أو تكون ذمته سلما ثم هو مصمم على عدم الوفاء؟
من يغش إخوانه في المعاملات المالية والبيع والشراء والصنائع والحرف…؟
ألا تمارس الشعوب الفواحش والتفحش والمكر والخداع والخيانة والغيبة والنميمة وسوء الجوار وقطيعة الرحم؟
أليست غارقة في المحرمات، وترتكب الكبائر والموبقات، وتمارس نساؤهم الغواية والاغراء، والتباهي والتعالي والرياء الاجتماعي والتكبر والأنانية والاحتقار…؟
لننظر الى أنفسنا نظرة تأمل ومحاسبة…
فإن القائمة طويلة طول المعاناة والألم الذي يعتصر الفؤاد على حال أمة أرادها الله أن توظف الدنيا للأخرة وأن تخدم الدين بدنياها وهي تريد العكس، فما تحقق لها مما تريد شيئا، فيخشى عليها أن تضيع آخرتها كما ضاعت دنياها.
فمتى تثور هذه الشعوب على نفوسها التي تمارس كل هذا الظلم والطغيان، في الوقت الذي تطالب غيرها بترك الظلم وركوب سفينة العدل. إننا إذ فقدنا القيم التي تضمنها الاسلام ديننا الذي ننتمي اليه، فلن يكون منا إلا الافساد في الأرض لو قسمت الثروات بالسوية فسادا يفوق ما نمارسه ونحن نعاني الفقر والظلم والتفقير!!!
إن معادلة الثورة من أجل محاربة ظلم الحكام دون محاربة ظلم النفوس لن يكون لها حل أبدا بدليل الشرع والواقع.
فلتبادر الشعوب الى إصلاح نفسها وعلاقتها بربها ليرفع عنها ظلم حكامها الذي هو جزاء من جنس العمل. فإن الله قال ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس” الناس عموما حكاما ومحكومين، ولم يخصص الله منهم أحدا. فلنجرب أن نترك موبقات الدولة، ونترك المحرمات التي صارت جزء من الذات، ولنسعى الى إصلاح نفوسنا.
وهذا كلام نفيس جامع مانع ينزل بردا وسلاما على النفوس والقلوب السليمة المهمومة بحال الأمة يقوله ابن القيم في كتابه «مفتاح دار السَّعادة» (1/253)، وهو رجل فتح الله عليه كنوز النفس البشرية فعرف من حقيقتها وأسرارها الشيء الكثير (وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ، فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَةُ، فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم، وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها) ونعم الكلام.
لا فض الله فيك اخي و لكن يا ليت قومي يعلمون
اللهم ردنا الى دينك ردا جميلا
جزاك الله خيرا، كلام في الصميم نود أن يجد قلوبا واعية وآذانا صاغية.