جامعة ابن طفيل تقوم بتشريح سوسيو أنثروبولوجي لكتاب “فكيك، الواحة المكلومة إثنوغرافيا عالم معيش”
هوية بريس – العربي كرفاص (القنيطرة)
اِستضاف مسلك علم الاجتماع عالِمَيْ الاِجتماع البروفسورين الدكتور جمال فزة والدكتور حسن احجيج، لتقديم كتابهما “فكيك، الواحة المكلومة. إثنوغرافيا عالم معيش”، واحتضن فعاليات هذا اللقاء العلمي مدرج الندوات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وذلك يومه الأربعاء 11 مارس 2020.
عرف هذا اللقاء السوسيو- أنثروبولوجي، الذي سيّره بكل اقتدار الدكتور عبد الصبور لكرامات، حضورا نوعيا من طلبة وأساتذة وأكاديميين مهتمين ومتتبعين لأعمال البوفسورين جمال فزة وحسن احجيح.
وعن مضمون هذا الكتاب والغاية من تأليفه، أدلى لنا البروفسور جمال فزة، أستاذ السوسيولوجيا والأنتروبولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، بالتصريح التالي “حاولنا في هذا الكتاب، فكيك الواحة المكلومة، أن نفسر وأن نفهم تدهور الواحة انطلاقا من العامل الثقافي؛ يعني الشخصية القاعدية للفكيكيين والإيتوس؛ يعني الروح العامة أي مختلف القيم القاعدية التي تؤسس للشخصية الفكيكية العامة، انطلاقا من دراستنا للفكيكيين حاولنا فهم تدهور الواحة، بمعنى أننا انسلخنا عن الإشكالية التي يطرحها الجغرافيون المتعلقة مثلا بالتناقض بين النمو الديمغرافي ونذرة الموارد، هذه التفسيرات المادية نعتبر بأنها لا تفسر كليا، ولا تلامس جانب التعقيد الذي يطبع ظاهرة تدهور الواحة، فحاولنا من الناحية الإثنوغرافية أن نرى في الثقافة الفيكيكية ما يفسر هذا التدهور وتراجع الواحة. ولعل مسألة الحدود كانت حاضرة بقوة في هذا التفسير لأن فكيك منطقة حدودية وفيها كثير من المشاكل على مستوى الحدود، ويشعر الناس بأن الأرض التي تحتضنهم هي أرض يمكن أن تُسلب منهم بين عشية وضحاها، وأنا أقول هذا الكلام وأستحضر الإحساس العميق الذي خلفه فقدان واد جوس فانا للفكيكيين؛ بحيث أصبح اليوم يدخل في إطار الأراضي الجزائرية، ويشعرون كذلك في التهيئة الحضرية التي يقوم بها المغرب، يرون دائما أنّ الدولة تميل إلى توسيع الحزام العسكري العازل، وهذا يجعل أراضي فكيك تدخل داخل هذا الحزام العسكري العازل، وهو ما يرفضه الفكيكيون ويعتبرونه بيع، وأنا أقول هذا الكلام وأستحضر تظاهرة خرج فيها الفكيكيون، رفعوا فيها شعار فكيك ليست للبيع، من هذا الإحساس هم مجروحون في علاقتهم بالأرض وكيف تتعامل الدولة مع الأرض، وهذا يترك لهم جرحا يؤثر على تنمية الأرض ويجعل الأرض تبور، إضافة إلى الهجرة وعوامل أخرى”.
وعطفا على ما جاء على لسان الدكتور فزة، صرّح لنا البروفسور حسن احجيح بما يلي “كتاب فكيك، الواحة المكلومة. إثنوغافيا عالم معيش، هو دراسة ميدانية أنجزناها أنا والزميل جمال فزة في إطار منحة بحث، وكانت هذه الثمرة التي وضعنا فيها نتائج بحثنا وتأويلاتنا لهذه النتائج. وكان هدفنا هو أن نبين أن المشاكل التي تعيشها واحة فكيك ليست مشاكل تقنية فقط، يعني مرتبطة بالتصحر وقلة الماء وغيرها من المشاكل التقنية والبيئية، وإنّما هناك مشاكل وأسباب اجتماعية وثقافية ، وقد ركزنا في هذه الدراسة على محاولة الربط بين ما هو ثقافي وما هو بيئي من أجل تبيان كيف تؤثر البيئة أي المجال البيئي على الثقافة، وكيف تؤثر الثقافة بدورها على المجال البيئي والمجال المادي. والخلاصة التي استخلصناها بشكل واضح هو أنّ هناك تعقّد للظاهرة البيئية في واحة فكيك، وأنّ واحة فكيك تتميز بخاصية أساسية تخترق كل مناحي الحياة في فكيك وأيضا تخترق المجال البيئي وهي مسألة الحدود، فَفِكيك توجد في طريق مسدود، وأنّ هذا التواجد في هذه المنطقة الحدودية هو الذي شكّل سببا أساسيا و أثّر في أسباب أخرى أدّت إللى التدهور البيئي في واحة فكيك، وإلى الإفقار السوسيو- اقتصادي للمنطقة”.
من جهته، وعن أهمية الكتاب، أدلى لنا منسق مسلك علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة البروفسور شفيق عبد الغني بتصريح جاء فيه “هذا اللقاء العلمي يندرج ضمن اهتمامات مسلك علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل بمختلف الإنتاجات العلمية التي تصدر، وبعد نقاش طويل مع الزميلين حسن احجيج وجمال فزة ارتأينا تقديم هذا العمل، بعد سنتين من البحث والعمل الميداني الجاد بواحة فكيك، ومن يقرأ هذا الكتاب يستشف بأنّ هذا العمل يجمع بين العمق السوسيولوجي وبين التحليل الإثنوغرافي وأيضا بين الدرس المنهجي، وقارئ الكتاب يستشف كذلك بأن المقاربات التي سادت إلى عهد قريب سواء مع الجغرافيين أو مع المؤرخين وما إلى ذلك كان يطبعها نوع من التسرع، ومن الربط الميكانيكي مابين التدهور البيئي والتنمية بالمناطق الواحية وما بين العوامل الديمغرافية والإنتاج الاقتصادي”.
وأردف عالم الاجتماع شفيق موضحا “ما يحسب لهذا المؤلف بطبيعة الحال أنّه حاول أن يخرج عن هذا السياق، وحاول أن يقارب إشكالية التنمية المستديمة بالواحات، آخذا بعين الاعتبار المؤسسات المحلية وأخذا بعين الاعتبار من جهة أخرى مختلف أشكال الديناميات الاجتماعية، التي تسم هذه المناطق خاصة وأنه حاول أن يركز كثيرا على المعيش اليومي للسكان من خلال أنساق التفاعلات الاجتماعية، ومن خلال التركيز مثلا على المعاني والدلالات التي يضفيها الفاعلون المحليون على أفعالهم وعلى علاقاتهم الاجتماعية. لامست من خلال قراءتي لهذا العمل ولو أنها قراءة أوليةعلى أنّ هنالك بطبيعة الحال الكثير من الأشياء التي لم ينتبه إليها بعض الباحثين، وأنا أعلم جيدا أنّ مؤرخين كثر، منهم السي أحمد مزيان وآخرون وبعض من اشتغلوا حول واحات فكيك، لكن اشتغلوا حول واحات فكيك انطلاقا من عين المؤرخ ولم يركزوا كثيرا على هاته القضايا الجديدة، والباحثان من خلال هذا البحث القيم ربما فتحا الدراسات السوسيولوجية والأنثروبولوجية عموما عليها، منها على الخصوص أشكال التفاعل مع الأرض والمجال، والدراسة وصلت إلى بعض الخلاصات العامة جدّاً فيما يتعلق مثلا بنظام الإرث وبآثار الهجرة القروية على استغلال الأرض. والكتاب خلُص في الكثير من نتائجه إلى أنّ إشكالية التدهور البيئي بواحات فكيك لا ترتبط بالمطلق أو لا يمكن تفسيرها تفسيرا خطيا تبسيطيا، يربط ما بين الضغط الديمغرافي وما بين الإنتاج، ولكن هي أكبر من ذلك هي تجسد إن شئنا دينامية قيمية، يعني على أنّ منظومة القيم والسلوكيات وما إلى ذلك تغيّرت ولم تعد تتكيّف مع أشكال الاستهلاك الجديدة والقيم الجديدة، التي برزت خاصّة وأنّ المنطقة تقع في مجال حدودي هو مجال هش من ناحية ومجال حساس من ناحية ثانية. ونحن نعلم بطبيعة الحال من خلال الدراسات التاريخية أنّ هاته المناطق في لحظات تاريخية، شكلت نقطة وصل و صلة وصل بين كثير من البلدان، وشكّلت كذلك قوة حتى على المستوى السياسي، ظهور إمارات بهذه المناطق، وشكّلت كذلك منطقة إشعاع ثقافي؛ حيث نلمس أنه إذا عدنا إلى كتابات محمد حجي وآخرون، كيف أنّ هاته المناطق شكّلَت مجالا لانتشار حركة التصوف. ولكن ما يجب أن ننتبه إليه هو أنه خلال عقود السبعينيات وبعد الثمانينيات إلى حدود اليوم، بدأت هاته المناطق تدخل في نوع من الهشاشة التي تسوقها نحو موت بطيء إذا صحّ هذا القول، الدولة كذلك انتبهت كثيرا إلى هذا الأمر من خلال الاستراتيجيات التي وضعتها لتنمية الواحات، وأعتقد أنّ الكتاب ركّز عليها كثيرا، ولكنه ركّز عليها بنقد لطبيعة المقاربة في حدّ ذاتها والتي طغى عليها البعد التقنوي الاقتصادي على الخصوص، فهذا الإنتاج استطاع أن يتجاوز هذه المقاربة، واستطاع أن يركّز على الثقافة كمعطى هام في تأصيل الديناميات الاجتماعية؛ بحيث تبدو في هذا الإطار الهشاشة وغياب التوازن، هشاشة التوازن بهذه الأسر ناجمة أو حصيلة لتداخل كثير من العوامل، فيها الاقتصادي الذي لا شكّ أنّ له أهمية كبرى فيما يتعلّق بالبنيات التحتية، وما إلى ذلك ولكن لا بدّ من أن نركز كثيرا على أنّ للأبعاد الاجتماعية والثقافية وما إلى ذلك، البنيات والديناميات والممارسات وتمثلات الناس إلى آخره، لها حضورها القوي في تفسير كل ما يطرأ على الواحة عموما من تغيرات مع نوع من التفاوت بين واحة وأخرى، والكتاب هنا لم يسقط في نوع من التعميم القسري وربما نبّه إليها كثيرا؛ حيث أدرك أنّ خصوصيات واحات تافلالت ليست هي نفسها فيما يتعلق بزناكة، فكيك وما إلى ذلك، وفيما يتعلق مثلا بزاكورة ومناطق أخرى، بل للمنطقة خصوصياتها، فيها حضور البعد التاريخي بشكل هام جدّاً، ولكن كذلك هناك حضور للمعطى الثقافي. أعتقد أنّ هذا الكتاب يقدم مادة دسمة بالنسبة للقراء، بالنسبة للباحثين في العلوم الاجتماعية بكيفية عامة لأنه يتجاوز المقاربات والأطروحات التقليدية التي سادت لزمن طويل، والتي يعاد تشكيلها بنوع من الاجترار، وبطبيعة الحال استطاع أن يفتح الباحثين على موضوعات أخرى آنية، كما أنه يوظف الكثير من المفاهيم والعبارات المحلية بمعنى أننا نستشف حضور الناس، وأن المبحوثين يتكلمون ويبدون آراءهم ومواقفهم. المقاربة لم تكن كمية ولكنها نحت نحو المنحى الفينومينولوجي، الذي يسعى إلى فهم أعماق ما يُختلج داخل البنيات، وهذا ما لم نستشفه في كثير من الكتابات، وشخصيا أرى بأنّ على الباحثين في العلوم الاجتماعية عامة وخاصة الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا أن يعودوا إلى هذا الكتاب القيم والشيق، لا شكّ سيجدون ضالتهم فيه وسيفتحهم على الكثير من الموضوعات التي تحتاج إلى مقاربة وتحتاج إلى دراسات عميقة”.
وبخصوص أهمية هذا اللقاء العلمي، والدينامية التي تشهدها شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بجامعة ابن طفيل، صرّح لنا رئيس الشعبة عالم الاجتماع الدكتور فوزي بوخريص بما يلي “تنظيم هذا اللقاء الذي استضفنا فيه باحثين متميّزين في حقل السوسيولوجيا، واللذين هما جمال فزة وحسن احجيج، تقديم قراءة في كتاب فكيك الواحة المكلومة، هو لقاء يندرج ضمن سلسلة الأنشطة التي يقوم بها مسلك علم الاجتماع، شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وهي أنشطة تدخل ضمن إطار تعزيز التكوين الموازي لطلبتنا بسلك الدكتوراه وسلك الماستر والإجازة”.
واستطرد البروفسور بوخريص قائلا “بالنسبة لنا فإنّ هذا اللقاء مهم جدّاً؛ أولا لقيمة الباحثين اللذين يعتبران من خيرة الباحثين المشتغلين في مجال السوسيولوجيا، واللذين لهما مُنجَز يعني مجموعة أعمال مهمة تتميّز بالرصانة والدقة العلمية، وتكمن أهمية اللقاء كذلك في أنّ المؤلّف مهم جدّاً، وهو ثمرة بحث ميداني سوسيولوجي تتجسد فيه أهمية عمل الفريق، والهدف من هذا البحث هو معالجة بعض القضايا التنموية والبيئية المرتبطة بالتحولات العامة التي تشهدها المجالات الهشة ومنها الواحات بالجنوب الشرقي، أهمية الكتاب كذلك هي أنه تتويج لمشروع حَظي فيه الباحثان بدعم من المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، وتتجلى أهمية هذا البحث كذلك في البرهنة على قيمة الأساتذة الباحثين في الجامعة المغربية، الذين، في الواقع يتمتعون بكل المؤهلات والقدرات لمعالجة القضايا التي تهم المجتمع المغربي وتحولاته، وأن كل ما يحتاجه الأساتذة الباحثون أمثال الدكتور جمال فزة والدكتور حسن احجيج هو الدعم والتمويل، واللقاء العلمي لهذا اليوم كان لقاءً ناجحا بكل المقاييس، ؛ حيث كان فرصة للطلبة للتعرف على شروط البحث ومقوماته”.
بعد قراءتي للكتاب لم ألمس فيه هذا الكم من الدقة والأهمية التي تحذدث عنها المتدخلون