جديد عمليات غزو المغرب (1915م) (ج4)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
في حوالي 20 اشتد الاضطراب وتفاقم الوضع، بعبور الحجامي ورغة مع 1200مسلح من اجْبَالا، ووصلوا لبُسَبْلٌو في لَحْيَايْنة، التي شعرت بضعف تعاون اسْلاس معها، خلال الهجمات الأولى للعٌصاة، على الضفة اليمنى لورغة، بضغط من الْحَجَّامي، وتهديدات الرَّوْكي الجديد
هذه الفخذات، وبعْض المجموعات الأخرى (اولاد بلْغِينا، جَفْرا، فُقْيانا، اولاد سْلطان)حوالي 300بندقية، انشقوا ودخلوا في العصيان، لمرافقة الحجامي في الضفة اليمنى والعسكرة معه، اولاد جامَع على أهبة الانشقاق، وكذا اولاد عيسى، فرقة من اولاد عمْران” احياينة” لم يقوموا بأية حركة لما عسكر الحجامي عندهم، اسْلاس تفاجؤوا بانشقاق فخذات لحياينة المجاورين، ووجدوا أنفسهم دون حماية تماما، وجيرانهم اشْراكة المحاصرين، بدأوا الرحيل نحو الجنوب بأمتعتهم وقطعانهم
القائد ابَّامحمد الشَّركي، توصل برسائل من قواد الحركات بالالتحاق بهم، لتكوين حلف مشترك بينهم كما طولب من فشتالة الإلتحاق بالثوار.
يوم 22 وصل كُلون سيمون لسوق سبت اولاد عيسى دون مشاكل، ومجموعة دريجوان لواد أمليل
في 23 توجه الجنرال هنري من فاس لسوق الإثنين مرنيسة، لتفقد كولون دريجون الذي وصلها دون مشاكل في منتصف النهار.
على الرغم من الحرارة المفرطة، التي قطع فيها مسافة 30 كلم في ثلاث مراحل بحالة جيدة، وهو على استعداد لتقديم جهد أكبر لإيقاف حركة الانشقاق المنتشرة على الضفة اليسرى لورغة.
أمر الجنرال دريجوان derigoin بالتحرك في اليوم الموالي، ضد فخذات لحياينة المنشقين في اتجاه بوسبيلو، ويدفع لغاية ورغة، والقيام بعبور الواد يوم 25 ومواصلة جهوده لغاية السبت، حيث يتوجه كلون سيمون الذي وصل في نفس اليوم لمولاي بوشتة دون حوادث.
يوم 24 الجنرال هنري توجه لقلعة اسلاس بسيارة رشاشة، حيث وصلها في منتصف النهار
بدون حوادث، وقد وجد كلون سيمون مجتمعا بالكامل.
فشتالة تشجعت في القيام بالدفاع عن أراضيها بحماس بعد مرور هذه القوات، بدأت جماعة اسلاس التي كان الجزء الشرقي منها تحت سيطرة مجموعة من العصاة، في العودة لمداشرها.
خلال هذه المدة، غادر كولون دريجون مرنيسة تنفيذا للتعليمات المباشرة التي تلقاها في اليوم السابق على الساعة الرابعة صباحا متوجها لورغة، وقد سار دون حوادث لغاية مرتفعات سوق الثلاثاء، مخترقا فخدات لحياينا الباقين أوفياء لنا.
من هذه النقطة قامت بدفع متمردي اولاد عيسى أمامها بخشونة وقسوة، وكذا اولاد بلكسا، وصنهاجة، الذين أبدوا بعض الشدة في المقاومة، وكان الحجامي والروكي اجتازا ومن معهما للضفة اليمنى من غير أن يتلقوا أي دعم جديد.
في الساعة 15 وصل الكولون لتلال شرق بوسبلو، على الضفة اليسرى لورغة، حيث عسكر هناك بدون خشية، وفي المساء نفسه قدمت بعض الفخذات العاصية طلب الأمان.
في 25 من الشهر كانت أهم التجمعات المعادية ما يزال مؤكد تواجدها في سوق سبت بني اسعيد، وفقا للتوجيهات العامة انضم الجنرال هنري لكولون سيمون وسار معه.
الكولونيل سيمون مع مجموعة كوربيير تقدموا نحو قلعة اسلاس دون حوادث، ثم سوق السبت اكلاس، مارين بجبل مسعود.
ليوطنا كولونيل درجيون مع مجموعته عبر نهر ورغة في الخامسة صباحا، بالقرب من نقطة عسكرته اخترق أراضي اولاد عيسى (احياينة) العاصين، مدمرا في طريقه المشاتي والقرى، وقاصفا بالمدفع دواوير متمردي جايا، الموجدة في المنحدرات الجنوبية لمرتفعات لحجوج. وفي العاشرة صباحا التقى الكولونان في مرتفع السبت.
الكولونيل سيمون اتخذ وجهة دوار بني اسعيد على منحدر شمال مرتفع لحجوج، حيث تم إبلاغه بتجمع هام معادي هناك في اليوم السابق، لكل من الحجامي والروكي اللذان يريدان تركيز قواتهما به.
بالرغم من ظهور العدو كأنه قليل، إلا أنه قام بمقاومة جادة وغير عادية، مستفيدا من التضاريس الوعرة في تنظيم دفاعاته، فكان من الضروري إزالة كل المنازل، وتمشيط كل المرتفعات، ولو باستعمال الحراب، حتي يتم تدمير كل مشاتي اولاد كرُّون الساكنين في أعلى نقطة من مرتفعات جايا الصخرية.
في نفس الوقت كلون ادريجوان drigoin رمى للشمال والشرق ببعض المجموعات المعادية، فدفع للشمال لغاية اعْزِيبْ الهرْنوني الذي استخدمه، بعد تدميره أثناء تراجعه من عملياته في جبل جايا.
قتل لنا في هذا اليوم الصعب، جندي وجرح 9 بينهم ضابط في حالة خطيرة، “مات بعد نصب المعسكر، وهو ليوطنا كلونيل leca أخ الكومندار الذي قتل في لهري، “وفر الحجامي والروكي وأنصارهم، بعدما تكبدوا خسائر كبيرة من أمامنا، وقام الكولون بنصب معسكره بأمان حوالي الساعة السابعة مساء.
في نفس اليوم هاجم 200 من بني ورياكل وبني زروال قبيلة اسلاس الخاضعين في مشاتيهم بالقرب من مركزنا بالقلعة وتم صدهم بمدفع المركز المذكور.
في 26 كان من المقرر على الكولونين مواصلة التمشيط، حتى مرتفع جايا لاختراقها، من أجل بلوغ شمال ورغة قرب أوغزا، لذلك غادرا معسكر السبت.
بلاد جايا تظهر على شكل وادين مليئين بالحدائق، وبساتين الزيتون، مجتمعة حول مضيق مرتفع يلتف نحو شمال مرتفع لحجوج الشديد الانحدار.
كولون دوريجوان تابع السير على جناح الشمال، في حين واصلت القافلة السير بالوادي.
العدو الذي أُخِذ بالمفاجأة القوية في اليوم السابق، لم يظهر مقاومة تذكر لهجوم الكولونين.
خلال مسيرته في الوادي الأول لغاية عنق الممر، انطلاقا من هذه النقطة، جاء متطوعون من شبه جزيرة اوغزا وبلاد بني زروال لمساعدة سكان العديد من المشتات، حيث اعتلوا جناح الواد الثاني للدفاع عن منازلهم، تم تدمير كل المداشر تقريبا بشكل كامل، وتراجع المدافعون عنها فارين للمناطق النائية، بعدما تكبدوا خسائر ثقيلة، تاركين أمتعتهم ومحصوداتهم للإتلاف.
في الرابعة مساء، عسكر الكولون مجتمعا على الضفة اليمنى لورغة، أمام جبل موسى، وقد خسرنا 3قتلى و 4 جرحى.
في 27 كان على الكولون المجتمع استرداد قلعة اسلاس، وتمشيط ممر اورغزا، لذلك عبروا ورغة في الصباح من أمام جبل مسعود.
منتشرين على طول الضفة اليسرى لورغة باتجاه القلعة، في حين صعد الفرسان والمدفعية منحدرات الجبل، بعض المحاولات المعزولة سعت لمضايقة الوحدات المتأخرة من الكولون أمام شبه جزيرة أوغزا، فأبعدت بسهولة، بواسطة المدفعية، تم تدمير دشرات جايا، واسلاس، المتمردة بالكامل، وتفرق التجمع الذي كان في شبه الجزيرة منذ شهر تحت ضغط العمليات التي نفدت في بلاد جاية.
بعد هذه الأيام الثلاثة من العمليات في جايا وبني زروال، أصبحت فخذات لحياينا المنشقة جد متعجبة من عملنا، فبعثت برسائل تجدد طلب الأمان، ومعلنة فيها: “بأن اجبالا مرعوبون من تأثير مدافعنا، وعدد جنودنا الذين نبعثهم إليهم، بعدما فروا بعيدا منا، ظانين أننا أصبحنا عاجزين عن ملاحقتهم، وصاروا لا يعرفون ماذا يفعلون”.
ومع ذلك فإن هذا القمع الساحق والشديد لا يمكن إلا أن تكون له تداعيات محلية، فالجماعات المعدية التي أجليت من قبل الكولون، وأفلتت من بطشه وعنف عملياته، واصلت دائما تحركها في بني زروال مسعدة لإعادة الإعمار بمجرد انسحاب قواتنا.
لذلك كان يلزمنا القيام بضربة قوية في هذا الجانب، ولاسيما في المنطقة المجاورة لورغة،
قبالة فاس البالي، حيث توجد ممتلكات علي بن عبد السلام، الممثل الأساسي للعصيان.
أصدر الجنرال هنري أمرا للكولونيل سيمون بمواصلة العمليات بعد استراحة القوات في 28 بقلعة اسلاس، وذلك في الوقت المناسب، كما أعطى الجنرال توجيهات لتفكيك الكولون في أقرب وقت ممكن، بعد القيام بالمهمة السابقة، ورجوع مجموعة دريجوان لناحية تازا، حيث بدأت تظهر علامات على التحريض، منذ مغادرته نحو الغرب، بينما سيواصل كلون كوربير تقوية وتحسين الوضعية على طول ورغة، قبل أن يعود لمكناس، حيث توجد مجموعته المتنقلة معسكرة.
غار الجنرال الكولون المتجمع بورغة نحو فاس ومكناس في 27 على الساعة الثانية زوالا، وهو في حالة جيدة، رغم الأيام الصعبة التي قضاها على الجبهة، حيث يتعين عليه الاتصال بليوطنا كولونيل موريال للتباحث في كيفية تنظيم إدارة الحماية بالغرب.
وفي يوم 29 وفقا لوجيهات الجنرال، تبين للكولنيل سمون بأنه لم يبق أمامه سوى تجمع معادي واحد شمال ورغة، حول دار السي عبد السلام، فتوجه بقواته نحها لغاية حاسدير hasder حيث اجتاز بلادا خاضعة، بعدما تراجع سكانها توّا عن عصيانهم، من هذه النقطة، خاض معركة انتهت في الساعة 14 ضد مجموعات معادية، مكون أغلبها من بني ورياكل، كانوا متخندقين حول دار السي عبد السلام وقد أبدوا مقاومة ضارية، إلا أن قنبلتنا للمرتفعات المحيطة بالدار وتدميرها بشكل كامل، وتسويتها بالأرض، وملاحقة الأعداء الذين كانوا حولها، بعدما تشتتوا تاركين عدة جثث في الميدان لغاية الساعة الـ15 حيث سكتت البنادق والمدافع معلنة انتهاء المعركة، فتوجه الكولون لمعسكره، الذي أقيم قبالة فاس البالي على الضفة اليمنى لورغة.
كان اليوم صعبا جدا على القوات بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وصعوبة التضاريس، ومقاومة العدو العنيد، خسرنا قتيلين، بينهم ضابط أهلي، و10 جرحى، بينهم 2 ضابط، بينهم كومندار دائرة فاس، وقد تجاورت خسائرنا في الغرب والبرانس منذ 5ماي 40 قتيل و130 جريح.
قضى الكولون يوم 30 في معسكره دون حوادث، بملتقى وادي ورغة وأدور، خرجت مفرزة تحت قيادة ليوطنا كلونيل كوربيير للقيام بتدمير شامل لدار ومزارع السي عبد السلام.
في نفس اليوم عاد الممثلون الذين قدموا في اليم السابق لقلعة اسلاس، مرفوقين بجماعات جديدة قدمت نفسها تحت رعاية السي محمد ولد عبد الرحمان الدرقاوي الموالي لنا.
بعد عملية القمع التي نفذت في الصباح، تقدمت عشر جماعة فرق بني زروال وبني ورياغل للمعسكر حاملين ثور التعَرْكِيبة (لذبحه طلبا للأمان وتعبيرا على استسلامهم لمن يحاربونهم).
“في 29 ببلاد لحياينة جماعتي اولاد امحمد واولاد سلطان، قدِموا تيسَّة لطلب الأمان، وقد حاولت جميع الفخذات الأخرى المساومة في الخطوات الأخيرة من العمليات، العقلية الشريرة العامة لهذه القبيلة العربية، ظهرت بشكل واضح، عندما تم اتخاذ تنظيم تغطية عندهم، أثناء عمليات الغرب، بيد أن القمع الساحق الذي تعرضوا له من قبلنا، أعادهم للخضوع والطاعة من جديد.
“في بلاد اسلاس وفشتالة، كان الشيء الوحيد الذي أعاد لهم الثقة ومنع الانشقاقات هو مرور الكلون عندهم، في شمال ورغة نقول بأن ابامحمد الشركي والشريف المكي، اللذان انضما للكولون، كان لهما تأثير معنوي هام على سكان الضفة اليمنى للوادي، الذين كانوا يجهلون قوتنا، وكانوا حتى يومنا هذا يعتقدون أننا غير قادرين على عبور النهر، لأنه ليس من حقنا فعل ذلك”.
الإخفاق الواضح الذي مني به علي بن عبد السلام، زعيم بني ورياكل، القائد السابق للمخزن بظهير عبد العزيز، المحمي الألماني والذي لا شك في أنه الشخصية الأكثر نفوذا في هذه المنطقة شمال ورغة، سيصير أكثر سعادة في الأول من يوليوز عندما سيصحبه شيخ فقراء درقاوة السي محمد بن عبد الرحمان، لمعسكر الكولونيل سيمون، ليعلن أمامه انضمامه للعمل مع فرنسا.
كان لهذا الخضوع المهم الذي تم بشكل مفاجئ وغير متوقع أثره الكبير في إحداث انفراج جدي وواسع في عملياتنا العسكرية والسياسية بالغرب وشمال ورغة، ونتيجة لذلك جاء كثير من بني ورياغل وجايا، وبني زروال بجماس يطلبون الأمان، ما عدى أحمد بن سلام، أحد الأعيان المؤثرين في جايا فقد رفض الخضوع، فتوجهت مفرزة لداره فهدمتها وأتلفت مزارعه، بعدها تم تفكيك الكولون.
كلون ادريجيون سيغادر المعسكر المشترك بشمال ورغة يوم 4 يوليوز، مخترقا لحياينة من جهة الشمال ليصل تازا، حيث ضهر تحسن في أحوال البرانص، أدي لتصاعد حثيث في تجميع قواتهم مجددا.
أما مجموعة كوربيير، فستبقى في ناحية قلعة اسلاس، وفاس البالي، بعض الوقت، لتؤكد للسكان بأننا أمَّنا خضوعهم في أحسن الظروف.
فيما يتعلق بالكولونيل سيمون، بعدما قاد بمهارة هذه السرية الحيوية، صار عليه الدخول لفاس في 4 يوليوز على إثر تأكيد تداعيات تنامي عداء حقيقي بين سكان بلاد لحياينة الذي شكل لنا وللخادعين رعبا حقيقيا.
ففي ظرف أسبوعين، بعد ردع لبرانص في الشرق، وإعادة الأمن للغرب، الجنرال هنري تمكن من تركيز قواته باتجاه المركز على ورغة، بفضل العمل الحيوي للقوة التي قادها الكولونيل سيمون، وليوطنا كولونيل دريجوان، لرد الحركة المعادية للشمال، مما أسفر على خضوع فخذات كانت منفلتة من قبضتنا، وتوقيف الانشقاقات التي كانت تهدد بالانتشار لضواحي فاس.
مثْل تنقيل القوة هذا، لم يكن ليتم لو لم يسد الهدوء في الجبهة الأمازيغية، الذي ضمن للجنرال هنري حرية المناورة في الشمال.
نجاح مثل هذا لم يكن يتحقق، إلا بفضل تنقل القوات، وتحملها السير الطويل، والانتشار في فصل الحرارة، والثبات في المعارك الدائرة على أرض وعرة، ضد خصوم عنيدين متشبثين بالأرض التي يدافعون عنها، بالحماسة المعهودة فيهم، في كل ساحات المعارك.
إذا كان الشنكيطي والحجامي والروكي الجديد قد نجوا من كلوننا، باللجوء للمنطقة الإسبانية حيث لا يمكن لنا ملاحقتهم، فإن استسلام علي بن عبد السلام، يشكل نجاحا سياسيا وعسكريا كبيرا، ذلك أنه في نفس الوقت الذي تقدم فيه للكولونيل سمون، أشارت العديد من المعلومات الواردة من وكالاتنا القنصلية، أو مراكز استخباراتنا للتأثير المتزايد لهذا المحرض ضدنا، وتم وصفه بالقوي جدا في قبيلته، كما ألحق بنا نكسات دامية وخسائر ثقيلة.
تراجعه يجعل من الممكن كبح حملة الأخبار الكاذبة تلك، وفي نفس الوقت فإن الخاضعين الداخليين سيقومون بمغادرة هذه الجبهة، والعودة لوجهاتهم السابقة، أو التهيء للقيام بعمليات لاحقة في نقاط جديدة.
ص:180
يتبع..