جهة طنجة-تطوان-الحسيمة.. دينامية اقتصادية متواصلة وإشعاع ثقافي عالمي
هوية بريس – و م ع
عززت جهة طنجة-تطوان-الحسيمة خلال عام 2024 مكانتها كقطب اقتصادي وثقافي واجتماعي واعد، يوجد في قلب سيرورة وطنية تجسد مكانة المملكة المغربية، باعتبارها قوة اقتصادية صاعدة إقليميا وقاريا.
على غرار باقي جهات المملكة، فقد واصلت جهة الشمال تحقيق مؤشرات نمو ملموسة في مختلف القطاعات، بشكل يضمن استفادة مختلف شرائح المجتمع من ثمار التنمية المضطردة، التي تبصم عليها الجهة منذ أزيد من عقدين ونصف من الزمن، لاسيما وأن الجهة تعتبر بوابة للمملكة ولإفريقيا نحو البحر الأبيض المتوسط والقارة الأوربية.
الاقتصاد.. دينامية متواصلة
بفضل الاستثمارات العمومية والخصوصية الوافدة على جهة طنجة-تطوان-الحسيمة خلال السنوات الماضية، صارت الجهة ثاني قطب صناعي وثالث قطب اقتصادي على مستوى المغرب، وقد حافظت المنطقة على جاذبيتها للاستثمارات خلال سنة 2024، حيث بثت اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، في 696 مشروعا استثماريا، حظي 618 مشروعا من بينها بالموافقة.
وتمثل المشاريع المقبولة، خلال هذه الفترة، غلافا استثماريا إجماليا يصل إلى 69 مليار درهم، وستمكن من إحداث 60 ألف منصب شغل على المدى البعيد. كما تحتل الجهة المركز الثاني على الصعيد الوطني بإحداث ما مجموعه 9881 مقاولة جديدة بين يناير ومتم غشت الماضيين.
فضلا عن ذلك، تشكل المشاريع الاستثمارية الكبرى حجر الزاوية في هذه الدينامية المتواصلة، إذ تم خلال الفترة ذاتها المصادقة على 75 مشروعا ضمن اتفاقيات الاستثمار بغلاف مالي يصل إلى 10 مليارات درهم مع متم شتنبر، والتي من شأنها إحداث 12 ألف منصب شغل قار، إلى جانب أكثر من 48 ألف منصب عمل غير مباشر.
بالفعل، فهذه الدينامية الاقتصادية مدعومة باستراتيجية متكاملة، ترتكز على تواجد المركب المينائي والصناعي طنجة المتوسط، وأيضا بوجود 18 منطقة صناعية ومنطقة أنشطة اقتصادية قيد الاستغلال، تغطي مساحة تقارب 4700 هكتار، عدا الترتيبات الجارية لإطلاق مناطق جديدة للأنشطة الاقتصادية تمتد على مساحة 300 هكتار، موزعة على العمالات والأقاليم الثمانية بالجهة.
ولضمان بقاء الجهة في قلب التحولات الاقتصادية الجارية على الصعيد الدولي، تعتبر مدينة محمد السادس “طنجة تيك” نموذجا مبتكرا للجيل الجديد من المناطق الصناعية متعددة الأبعاد، وأحدث المشاريع الكبرى التي تؤكد رغبة الجهة في تطوير صناعة التكنولوجيا العالية وإحداث فرص الشغل، حيث شرعت عام 2024 في استقبال مشاريع وحدات صناعية صينية في قطاعات مختلفة.
وتقوم هذه المقاربة المبتكرة على التآزر والتكامل بين مختلف البرامج والمخططات العمومية التي تم إطلاقها في ظل الرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والرامية إلى تشكيل قطب اقتصادي جديد يرتكز على صناعات المستقبل.
البيئة والفلاحة.. صمود وإقلاع
في ظل التغيرات المناخية بسبب ضعف التساقطات المطرية والاحتباس الحراري، واصلت جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، خلال سنة 2024، العمل على تحويل التحديات إلى فرص تضمن لهذا المجال الترابي المزيد من الصمود والمرونة المناخية لمواصلة الدينامية التنموية.
وتعتبر جهة طنجة-تطوان-الحسيمة رائدة وطنيا على مستوى القدرة الإجمالية لإنتاج الكهرباء النظيفة بمختلف منصات وحقول الطاقات المتجددة، والتي تصل إلى حوالي 1000 ميغاواط، إلى جانب ريادة الجهة في تعبئة الموارد المائية غير التقليدية.
لتثمين هذه المؤهلات البيئية، شهدت الأشهر الماضية من العام الجاري الأشغال النهائية لإطلاق القطب الفلاحي اللوكوس بإقليم العرائش، الذي من شأنه أن يعزز إمكانات الجهة على مستوى الصناعات التحويلية، وتثمين منتجات القطاع الأولي في أفق تلبية حاجيات السوق الوطنية من المنتجات الغذائية المصنعة وتعزيز الصادرات المغربية.
ويستفيد هذا القطب، الذي يمتد على مساحة 150 هكتارا وبدأ بالفعل يستقبل مشاريع الوحدات الصناعية الراغبة في الاستقرار به، من المؤهلات الفلاحية الموجودة على صعيد جهة الشمال، لاسيما المدارين السقويين المرتبطين بسدي وادي المخازن ودار اخروفة، ومن نسيج فلاحي متخصص في قطاعات واعدة وذات قيمة مضافة عالية، كالفواكه الحمراء.
الشمال الغربي.. تمدن متزايد
مكنت الدينامية الاقتصادية المتواصلة من تحقيق تغيير في البنية الديموغرافية الجهوية، فقد أبان الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 على أن الجهة سجلت واحدا من أعلى معدلات النمو الديموغرافي على الصعيد الوطني خلال العقد الماضي، وإن كانت ما تزال تعتبر خامس أكبر جهات المغرب تعدادا للسكان.
فقد وصل عدد سكان الجهة إلى 4 ملايين و 30 ألف و 222 نسمة، بمعدل نمو سنوي قدره 1.26% (0,85 % وطنيا)، حوالي 2,638,815 من بينهم يقطنون بالمناطق الحضرية، مع تركيز كبير بعمالة طنجة-أصيلة التي تمثل وحدها أكثر من نصف السكان الحضريين (53,16 % ).
وانعكست الدينامية التنموية على انخفاض معدل البطالة، إلى غاية متم الفصل الثالث من العام الجاري، على مستوى الجهة، والتي تسجل أدنى معدل للبطالة من بين جهات المملكة بنسبة 9,9 في المائة من السكان النشيطين (13,6 في المائة وطنيا).
وتعتبر الخدمات الاجتماعية من أكبر عوامل الاستقطاب الديموغرافي التي تتمتع بها جهة الشمال، والتي صارت تتوفر على مؤسسات جامعية تتيح تكوينات في مختلف الشعب العلمية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، إلى جانب احتضانها لواحد من أحدث المراكز الاستشفائية الجامعية على صعيد المملكة، وشبكة من المراكز الاستشفائية الإقليمية والتخصصية.
الثقافة.. منارة الحضارة المتوسطية
كانت سنة 2024 عاما لإشعاع الجهة ثقافيا على مستوى العالم، بفضل احتضانها سلسلة من الأنشطة الثقافية والفنية الدولية والوطنية، والتي أعادت لطنجة، على الخصوص، بعضا من صيتها العالمي كعاصمة للموسيقى والأدب.
بفضل تاريخها الفريد والمنفتح، كانت طنجة أول حاضرة إفريقية تستضيف فعاليات اليوم الدولي لموسيقى الجاز لعام 2024 خلال الفترة من 27 إلى 30 أبريل الماضي، الفعاليات التي بلغت ذروتها بإقامة حفل موسيقي عالمي لكل النجوم في موسيقى الجاز وكناوة، القادمين من الجهات الأربع للعالم.
وكان هذا الحدث الدولي إعلانا بافتتاح قصر الثقافة والفنون بطنجة، الذي يعتبر أكثر من مجرد بناية ثقافية ممتدة على 24 ألف متر مربع، ليصبح مجمعا نابضا بالحياة ومنارة لمختلف ضروب الإبداع.
ولم يكن للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، الذي جرت فعالياته شهر أكتوبر الماضي، أن يجد مقرا أفضل من قصر الثقافة والفنون كفضاء فخم ومفتوح أمام الأنشطة الفنية الوطنية والدولية، قصد تشجيع التبادل الثقافي والنهوض بمختلف التعبيرات الفنية وإثراء التراث الثقافي المشترك.
مدينة تطوان بدورها صارت عاصمة للمسرح المغربي بفضل احتضانها للمهرجان الوطني للمسرح سنويا، حيث حرصت خلال السنة الجارية على إخراج العروض إلى الفضاء العام عبر برمجة فريدة وغير مسبوقة، فيما تواصل العرائش انفتاحها على العالم عبر المهرجان الدولي للتلاقح الثقافي الذي يستقبل كل سنة فرقا موسيقية تراثية من العالم أجمع.
وجاءت هذه الأنشطة الثقافية الدولية بشكل متزامن مع الانتهاء من برامج تثمين وتأهيل النسيج العمراني للمدن العتيقة بشمال المملكة، حيث صارت جذابة للزوار المغاربة والأجانب على السواء، وهو ما أنعش قطاع السياحة بشكل كبير، إذ سجلت وجهة طنجة لوحدها فقط أزيد من 1,5 مليون ليلة مبيت سياحية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري.
وتتطلع جهة طنجة تطوان الحسيمة لأن تستمر خلال السنوات المقبلة على الوتيرة التنموية ذاتها، لاسيما وأن الجهة انخرطت في برامج تأهيل واسعة النطاق، لتمكين حاضرة البوغاز، طنجة، وكبريات مدن الجهة، من استقبال كأس العالم في أبهى حلة.