جاري البودشيشي 2.. (قصتي مع الطريقة البودشيشية)
ذ. حمّاد القباج
هوية بريس – الجمعة 01 يناير 2015
قبل حلول موعد السفر بنحو شهر؛ قدر لي أن أقرأ كتيبا صغيرا للشيخ محمد جميل زينو رحمه الله، وجَدَتْه الوالدة حفظها الله في مكتبة بحي (المواسين) فاشترته لي..
وَمِمَّا ذكر فيه من المعلومات أن الطرق الصوفية لا تلتزم في الذكر بالسنة النبوية، وأنها تمارس بعض الأذكار بطريقة غير صحيحة!
وهذه المعلومة أحدثت لي تساؤلا حلحل بعض ما كنت تشبعت به من معلومات عن الذكر من خلال الكتب الصوفية، وما كنت أعمل به من ذلك..
لكنها لم تغير شيئا من صورة الشيخ حمزة وطريقته في ذهني..
غير أن الشيخ زينو رحمه الله أحال في إفادته على كتاب لعالم وصفه بشيخ الإسلام ابن تيمية؛ وأنه تكلم عن الموضوع بتفصيل انطلاقا من أدلة الكتاب والسنة؛ واسم الكتاب: “مجموع الفتاوى”..
تعلقت بهذا الكتاب من خلال تلك الفقرات التي نقلها الشيخ زينو، وساعدني على ذلك أن هذا الشيخ المبارك رحمه الله انتقد أخطاء ومخالفات الصوفية بأسلوب فيه رفق وحكمة؛ ولو أنه هاجم الصوفية بشدة وعنف لربما كان ذلك سببا لنفوري..
وهذا -مع الأسف- هو حال بعض الشيوخ والدعاة الذين يعرفون الحق، ولا يحسنون تحبيبه للناس، ويعرفون الباطل ولا يحسنون تحذير الناس منه..
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
طلبت من أبي أن يقتني لي ذلك الكتاب؛ فسأل عنه ولم يجده، وقيل له إنه يباع في مكتبات في الدار البيضاء في حي الحبوس..
وقدر الله أن يكون للأسرة مناسبة في تلك الأيام عند أقارب في البيضاء؛
وبعد رجوعهم من السفر قالت لي أمي مشتكية: “يا ولدي؛ هذا الكتاب فيه ستة كتب كبيرة؛ ستستغرق قراءتها حياتك كلها”!!
قالت: “وقد قال لي صاحب المكتبة أن هناك كتاب آخر بنفس العنوان فيه كتب أكثر بكثير”!
وقد أدركتُ بعد ذلك أنها تعني بالكتاب الأكبر: “مجموع الفتاوى” المطبوع في ستة وثلاثين مجلدا؛ وهو الذي أحال عليه الشيخ زينو، أما هذا المقتنى؛ فهو: “الفتاوى الكبرى” المطبوع في ست مجلدات..
لم أدرك الفرق بينهما في تلك اللحظة، وانكببت على قراءة الفتاوى الكبرى، ووجدت نفسي مشدودا لما أقرأ، وأكثره في كتب الفقه؛ من طهارة وصلاة وصيام.. وغيرها، وفيه مسائل قليلة في السلوك والتصوف..
وَمِمَّا سهل علي قراءة الفتاوى الكبرى -وقد قرأته مرات-؛ أنني كنت مدمنا على القراءة بسبب توجيه والدي رحمه الله ووالدتي حفظها الله؛ الذين زرعا في نفسي حب المطالعة وإدمانها؛ وكان الوالد يكافئني كلما كثرت قراءاتي؛ ولم يكن يسمح لي بالذهاب إلى السينما يوم السبت إلا إذا كانت قراءاتي مرضية له!
وأكثر قراءاتي كان باللغة الفرنسية؛ وقد كنت مسجلا في المركز الثقافي الفرنسي (ccf).
وهذا راجع إلى ما كنا متشبعين به في أسرتنا من أن اللغة الفرنسية هي لغة التقدم والحضارة، وأن الأسرة الراقية هي التي يتحدث أفرادها بالفرنسية ويتقنونها!
كما قرأت قصصا كثيرة باللغة العربية؛ وروايات كبيرة مثل: بعض روايات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم..
وكنت أقتني الكتب العربية -بطريقة التبادل- من دكاكين الكتب القديمة بباب دكالة!
هذا الولع بالقراءة؛ ساعدني على قراءة الفتاوى الكبرى وختمها مرات؛ حتى أن بعض فتاويها لا يزال منقوشا في ذهني إلى الآن..
ولما بدأت قراءة هذه الموسوعة؛ لم أجد جوابا مباشرا عن التساؤلات التي بدأت تراودني بخصوص الطريقة وشيخها..
لكن شيخ الإسلام استطاع أن ينقلني من المنهج الصوفي في التلقي إلى المنهج السلفي بسلاسة ودون أن يحدث عندي رجة فكرية قوية؛ وذلك لأسباب:
1- قوة حجته وقدرته على الإقناع بالعلم والدليل الواضح
2- تكراره الكثير جدا للحث على التمسك بالكتاب والسنة، وأن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة
3- قدرته العجيبة على حفظ النصوص والاستشهاد بها في المكان المناسب بدقة متناهية
4- إنصافه للصوفية؛ واعترافه بفضل ومنزلة الشيوخ الذين اجتهدوا فأخطأوا؛ وأنهم من أصحاب الأجر الواحد
5- اعتداله في نقد أخطاء التصوف؛ وحتى في نقده القوي لأمثال: ابن عربي وابن الفارض وأمثالهما من المنحرفين كان مقنعا وغير متحامل..
لله دره من عالم مصلح مرب إمام.
6- والسبب السادس؛ أنني لم أتوغل في الطرقية لدرجة التعصب لها في حد ذاتها؛ وإنما كانت بالنسبة لي بمثابة: مسكّن نفسي..
وكنت أشعر بأن منهج ابن تيمية في تقرير المسائل والاستدلال لها؛ واضح وأقرب إلى العقل والمنطق، بخلاف كلام ابن عربي الذي وجدته كثير الغموض والتعقيد..
ومن أجل المسائل التي قرأت في فتاوى شيخ الإسلام:
مسألة معنى الرضا
ومسألة فيمن قال: إن الله يسمع الدعاء بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم
ومسألة فيمن يعمل كل سنة ختمة في ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم
ومسألة: هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: “زدني فيك تحيرا”؟
وهذه الكلمة قرأت عند الصوفية أنها حديث نبوي، وأنها من كلمات الأولياء العظيمة؛ لكن ابن تيمية قال شيئا آخر:
جاء في الفتاوى الكبرى (5/ 57):
“مسألة:
هل قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ”زدني فيك تحيرا“،
وقال بعض العارفين: أول المعرفة الحيرة، وآخرها الحيرة.
قيل: من أين تقع الحيرة؟ قيل: من معنيين: أحدهما: كثرة اختلاف الأحوال عليه.
والآخر: شدة الشر وحذر الإياس.
وقال الواسطي: نازلة تنزل بقلوب العارفين بين الإياس والطمع، لا تطمعهم في الوصل فيستريحون، ولا تؤيسهم عن الطلب فيستريحون.
وقال بعضهم: متى أصل إلى طريق الراجين وأنا مقيم في حيرة المتحيرين.
وقال محمد بن الفضل: العارف كلما انتقل من حال إلى حال استقبلته الدهشة والحيرة.
وقال: أعرف الناس بالله أشدهم فيه تحيرا، وقال الجنيد: انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة.
وقال ذو النون: غاية العارفين التحير، وأنشد بعضهم:
قد تحيرت فيك خذ بيدي***يا دليلا لمن تحير فيه
فبينوا لنا القول في ذلك بيانا شافيا؟
الجواب:
الحمد لله، هذا الكلام المذكور: ” زدني فيك تحيرا “، من الأحاديث المكذوبة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث.
وإنما يرويه جاهل أو ملحد، فإن هذا الكلام يقتضي أنه كان حائرا، وأنه سأل الزيادة في الحيرة، وكلاهما باطل، فإن الله هداه بما أوحاه إليه وعلمه ما لم يكن يعلم، وأمره بسؤال الزيادة من العلم بقوله: {رب زدني علما} [طه:114] .
والهداية في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة:6] وقد قال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى:52].
فمن يهدي الخلق كيف يكون حائرا.
والله قد ذم الحيرة في القرآن في قوله: {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى} [الأنعام:71].
وفي الجملة، فالحيرة من جنس الجهل والضلال، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- أكمل الخلق علما بالله وبأمره، وأكمل الخلق اهتداء في نفسه، وأهدى لغيره، وأبعد الخلق عن الجهل والضلال، قال تعالى: {والنجم إذا هوى} [النجم:1]، {ما ضل صاحبكم وما غوى} [النجم:2]، {وما ينطق عن الهوى} [النجم:3].
وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} [إبراهيم:1].
وقال تعالى: {وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} [البقرة:213] إلى قوله: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [البقرة:213]، فإنه قد هدى المؤمنين به.
وقال تعالى: {اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم} [الحديد:28]”.
ومن كلامه العظيم الذي أبكاني لدرجة انقطاع النفس، ويشهد الله أنني كلما أعدت قراءته اغرورقت عيناي:
قال:
“وفي الحديث الصحيح: «يقول الله من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا؛ ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
وفي الحديث الصحيح: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني».
وقد ثبت أن الله تعالى كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، وقد ثبت من حكمته ورحمته وعدله ما يبهر العقول، لأن هذه المسألة تتعلق بأصول كبار من مسائل القدر والأمر والوعد والوعيد، والأسماء والصفات، قد بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا الكلام على ما ذكر من هؤلاء الشيوخ، فقول القائل: ”لا تطمعهم في الوصول فيستريحون؛ ولا تؤيسهم عن الطلب فيستريحون ” هي حال عارض لشخص قد تعلقت همته بمطلوب معين.
وهو يتردد فيه بين اليأس والطمع، وهذا حال مذموم؛ لأن العبد لا ينبغي له أن يقترح على الله شيئا معينا، بل تكون همته فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور، فمتى أعين على هذه الثلاثة جاءت بعد ذلك من المطالب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولو تعلقت همته بمطلوب فدعا الله به، فإن الله يعطيه إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له من الخير مثلها، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها.
ولفظ الوصول لفظ مجمل، فإنه ما من سالك إلا وله غاية يصل إليها.
وإذا قيل: وصل إلى الله أو إلى توحيده أو معرفته أو نحو ذلك، ففي ذلك من الأنواع المتنوعة والدرجات المتباينة ما لا يحصيه إلا الله تعالى.
ويأس الإنسان أن يصل إلى ما يحبه الله ويرضاه من معرفته وتوحيده كبيرة من الكبائر، بل عليه أن يرجو ذلك ويطمع فيه،
لكن من رجا شيئا يطلبه، ومن خاف من شيء هرب منه، وإذا اجتهد واستعان بالله تعالى، ولازم الاستغفار والاجتهاد؛ فلا بد أن يؤتيه الله من فضله ما لم يخطر ببال.
وإذا رأى أنه لا ينشرح صدره، ولا يحصل له حلاوة الإيمان ونور الهداية، فليكثر التوبة والاستغفار، وليلازم الاجتهاد بحسب الإمكان.
فإن الله يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت:69]،
وعليه بإقامة الفرائض ظاهرا وباطنا، ولزوم الصراط المستقيم؛ مستعينا بالله متبرئا من الحول والقوة إلا به.
ففي الجملة: ليس لأحد أن ييأس؛ بل عليه أن يرجو رحمة الله”.
إلى أن قال ابن تيمية:
“وما نقل عن الجنيد أنه قال: انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة، فهذا ما أعرفه من كلام الجنيد، وفيه نظر، هل قاله؟ ولعل الأشبه أنه ليس من كلامه المعهود”..
إلى آخر الفتوى؛ التي أثرت في كثيرا..
وهنا بدأت أشك في صحة ما قرأت عن التصوف؛ وقررت تأجيل زيارة الشيخ حمزة حتى أفهم جيدا هذا الموضوع الهام والخطير؛ ألا وهو: الطريقة الصحيحة في التدين، والسبيل الموصل إلى مرضاة الله ومحبته: {وأن هذا صِرَاطِي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}..
يتبع بحول الله تعالى..
في المقال أخطاء : دره بدل ذره
يمشي بدل يمش
ثم المقال ليس بأسلوب القصة الشيقة ولا بالأسلوب العلمي الرصين
ثم ماشأنك ياقباج وشأن محاربة التصوف .إنما شغلك بالسياسة ومحاربة الشيخ المغراوي حفظه الله تعالى.
أما هذه المقالات فما هي إلا ترويج لسلعتك بعد أن انفض عنك الناس وصرت ”لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا”