جولة في سوق الصحافة والإعلام
هوية بريس – يونس فنيش
الرأي أن إذا كان الصحفي سلاحه القلم فأين الكتب، و المقالات، و التقارير، و التحليلات، التي تميز العمل الصحفي، أم أن الصحافة لم تعد تشترط الكتابة على من ينتسبون إليها كمهنة شريفة…؟ و إذا كان الإعلام مهنة، فأين اللغة و أين المعرفة و أين الخبر الإعلامي و أين التحقيقات العلمية و أين الأخلاقيات الضرورية…؟
ليس صحفيا من لا يستطيع التعبير عبر الكتابة، و ليس إعلاميا من لا يمتلك اللغة و الأسلوب اللائق. فما هذا الخلط و الجلط بين “تايوتوبريت” و الصحافة و الإعلام…؟ أسئلة و أسئلة، و الحل، حسب بعض العارفين و الله أعلم، في استبدال بطاقة الصحافة التي منحت خطأ لبعضهم دون أن يمتهنوا الصحافة، ببطاقة رسمية تخول الحق في الخوض في أمور المجتمع لمن تتوفر فيه شروط جديدة، مخففة، في ما يتعلق بالقدرة على الكتابة و الأداء الإعلامي، تحددها الحكومة بعناية و بكل ضمانات حرية التعبير. ولكن أن يستغل بعضهم بطاقة الصحافة لتغليط الرأي العام فهذا ما لم يعد يقبله عقل سليم.
فمثلا، إذا كان من الممكن، و الله أعلم، لمستثمر أن ينشأ مدرسة خاصة بالإعتماد على المتخصصين في التعليم، فالمستثمر ليس معلما و لا يمكن أن يكون كذلك، و الحكومات، عامة، لا تمكنه من “بطاقة معلم” لأنه ليس معلما، لأنه مجرد رجل أعمال يحتكم للقانون و الشروط الموضوعية التي تفرض عليه استقدام معلمين لتسيير مشروعه.
و كذلك بالنسبة للمستثمر في الصحافة و الإعلام، فالراي أن لا يجب أن تخول له بطاقة الصحافة لمجرد أنه يتوفر على شهادة جامعية، لأنه مجرد رجل أعمال و لأن بطاقة الصحافة يجب أن تخصص للصحفيين المهنيين فقط، الذين لديهم رصيدا معتبرا من المقالات و التحقيقات الصحفية المعترف بها من لدن لجنة مختصة بعد تجربة 5 أو 10 سنوات.
و قبل تحقيق شرط التجربة، الرأى أن لا يمكن الحديث سوى عن “أعوان صحفيين” أو “مساعدين صحفيين” في انتظار حصولهم على بطاقة الصحافة بعد استيفاء كل الشروط مع إخضاعهم لسؤال “من أين لك هذا” بشكل دوري، و ذلك لأن من بين أهم اهتمامات الصحفيين فضح الرشوة و الإثراء غير المشروع، و حتى لا يصبحوا أداة يستغلها بعض السياسيين لتصفية حساباتهم مع نظرائهم أو من يتنافسون معهم، بعيدا عن مهنة الصحافة النبيلة التي لابد أن تكون موضوعية لا تعتمد الكيل بمكيالين، فتصبح طرفا غير طبيعي في بعض النازاعات تتحامل على هذا دون ذاك، و تنقل خبرا دون آخر بخلفية نفعية انتهازية أو وصولية محضة، لا قدر الله.
أن تكون صحفيا فهذا يعني أن لديك مصداقية ترتبط بمهنة الصحافة التي تجعل أداءك محترما لدى عامة الناس، ولكن والحال أنه بات من الصعب جدا التمييز بين “الصحفي المهني” و “اليوتوبر”، فلابد من إعادة النظر بشكل شامل عبر عدم التمكين من بطاقة الصحافة إلا لمن كان صحفيا مهنيا حقا و حقيقة، و آنذاك سيسهل الترافع حول ضرورة متابعة الصحفيين، كلما اقتضى الأمر ذلك، بقانون الصحافة و ليس بالقانون الجنائي.
لابد من تحصين مهنة الصحافة و إلا اندثرت و اختفت بين صداع اليوتوب و نداء الأدسنس “اللعين” الذي جعل الصحافة تغيب غيابا شبه تام في بعض الأحيان، مما فسح المجال أمام بعض “أشباه الصحفيين” الذين لا يشهرون بطاقة الصحافة سوى لتبرير عملهم الذي لا يمت للصحافة المهنية بأية صلة، و الذين أضحوا يتقنون لعبة افتعال مشاكل جانبية و صدامات وقودها العنف اللفظي المغلف ب”الدفاع عن الحقوق” بغية خلق البوز، و لرفع عدد المشاهدات أو لخلق جو من الرعب قد يمكن، لا قدر الله، من ابتزاز ناعم-مفضوح لمسؤولين أو لسياسيين و غيرهم، سواء كانوا نزهاء أو غير ذلك، من أجل الحصول على منافع مادية و رشاوى و هدايا مقابل التسلط على هذا دون ذاك، و فضح هذا و التكتم عن ذاك.
خلاصة: لابد من تصفية الأجواء و وضع تعريف قانوني دقيق و مدقق لمفهوم الصحفي من جهة، و اليوتوبر من جهة اخرى، حتى لا نستيقض يوما ما فنجد أناس يتحدثون، لا قدر الله، عن ثمن التشهير، و ثمن التهميش، و ثمن الطمس، و ثمن الفضح، في سوق صحافة غارقة في مستنقع عشوائي غير صحي. و الله أعلم. و مع أعلى تحياتي للصحافة الجادة و للإعلام الجاد.