جدال المرنيسي حول اللواط
هوية بريس – د.محمد عوام
(الحلقة السادسة)
من العجب العجاب الذي أتت به المرنيسي، ادعاءها وزعمها “أن النقاش لا يزال عما إذا كان للمسلم الحق باللواط بزوجته: الأمر الذي يبدو لي مهما أن النقاش لم يغلق مطلقا في الأدب الديني الإسلامي، وكل جيل يعاود الجدال فيما تركه أجداده دون الوصول إلى نتيجة مثمرة”.
وبقيت هذه المسألة بدون جواب لأن الآية –حسب الكاتبة- غامضة، تحتمل أوجها من التفسيرات والتأويلات، توضح ذلك بقولها: “نحن، والطبري معنا، أمام إحدى هذه الآيات الغامضة القابلة للعديد من التفسيرات، والتي تفرض إذن على الإمام الذي يشرع (في) بتفسير القرآن أن يضاعف من يقظته”.
وبناء عليه، ترى الكاتبة: “أن السماء بهذه الآية قد ساندت الرجال، كان لهم الحق أن يتخذوا الأوضاع التي يريدونها، وليس للنساء الاحتجاج، وليس لهن إلا أن يخضعن لنزواتهم”.
والرد على هذه الترهات والأراجيف الباطلة، والافتراءات الكاذبة في ما يلي:
أولا: مما يفرضه المنهج والبحث العلمي عند دراسة أي موضوع الإحاطة به، والوقوف على كل جوانبه المعرفية، والنظر في نصوصه توثيقا، وتحقيقا، وتأملا وتدبرا، لأن النظرة التجزيئية للموضوع تنبئ عن خلل منهجي، وتصور مغلوط، فتفضي بذلك إلى نتائج سقيمة وباطلة.
ثانيا: مقام السنة مع كتاب الله تعالى مقام البيان عن الله تعالى، لذلك قال الشافعي رحمه الله في (اختلاف الحديث): “ولا يجوز في قول رسول الله أن يرد لقول أحد غيره.” فالسنة بهذا المعنى بيان وتفسير وتوضيح لكتاب الله تعالى، بيان قولي، وبيان فعلي، وبيان تقريري، وهذا أمر مسلم، لا ينازع فيه أحد. وهو ما يؤكده غير واحد من العلماء، على رأسهم الإمام الشافعي، إذ قال في رسالته: ” فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه، قبل عن رسول الله سننه، بفرض الله طاعة رسوله على خلقه، وأن ينتهوا إلى حكمه، ومن قبل عن رسول الله فمن الله قبل، لما افترض الله من طاعته”.
من هنا أقول: إن “الباحثة الاجتماعية” لم تدقق النظر في قوله تعالى: “فأتوا حرثكم أنى شئتم.”، ولم تقف على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة لهذه الآية، وإنما كان غرضها من هذا الجدال -البيزنطي العقيم- أن تشغب على القارئ وتدلس عليه، وبخاصة ممن لا يعرف اللغة العربية.
ولو رجعت الكاتبة إلى كتب السنة، وإلى تفسير ابن كثير –وغيره- وهو من صيارفة الحديث ونقاده، وخبير من خبراء التفسير، لوجدت أحاديث كثيرة تحرم على الرجل أن يأتي امرأته من دبرها، ولما استرسلت تلهث وراء السراب بادعائها أن الآية غامضة.
من هذه الأحاديث:
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ملعون من أتى امرأته في دبرها.” رواه أحمد وأبو داوود.
– وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن.” رواه النسائي.
أما ما نقل عن ابن عمر رضي الله عنه من إباحته إتيان المرأة في دبرها، ففيه نظر بدليل المرويات التي حكت عنه خلاف ذلك، يقول ابن كثير: “وقد روينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحا، وأنه لا يباح ولا يحل…وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه”.
والذي يبدو أنه وقع لابن عمر رضي الله عنه وهم فيما ذهب إليه، إلا أنه تراجع عنه. روى أبو داوود عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: “إن ابن عمر والله يغفر له أوهم…” والحديث رواه الحاكم في المستدرك على شرط مسلم، والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهما. على أن الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع نص –كما قال القرطبي-: “في إباحة الحال والهيئات كلها، إذا كان الوطء في موضع الحرث”.
وفي هذا السياق حق لنا أن نتساءل، لماذا تنقل الكاتبة هذا الجدل السخيف، من غير أن تنسب الأقوال إلى أصحابها ليَتَبيّن القارئ من صحة ذلك، ويتتبع بنفسه ما قاله الطبري، الذي حكى عن ابن عمر خلاف ما روي عنه؟
ولو أن الكاتبة أنعمت النظر في الآية، وحكّمت سياقها، لتوصلت بنفسها إلى أن إتيان المرأة في دبرها حرام، وذلك أن الله تعالى حرم على الزوج أن يجامع زوجه وهي حائض، فكيف يجوز إتيانها في دبرها وهو محل النجاسة باتفاق؟
قال القاضي ابن العربي: “وسألت الإمام القاضي الطوسي عن المسألة، فقال: لا يجوز وطء المرأة في دبرها بحال، لأن الله تعالى حرم الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة، فأولى أن يحرم الدبر بالنجاسة اللازمة”.
ويبدو أن الكاتبة لم تكن تهدف إلى معرفة الحق، وإنما كانت ترمي –كما هو ديدنها- أن تلصق هذه التهمة بالإسلام، أعني أنه يبيح إتيان النساء من أدبارهن، حتى يحقق الرجال متعتهم الجنسية ونزواتهم الشهوانية، وتتهم بذلك الآية بالغموض، وتفتري على الطبري أحد الأئمة الأعلام وشيخ المفسرين. ولو رجعت إلى تفسير الطبري حقيقة، وأزالت عنها غشاوة التحريف والتدليس والتزوير لوجدت رأي الطبري واضحا وصريحا من غير تلكئ.
وهنا أجدني أسوق كلامه بلفظه كما ورد في تفسيره.
قال الإمام الطبري في بيان قوله تعالى: “نساؤكم حرث لكم”: “يعني تعالى ذكره بذلك نساؤكم مزدرع أولادكم، فأتوا مزدرعكم كيف شئتم، وأين شئتم، وإنما عنى بالحرث المزدرع، والحرث هو الزرع، ولكنهن لما كن من أسباب الحرث جعلهن “حرثا”، إذ كان مفهوما معنى الكلام”.
وقد نقل رحمه الله الخلاف الذي وقع في معنى قوله تعالى: “أنى شئتم”، ثم علق عليه بقوله: “من أي وجه شئتم. وذلك أن “أنى” في كلام العرب كلمة تدل –إذا ابتدئ بها الكلام- على المسألة عن الوجوه والمذاهب، فكأن القائل إذا قال لرجل: “أنى لك هذا المال؟ يريد: من أي الوجوه لك؟. ولذلك يجيب المجيب فيه بأن يقول: “من كذا وكذا.” كما قال تعالى ذكره مخبرا عن زكريا في مسألته مريم: “أنى لك هذا قالت هو من عند الله.” [سورة آل عمران: 37] وهي مقاربة (أين) و (كيف) في المعنى، ولذلك تداخلت معانيها، فأشكلت (أنى) على سامعيها ومتأوليها، حتى تأولها بعضهم بمعنى (أين)، وبعضهم بمعنى (كيف)، وآخرون بمعنى (متى) وهي مخالفة جميع ذلك في معناها، وهن لها مخالفات…”.
وقد أفاض الطبري في ذكر الشواهد لهذا المعنى وبيانه، ثم ختم ذلك بقوله: “وإذ كان ذلك هو الجواب، فمعلوم أن معنى قول الله تعالى ذكره: “فأتوا حرثكم أنى شئتم.” إنما هو: فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتي، وأن ما عدا ذلك من التأويلات، فليس للآية بتأويل.
وإذ كان ذلك هو الصحيح، فبين خطأ قول من زعم أن قوله:” فأتوا حرثكم أنى شئتم”، دليل على إباحة إتيان النساء في الأدبار، لأن الدبر لا محترث فيه، وإنما قال تعالى ذكره: “حرث لكم”، فأتوا الحرث من أي وجوهه شئتم”.
هل كان، الطبري وهو الإمام المبرز في التفسير وغيره، بهذا التفسير الدقيق للآية غامضا أم أن الغموض والضلال المبين ساقا المرنيسي إلى التستر وراء إمام عظيم مثل الطبري لتمرير أيديولوجيتها الفاسدة، وتحريفاتها الضالة؟!!! نعوذ بالله من الخذلان.