جديد عمليات غزو المغرب الغربي 1915م
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
الرباط في 8 يوليوز 1915
المغرب الغربي:
سجل التمرد في شمال الحماية، انتكاسة ظهرت مند الربيع الفارط، لتتكاثر وتتوالد بعنف شديد، على كل مساحة الجبهة الشمالية من الغرب حتى بلاد البرانس.
البرنامج الألماني الدؤوب، لم يتوقف عن النمو منذ عملية لهري، حيث لم يتمكن من الانتهاء بانتفاضة عامة وإعلان الجهاد (الحرب المقدسة) التي يتوقع أعداؤنا أنها من عراقيلهم لـ(مقدمات الحرب) المتوقع على الأقل تحديدها على طول المنطقة الإسبانية، حيث توقفت عمليتنا، حركة عامة عدوانية لفخذات معادية بدأت تضغط على تحركات مجموعاتنا العسكرية لإرهاقها وصدها عن تنفيد برنامجها
إذا ما تحولت الجبهات الغربية في أوربا لخطوط متوازية طويلة، وإذا كانت قواتنا بها مرتبطة بحرب الخنادق، فإن الجبهة المغربية على عكس ذلك، تبقى معتمدة الوقوف على أقدامها لتتمكن من صد الحركات التي يسخرها أعداؤنا نحو كل نقط حدودنا.
في حرب المناورة، والحركة المستمرة في المغرب، حيث تعوض السرعة، الكتلة القوية الحية اللازمة لتحييد عمل أعدائنا، واصلت كوادرنا وقواتنا الانتشار بالمغرب خلال فترة الحرب، رغم أيام الحر الطويلة، ابتداء من ماي ويونيو الأكثر طولا والأكثر نشاط وفعالية.
في مثل هذه العمليات، عندما لا يكون من الممكن لنا بسبب نقص عدد القوات، أن نكون أقوياء في كل النقاط المتعددة على الجبهة المهددة، تكون الخطأ في أية حركة أو مناورة، أو تقدير في تسلسل الهجمات، وتوزيع القوات، واختيار الأهداف، وترتيب الاستعجال لإعمال القوة اللازمة، يمكن أن يؤدي لعواقب وخيمة.
إن المعرفة المتعلقة بالدولة والأشياء والناس، من جانب الرؤساء وجهاز المخابرات، والقدرة على التحمل والطاقة المستمرة للقوات وحدها يمكن أن تمكننا من الوقوف بنجاح في وجه الخصوم الجدد الذين يثيرهم أعداؤنا في أروبا، خاصة مع الوسائل المتاحة لنا ليست فقط محدودة، لكن أصغر قيمة، وأقل ملاءمة من التي كنا نمتلكها قبل الحرب.
لإدراك الصعوبات التي واجهناها في المغرب، منذ بداية الحرب، وتقييم النتائج التي تم الحصول عليها حتى الآن، يجب إلقاء نظرة للوراء على المسار الذي قطعناه وتلخيص الأحداث التي أدت لهذا التحرك المفاجئ الخطير لنشاطنا العسكري، فتحرك اليوم بالكامل نحو الشمال بعدما ظل طويلا أمام مفترق الأطلس المتوسط.
كانت الحرب بالمغرب قد وصلت ذروتها في اليوم الذي تم توسيعها مجددا، نحو اخنيفرة وتمديدها نحو الجزائر، لقد تطلبت التعبئة التي تمت على عجل لصالح المتربول التضحية بأعداد مهمة من قواتنا بالمغرب ولتحقيق النتائج المرغوبة المتمثلة في توسيع ممر تازا، وتدعيم القوة المحتلة له، وسد الثغرة التي تم فتحها في اخنيفرة، واحتواء تمدد انتشار العصيان حول الجبال المعادية ومنع السيطرة على طرق مواصلاتنا، بعد سقوط قطاع زيان في يد الأعداء.
كان من الصعب أن يدور بخلد المقيم العام، فكرة التخلي عن رجل واحد من القوات المحاربة في الجبهة المغربية، لصالح التنقل للقتال في المتربول، وموافقته على الانسحاب للساحل، والتخلي عن المناطق المغزوة من المغرب، وكذا البؤر الاستيطانية به، بل كان يريد تدعيم المراكز المتقدمة بالسلاح والذخيرة والمؤن، لتبقى صامدة في وجه أعدائنا…
لذلك في 4غشت أعطيت انطلاقة الهجوم للفوج الأول المغادر اخنيفرة، وابتداء من 5غشت بدأت عصابات زيان المتشددة بالتسارع للهجوم على المكان.
ابتداء من 7 علِي أمهاوش المطلع على مجريات الحوادث بأوروبا، صرح بأن “الساعة قد حانت لكي لا يجد البربر أمامهم أية مقاومة”.
لذلك عاد في ناحية تازا، لبرانس، وغياتة، وبني وراين، لحمل السلاح، وشرعوا في مهاجمة مراكزنا وقوافلنا على خط مراحل الجزائر.
في الجنوب مُوَّالو الهِبَة -مَحْمي ألماني- حاصر تزنيت، ونفخ في سوس ريح الثورة، التي يخشى أن تمتد لما وراء الأطلس، ولم يبق هناك هدوء إلافي جبهة الشمال، على خط حدود المنطقة الإسبانية: في الغرب وعلى واد ورغة، حيث يكفي المخزن والكوم وبعض الوحدات من قوات الخط الثاني، للقيام بمراقبة هذه الجبهة العريضة، والحفاظ على الأمن بها، إضافة للدعم المقدم من القبائل الخاضعة، التي تمَّ حشدها على طول الجبهة وعليه فقد تم الاحتفاظ بكل قواتنا لتوجيهها نحو الشرق والجنوب، بعدما استعصى الوقوف في وجه الحركة العدائية العامة التي أثارتها الحرب، في تلك المناطق ضدنا، بالرغم من الضربات العنيفة التي تم توجيهها لعمود تلك الحركة وحجر زاويتها في خنيفرة بين 18 و22 غشت، التي مكنت من تفريق الحركات العادية التي حاصرت المجال هناك، وبذلك تحسنت الوضعية في الشمال، كما في الجنوب، وصار الكل تام التسليح.
تحت غطاء هذا التسليح الصلب، الذي تم اختباره، تم مغادرة الكتائب المقاتلة بالمغرب الانتقال للموانئ الخاصة بحملها للمتربول الواحدة تلو الأخرى.
في بداية شتنبر تم تحقيق الهدف حيث بعث من المغرب عدة كتائب تزيد عما كان قد أرسل إليه من أجل احتلاله، إذ في 11 شتنبر رُحِّل أكثر من 37 كتيبة في ظرف شهر واحد للدفاع عن أوربا ومدها بجميع أنواع المساعدات، بعد سلسلة من العمليات القوية التي أوقفت مقاومة الأعداء على طول الجبهة الجنوبية، وكبدتهم خسائر هامة
بدأ الهدوء يسود الجبهة الجنوبية كما في الجبهة الشمالية، بعدما لمس خصومنا في الأطلس بقوة، أننا نود منهم، أن يتأكدوا من أننا يجب أن نكون أحرارا في التصرف بالأراضي التي غزوناها، في تلك المناطق مؤخرا.
داخل المغرب:
الإجراءات الصارمة التي تم اتخاذها لوضع حد للدعاية المناهضة لفرنسا، والاعتراف بنجاحاتنا على الجبهة الزيانية، ووصول أولى التعزيزات الإقليمية، وقوافل الأسرى الألمان طمأنت القبائل الخاضعة تماما، وعززت ثقتها في سياسة المقيم العام، المبنية على سياسة “الابتسامة” التي أقرها مع بداية الحرب وحدَّدها لمعاونيه بوضوح، كي تعطي انطباعا بأن فرنسا قوية، وأن الحرب لن تضعفها، لذلك فإن عملها بالمغرب سيتواصل بشكل عادي، وكأن شيئا لا يحدث.
بفضل هذا السلوك المزدوج: تهدئة في الداخل، وتنشيط في الخارج، كان الوضع يتحسن تدريجيا، ثم استقر، حتى أن معركة لهري الدامية سرعان ما أعقبها إعادة تنظيم عسكري نشيط، جعلها تظهر كحادث حربي، لا أقل ولا أكثر، وصار من غير المرجح أن تكون له عواقب سياسية، بأي شكل من الأشكال.
بيد أن أثرها هو الذي أدى في شمال المغرب لاستئناف التحريض على قواتنا المتقدمة هناك، واستقطب قدرا كبيرا من اهتمامنا ونشاطنا العسكري في هذه الجبهة، خاصة بعد إعلان الريسوني تحويل عدائه نحو جهتنا والمناداة به سلطانا على اجبالا، والتفاف الفارين من قوات اللفيف الأجنبي عندنا والانضمام لقوات الشنكيطي لدعمه في مواجهتنا، والدعاية التي أحدثتها رسائل الحجامي، وفرار عبد المالك -ابن الأمير عبد القادر الجزائري، الذي كان من قواد قوات المولى عبد العزيز المرابطة في عرباوة- من طنجة والتحاقه بقبيلة غياتة المناهضة لنا في ممر تازا.
تنامت القلاقل في منطقة الغرب، وورغة المجاورة للمنطقة الإسبانية، حيث الدعاية الإسلامية الألمانية المحرضة علينا، بواسطة رسائل تقرأ بها باسم سلطان اسطنبول والسلطان الحاج كيوم، وهكذا وجدت منطقة الغرب التي كانت هادئة مسالمة، تدير أعمالها الفلاحية في تناغم مع المعمرين الناشئين النشطين، وجدت نفسها فجأة في قلق من جهة حدودها الشرقية، بسبب تهديدها بالهجوم عليها من قبل: البرانس وغياتة وغيرها من قبائل الجبال، التي تم غزوها من قبل، وإخضاعها، وتعدر تنظيمها بسبب نشوب الحر في أوربا، فكان من اللازم تحويل جهودنا نحو تلك البؤر، بعدما تم تهدئة الجنوب وتنظيمه بنجاح.
حولنا مجهودنا لممر تازا، فكانت العملية الأولى في 21 يناير 1915 حيث مكنتنا أخيرا من إظهار قوتنا للخصوم في هذا الجناح والحفاظ على انسياب التواصل مع الجزائر، غير أننا أجبرنا على توقيف نشاطنا ضد البرانس، بسبب شدة الدعاية الألمانية، وفصل الشتاء الطويل، وإعادة تنظيم مجموعة تازة، وتحسن الطقس ثم مواصلة مهمة إخضاع البرانس.
في الغرب على نهر ورغة حيث اعتدنا على إراحة قواتنا لعدة أشهر، بسبب ولاء السكان الخاضعين، على تخوم المنطقة الإسبانية والتي أقامت الدليل على استسلامها التام، لم تكن الحركة العدوانية التي ولدت هناك فجأة بالمفاجئة لنا، لمعرفتنا بنشأتها، وتطورها، لأنها جاءت من خارج المنطقة، بيد أنها تجاوزت في شدتها ومداها، جميع توقعاتنا.
لقد رأينا كيف أن الإدارة التي أسندت لكولون صغير بالغرب، أزعجت اجبالة وجعلتهم يخشون من توجه عناصره لاحتلال وزان، فأشعلت النار في البارود، في الحقيقة الحركة العامة للعداء التي ولدت، وانتشرت بعد ذلك للبرانس، لم تستفزها هذه الحركة الزائفة فحسب، بل حُدِّدت بواسطة أسباب أخرى أعمق.
ومعركة سيدي بودومة فقط عجلت بظهورها، ومهما كان الأمر، فإن هذا التدهور المفاجئ للوضع بالشمال، تطلب سلسلة من الإجراءات العسكرية الجديدة، والتي كان من المفترض الآن نقلها من الجنوب للشمال مركز ثقل قواتنا ونشاطنا.
قبل الإشارة بالتفصيل إلى الإجراءات المتخذة، وتلخيص الأعمال العسكرية التي حدثت طوال شهر يونيو، في ميدان العمل الجديد هذا، من الضروري الإشارة بإيجاز للوضع العسكري عموما، وموقف القوات في نهاية مايو خاصة كما ضهر من سرد أحداث الشهر الماضي:
الوضع العسكري في نهاية مايو:
في شهر مايو واستجابة لاستئناف العداء الملاحظ في كل مكان، قرر الجنرال المقيم العام سلسلة من العمليات على جميع الجبهات “تهدف لتأكيد نشاطنا في جميع النقاط وانتعاشنا”.
على الجبهة البربرية أعطانا العمل الحازم والسعيد، لكولون تادلا على واد درنة، في نهاية شهر ماي، اليقين بأننا مطمئنون في هذا الجانب على الأقل، لبضعة أشهر، في تزامن مع تقدمنا نحو كِيكُو، وإنشاء مركز تِمَحْضِيت الصيْفي، متراجعا بـ40 كلم نحو الجنوب.
منطقة النفوذ المعادي، لم تقم بأي تحرك معادي على الجبهة، طيلة شهر يونيو، وبالتالي فإن تعزيز وضعنا في هذا الجانب سيسمح للجنرال هنري، ببعث بعض الوحدات من مجموعته، في مكناس، لتدعيم القوات المتوجهة نحو الشمال، دون خشية من الحاجة لها فيما بعد.
في بلاد البرانس، وتحت تأثير أحداث الغرب ومعركة سيدي بدومة، البرانس الذين تجمعوا بعد معركة سيدي احمد زروق التي دارت في 6 ماي، وكأنهم تعافَوْا من آثارها، حملوا السلاح مجددا، وأرادوا القيام بعملية هجوم على مراكزنا، فاعترضتهم قواتنا في عين لخميس، بتاريخ 24 ماي، واشتبكت معهم هناك، وفرضت عليهم استئناف المباحثات المتوقفة.
في الغرب نجاح هجوم 21 ماي على عين الدفالي، القريبة جدا من سيدي بدومة (يوم14) أظهر أن رِتْل الشرطة الصغير في الغرب، لم يعد بقادر على رد هجمات اجبالة المعادين المتنامية عليه.
على ورغة ظهرت بوادر العصيان، حيث انضاف للحجامي، روكي جديد صار يحث الناس للانضمام للجهاد، مشيرا لتدهور الوضع بشكل مفاجئ في الشمال، ولإضفاء مزيد من الوحدة على الإجراءات الأمنية الفورية لمواجهة تلك الأوضاع، كلف المقيم العام الجنرال هنري بتنسيق عمل القوات الموضوعة تحت تصرفه، للعمل على هذه الجبهة.
وعلى الفور تم إرسال سريتين من الرباط لتعزيز كولون الغرب، الذي صار تحت قيادة ليوطنا كولونيل موريال، لكن تلك التعزيزات لم تكن كافية لمواجهة الارتفاع الملحوظ في الحركة المعادية، مما دفع إلى الاستعانة ببعض الفرق التي ماتزال في الاحتياط.
شكل الجنرال هنري كلون كُوربي الذي تمركز على ورغة، في مشرع الباشا، على بعد 15كلم جنوب عين الدفالي، جاهزا للتحرك متى دعت الضرورة، سواء شرقا نحو قلعة اسلاس، أو شمالا باتجاه عين الدفالي.
وعندئذ تبدأ سلسلة تنقل وتحرك القوات التي تجعل من الممكن اعتراض الجماعات المعادية المختلفة، بالجبهة الشمالية، بقوة كافية، تؤدي لتقليص حركتها تباعا، لحد إعجازها، وشل حركتها، أو تحييد بعضها، وإبعاد أي خطر داهم لنا، من قبلها على حدودنا.
عملت هذه التنقلات المكوكية على مدار عدة أيام، من المشي في مسارات بالكاد يتم تتبعها مما يجعل التزود بالمؤن صعبا في أكثر المواسم إرهاقا، حيث الأيام طويلة، خاصة عند عمليات التثبيت المتأخرة، التي تقتضي إقامة معسكر مؤقت، حيث تتواجد القوات، مما يجعل الأمر أكثر إحساسا بمعاناة الضغوط الكبيرة لجنودنا، منذ شهور في قتالهم على كل جبهات المغرب، ومع ذلك فإن هذا التعب الاستثنائي لم يغير أخلاقهم.
لقد تلقت بعض الوحدات السنغالية الشابة ووحدات الاحتياط المغربية، وحتى السرايا الإقليمية، أولى تجاربها الحربية، خلال هذه المعارك، على غرار الوحدات القديمة، التي ما تزال تقاتل بالمغرب، ولم تحض بالراحة طوال أكثر من عامين، ولو أسبوعا واحدا…
ص172/1915.