جرائم فرنسا الباردة بالمغرب (ج2) تمزيق الشباب وتشويش مفاهيمه

20 أكتوبر 2020 21:42
جرائم فرنسا الباردة بالمغرب (ج2) تمزيق الشباب وتشويش مفاهيمه

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

– جعل المغاربة واجهة ودروعا للاستغلال

– تحطيم النمط العائلي التقليدي

– تمزيق الشباب ثقافيا وقيميا

– زرع مفهوم الشك والريبة لدى الشباب

– جعل الوطنية صناعة فرنسية

– مفهوم الحرية الفردية

– زرع التفكك في المجتمع.

لقد اعتمدنا في هذا التصنيف على ما كتبه نقيب المحامين بمكناس سنة 1954 بول بيتان، في الفصل الخامس من كتابه le drame du maroc المعنون بـ: “إرباك الشباب المغربي”، جاء فيه ما يلي:

– تمزيق الشباب المغربي وتشويش مفاهيمه

لقد قمنا “نحن الفرنسيون” بقلب وتشويش كل شيء “بالمغرب” لإقامة مفاهيم سياسية وإدارية حديثة، في مواجهة مخزن العصور الوسطى:

– حياة سياسية واقتصادية غربية للقرن العشرين، مقابل حياة اجتماعية واقتصادية للقرن الخامس عشر.

– حياة أسرية مؤسسة على المنزل “الأسرة النووية “مقابل حياة مؤسسة على الباطرياركية (عائلة ممتدة).

– ثقافة غربية، مقابل ثقافة إسلامية -مفهوم لائكي للحياة، مقابل مفهوم تيوقراطي.

هذه هي أعمدة الفروق والاختلاف التي تؤلم الشباب المغربي المتمزق، هذه المعاناة تستحق النظر إليها، لمحاولة فهمها وتضميد جراحها.

– جعل المغاربة واجهة ودروعا للاستغلال

العمل الأول للفرنسيين بالمغرب كان هو إلباسه إدارة حديثة، لا فائدة من وصفها، لأنها هنا كما هي في الخارج لم تعد للمغاربة، مثلما المغاربة غير مهيئين لهذا الشكل الجديد من الإدارة -كان الموظفون في البداية كلهم تقريبا فرنسيون-، نظريا هم فقط مراقبون للأطر المحلية، لكن عمليا يقومون بكل شيء، بحيث تصبح الأطر المحلية مهمشة ولا لزوم لها، أو على الأقل واجهة أمام الملاحظين، كي لا يقال بأن فرنسا تدير البلد مباشرة، مع أن ليوطي يقول بأن الإدارة المباشرة في جلدنا، nous avons l admnation directe dans la peau وهو ما عانا منه الشباب المغربي، الذي تسرب شيئا فشيئا للإدارة الجديدة، حيث وجد سلسلتين من العراقيل تؤدي للحقد، والإحباط:

الأول أن المتواجدين في أي منصب لا يريد تركه، من أسفل السلم لأعلاه، والثاني أن المنتسب الجديد للإدارة، عليه الخضوع لعدة اختبارات وتداريب وتراتبية صارمة مبالغ فيها لم يعرفها المخزن القديم، كما أن الفرنسيين سيوجدون في وضعية تمكنهم من البحث عن صيغ يفوتون بها مناصبهم لأبنائهم ويحجبونها عن الشباب المغربي المؤهل لتولي نفس المهام، أو مثيلها.

أثناء يوم دراسي نظم بالرباط في 1953 من قبل بعض الكاثوليك، أفاد بعض الحاضرين من ذوي الحيثيات، أن بعض أصحاب الصناعات يفضلون جلب العمالة من فرنسا، بدلا من توظيف المغاربة المحليين المؤهلين لشغل مثل تلك المناصب.

هذه الصعوبة تترتب عنها صعوبة أخرى، وهي أن الحياة الاقتصادية تسيطر عليها التقنيات من جميع الأصناف: تجارية، مالية، صناعية، تنظيمية، احتكارية، محاسبية، موازنة، دراسات، تصاميم، ورش أشغال، بريد، سكك حديدية، موانئ.

وبما أن سكان المغرب كسكان الشرق الأوسط يجهلون التكنولوجيا، وسبق لي تسجيل غياب تساقطات مطرية غير منتظمة بالبلاد، حولت السكان الفلاحين المستقرين لرعاة ورحل، وهؤلاء الرعاة الرحل لا يشتغلون بأيديهم، ويحتقرون العمل، ويعيشون من ريع قطعانهم، وبالنسبة لحاجاتهم من المواد المصنعة فهم يحصلون عليها من أماكن تصنيعها يدويا، من قبل الحرفيين المستقرين حيثما كانوا، هؤلاء الحرفيين الذين ورثوا معارفهم المهنية عن أسلافهم، هم بدورهم ينقلونها لأبنائهم شفويا، وبتدريب عملي محلي، يدا ليد، ونقلا عن نقل.

وعليه فكل من العمل الرعوي والتقليد الحرفي عمليات مندمجة في النسيج الاجتماعي، بحيث لا ينتج ما لا يحتاج له، بخلاف الإنتاج الصناعي الممكنن الذي ينتج للأغيار المفترضين، الغير معروفين والمحتمل ألا تكون لهم حاجة بمصنوع ما، مما يفرض معه وجود صناعة توليف الحاجة الصناعية، وتعلم أساليب توليد الحاجة لاستهلاكها وتسويقها، وهو ما يصعب تمثله بالنسبة للمجتمع التقليدي، وتطلع شبيبته لتعلم ذلك، ومن هنا تنطلق صعوبة الاندماج ومعاناة الشباب في امتهان مهن جديدة، ينضاف لذلك افتقار الأوربي صاحب المعمل لفهم علاقة العمل بالطالب المغربي ومجتمعه، فيركز على انتقاد سلوكه بدلا من التركيز على تعليمه.

– تحطيم النمط العائلي التقليدي

في الحياة العائلية ظهرت معاناة جديدة للشباب المغربي بعدما ظهر له نمط جديد للأسرة مغاير لما يعرفه، كما سلف بسبب تواجدنا في مدننا الجديدة بالمغرب.

لنتذكر أن الأسرة المسلمة ظلت أبوية، في هذه العائلة نادرا ما كانت المرأة تعمل خارج البيت، كانت تعتني بالمنزل وحاجات ساكنيه، وهي في البادية يكون حملها ثقيلا، كإحضار الماء من أماكن بعيدة، وفي الغالب أمية، وهي اليوم ما تزال كما وجدناها في 1913 بالرغم من أن البعض من شباب المدن قد تعلم والتحق بالعمل في الإدارة والتجارة، متجاوزا الصعاب التي وضعت في طريقه، وأثناء تعلمه أو اشتغاله تعرف على فرنسيات في المدرسة والشغل، وقارن بينهن وبين بنات بلده عندما أراد الزواج، فشكل له مشكلة أخرى، سواء على مستوى اختيار الزوجة، أو نوعية الحياة الأسرية، كيف سيتم ذلك؟ هل سيعتمد الطريقة التقليدية المندمجة، أو الطريقة الأوربية المستقلة، أم يتخلى عن الزواج؟ أم يتزوج من فرنسية؟

وهذا الاختيار تضاعف عشرات المرات في السنوات الأخيرة، خاصة من قبل الشباب المغربي الذي توجه لفرنسا، لكن جر معه مشاكل لا حصر لها، على مستوى العيش، والدين، والثقافة المختلفة.

– التمزق الثقافي

المشكل مركب لأنه من البداية يطرح على الشباب المغربي ضرورة ازدواجية الثقافة في آن واحد، ثقافة غربية، وثقافة إسلامية، حتى لا نقول تفرض.

نعرف أن هناك أربع مذاهب أرثدوكسية في الإسلام، والتي ما هي في الحقيقة إلا أربع قواعد مختلفة لتأويل القوانين القرآنية، هذه القواعد لا تستعمل كثيرا العقل والحس النقدي، على الأقل كما نفهمه، وهذا أمر مخصوص بالمسلمين.

عندما نفتح الثقافة الغربية أمام شبابنا المغاربة، فإننا نجعلهم يستخدمون “ماذا أعرف”؟ كما جاء عند كبار فلاسفتنا الموسوعيين، الذين اعتمدوا على الحس النقدي، والمماحكة العقلية، مما سيحدث لهم صدمة عند اتصالهم بثقافتنا، هذا الاتصال سيتواصل بسبب الحس النقدي، هذه المناقشة الحرة لكل شيء، والتي تطرح كل شيء، هي عالم جديد من المفاهيم تنفتح أمامه بقوة الأشياء، ستترجم عبر التطبيق على ما يدور حوله في حياته، وتقاليده، وحضارته، ودينه، وفي المحدد الأخير تكمن المخاطر العميقة الحارقة،

– زرع مفهوم الشك والريبة

نحن ولدنا لديه مفهوم الشك والريبة، ولم يعد من الصعب تخيل المآسي الداخلية المترتبة على ذلك.

الإسلام نفسه لا تنقصه مسببات تمزق عنيف، المسيحية كما أردد، تنمي فكرتها حول هذه النقطة، لأنها لا تريد جرح أصدقائها المسلمين، وهنا استعرض أمامي فقط الدراما التي مرت بها الكاثوليكية في القرن التاسع عشر في مواجهة مع العقلانية، وذلك شبيه بما يعانيه الشباب المغربي اليوم من صراع بين دينه وعقله، فإذا كان الإنجيل حصر مساهمته في الإيمان والأخلاق، فإن الإسلام أعطى لأتباعه وحيا وروحانية ودينا، ونوعا من الأخلاق أكثر حرية بدون شك من ديننا، وأقرب للفطرة الطبيعية.

لكن أكثر من ذلك في نفس الوقت قام بتشفير وتقنين شكل من الحضارة، حيث تبنى ما كان مقدسا دينيا سابقا عليه، في ديانات الشرق، عند البابليين والمصريين واليهود، فتفرع عن ذلك سلسلة من أشكال التدين المختلفة لدى المسلمين.

إن علمانية الحياة الزمنية المعاصرة، أعني التمييز وليس الفصل الروحي الدنيوي الزمني كان لغاية تواجدنا بالمغرب غير وارد، لتبنيها وفرض الاحترام لها، نعلم حجم المقاومة التي واجهها أتاتورك في ذلك، ومقدار الصرامة التي تجابه بها الحضارة الإسلامية من يريد تكييفها مع الحياة الحديثة أو القضاء عليها.

في هذا الإطار ولمواجهة مشكل التكيف هذه انقسم علماء الدين المسلمين، حيث يرى البعض الخلاص في العودة للأساسيات لضبط الممكن وغير الممكن في التعامل مع المشكلات الجدية، وآخرون يعتقدون الاحتفاظ بكل ما ورد عن السلف من عقائد ومعاملات وأخلاقيات وأعراف، بين هؤلاء وأولئك يبقى الشباب المغاربي في حيرة من أمره، متسائلا عما ينبغي أخذه أو تركه.

إنها دراما خاصة، مؤلمة تتطلب منهم البحث عن حل لها، هم أنفسهم وليس غيرهم.

في غضون ذلك تبنوا حلولا مختلفة، قلة منهم بقيت مخلصة للتقليد، آخرون تخلوا كليا عن ممارسة شعائر الدين، ما عدا صيام رمضان بسبب القيود الاجتماعية، آخرون أعلنوا إلحادهم وأخذوا يبحثون عن دين جديد، آخرون رموا أنفسهم في أحضان الماركسية أو القومية.

– الوطن والوطنية وجعلهما صناعة فرنسية

بالنسبة للوطنية المغربية التي نذكر بأن فرنسا هي من صنعتها للمغاربة، وفرنسا فقط، هذه الفكرة تبلورت بسرعة لأنها لم تكن غريبة عن الشعب المغربي، بفضل التفرد الجغرافي والتاريخي والاجتماعي للمغرب.

أذكر بأنه منذ القرن التاسع الميلادي، أسر حاكمة نجحت في قيادة البلاد وكتبت صفحات مجيدة في سجل التاريخ.

أما كيف ولدت الوطنية المغربية ونمت بسرعة كبيرة، فبسبب أخطاء متراكمة من قبل الإدارة التي رفضت فتح أعينها، وتطبيقات تثق بسياسية النعامة، وبتلك المتعلقة بالكلب الميت، أزمة نمو يسهل شرحها تتمثل في؛ تعليم وتدريب غير كاف للحرية، وضع كل يوم يؤكد معارضة سياسة ما، وتوجه معين، سياسة تبتعد عن الشعور الوطني الذي بدأ وطنيا، وأصبح اليوم قوميا، ثم تحول شيئا فشيئا مناهضا للفرنسيين من قبل اولاد الاستقلال، الذين أطلق عليهم “غربان الإقامة” التي كانت مسؤولة لحد كبير عن مبالغاتهم.

لقد تأسس حزبهم “حزب الاستقلال” سنة 1944 وحقق نجاحا لا يمكن إنكاره، حيث قدر المقيم العام عدد أعضائه عندما أمر بحله سنة 1952 بمائة ألف.

أنا لست متأكدا من أن السلطات الفرنسية فهمت الأسباب الكامنة وراء نجاح حزب الاستقلال ومواقف بعض أعضائه، حتى عندما بدت معادية للفرنسيين، وأن الهجمات الإرهابية لم تبدأ بالمغرب إلا بعدما حل الحزب، وصارت الوضعية السياسية مظلمة، وصار أغلب الشباب لا يخمن إلا في كيفية الانضمام للاستقلال كطوق للنجاة، وهروبا من واقع الغزو الشامل، الذي سبب لهم الكثير من خيبات الأمل.

– مفهوم الحرية الفردية

أشير للتعليم العاجز عن التوصيل للحرية، هنا أيضا نحن في عمق دراما الشباب.

الحرية ليست بالطبع إحساس مجهول بالنسبة لعالم الشرق الأوسط، لكنه مختلف عما بالغرب، فقد حقق الغرب حريته عبر تطور بطيء، في حين أن الحياة القبلية والعائلة البطرياركية طورت شعورها بالحرية داخل مجموعتها البيولوجية، فالقبيلة تدافع عن حريتاها بكافة الأشكال بما فيها الحرب ضد أية قوة غازية مدمرة لها، أو موحدتها مع غيرها، خوفا من فقدها تلك الحرية.

في المغرب على وجه الخصوص القبائل البربرية كانت جمهوريات صغيرة مستقلة محصورة في مرتفعاتها، وبين شعابها، ولم يكن يثقل عليها سوى الخوف من التبعية والاستعباد، لكن داخل القبيلة لا يعرف للفرد حرية، إنه داخل نسيج من العادات والتقاليد يستحيل علية الإفلات من اتباعها والخضوع لهيمنتها واستبدادها، لأن القيد الاجتماعي قوي، وليس للفرد من مخلص له منه إلا مغادرة القبيلة والرحيل عنها، مع ما يتبع ذلك من عواقب وخيمة، تماثل التي تلحق بتارك عائلته ومفارقها، فالرأي الأول والأخير للقبيلة والعائلة، وطبعا هو رأي من يرأسهما، ولا قول للشاب أمام قولهما حتى في اختيار زوجته ونوع مسكنه منذ القديم لغاية وصولنا المغرب.

تفكك سلطة القبيلة، وتفكك مجموعة العائلات، وتدفق القرويين للمدن من غير وجود إطار ينظم استقبالهم بها، وسلطة الراديو والصحف، وحمل مدارسنا لمفهوم جديد للحرية الفردية، لكن أي مفهوم لا يمكن تصوره بدون تعلم وتدريب طويل، وإلا فإنها تنتهي بفوضى، تدمر المجموعة فيها نفسها تحت شعارها.

– زرع التفكك في المجتمع

مجموعات جديدة تتكون لأن الإنسان المغربي متعود على العيش في جماعة، ولا يقوى على تجاوز هذا المركب بين عشية وضحاها، هذه المجموعة تصبح خاضعة للفريق الذي تختار لعب دور فيه خضوعا أعمى، مما يفاقم مأساة الشباب المغربي الذي يجد نفسه ممزقا بين مفهومين متعارضين للحرية، لا يقوى على ترك أحدهما من أجل الملاءمة بين واقعه وتطلعه، مع ما يترتب عن ذلك من عواقب.

ربما بدأنا ندرك الخطأ الذي ارتكبناه في استيراد مفهومنا للحرية الفردية وفرضه بطريقة وحشية على أناس لا يعرفون إلا حرية الاختلاف عن المجموعة، وهذا هو سبب استعمالنا اليومي لنسقنا الديموقراطي بالمغرب المؤدي لأسوء الانتهاكات.

في الوقت الحالي يجب قصر ديموقراطية روسو على شمال المتوسط، والسعي لنظام ديموقراطي يتكيف مع العادات المغربية.

أمام هذا الشباب المغربي المضطرب، والذي أيضا “ضيع المفتاح” شيء آخر غير قمع تطلعاته المشروعة ووضعها في معسكر اعتقال.

يجب علينا النظر لكل هؤلاء الشباب وأن نتفهم المأساة التي أغرقهم فيها ظهورنا وإسهاماتنا الفجائية بالمغرب، ومساعدتهم على التئام جروحهم والسعي لدمجهم تدريجيا في العالم الحديث، لأن هذا التكامل قد تم، ولم تعد فيه مشاكل ملفتة للنظر، مع العلم أنه ليس هناك إدارة في العالم كانت قادرة على إنجاز مثل هذا المشروع (ص:99-110).

تعليق:

تلك هي المدخلات التي عصفت باستقرار الشباب المغربي وجعلته يعيش مأساة حقيقية بين حاجته ورغباته وتطلعاته مما شكل نكبة حقيقية للمجتمع المغربي ما زال يعاني من تبعاتها بعد استقلال البلاد ومغادرة المعمرين الغزاة تاركين معمرين جدد يواصلون مهمة تشويش الأفكار وتكدير حياة الأمة لما لا طاقة لها برده.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M