حاجتنا إلى سياسة مفهومة
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
السياسة علم ونظر، تعلق الأمر بالحديث فيها وعنها، أو تعلق بتدبير مقتضياتها، وتنزيلها إلى واقع الناس، ما يعني أن مجال السياسة يستوجب بالضرورة، حدا معقولا وكافيا، من المنطق ومن الإنسجام، ومن عدم التناقض والإرتباك ؛ وحين يتحول الحديث في السياسة، وممارستها معا، إلى سيل من الأقاويل والأفعال، المتعارضة والمضاربة، وغير العاقلة، فهذا يعني مباشرة، أن هناك أشياء كثيرة ليست على ما يرام، علميا ومنهجيا، وسياسيا أيضا.
والمؤكد أن هؤلاء الذين ينتسبون إلى هذه السياسة، بهذه المواصفات، يفكرون في شيء آخر غير السياسة، ويمارسون شيئا آخر غير السياسة، بالمعنى العاقل والمسؤول للكلمة، ولنا أن نستحضر هنا كل التعبيرات التي تفيد هذه المعاني، والتي يتم تداولها عندنا بسخاء، وبلا أثر واضح، إلى حدود هذه الساعة على الأقل ؛ وهذه بعض تلك التعبيرات : الفساد، عدم الرغبة في الإصلاح، غياب المسؤولية، عدم الخوف من المحاسبة، ديمقراطية الواجهة، القانون المكتوب، وغير المكتوب ؛ والنتيجة أن أحوال المواطنات والمواطنين، في عمومها، تبقى على حالها، ومع الأيام تزداد تراجعا وانحدارا.
وإذا أردنا بعض التدليل، لنا أن نلاحظ، في بلادنا، أن نفس المبررات وأضدادها، يتم الدفع بها، أثناء مناقشة الكثير من قضايانا وأوضاعنا، من طرف المعنيين المباشرين بتدبير الشأن العام.
ففي حالة نزول الغيث، وانهمار الأمطار، وفساد المسالك والطرقات المغشوشة، وانهيار البيوتات في القرى والمداشر الفقيرة، كما هو حاصل هذه الأيام، يتحدثون عن الصقيع وصعوبة الوضع، وعدم تمكنهم من مواجهة الطبيعة، ويردون الأمر إلى الأقدار.
وبمجرد ارتفاع الأمطار، وظهور تباشير الصيف، واشتداد الحر، يشرعون في الحديث عن بوادر الجفاف، وتراجع منسوب المياه، وصعوبة الوضع، حتى أن المواطن العادي لم يعد يدري أيهما أرجى له وأفضل، الحر أم القر، الشتاء أم الصيف.
وحين ممارسة الكثيرين منهم للتدبير، يحدثوننا باستمرار، عن ضعف الموارد وقلة الإمكانيات، ويمدحون أفعالهم، وعدم أفعالهم، وحين انتقالهم إلى صف المعارضة، يحدثوننا، هم أنفسهم، عن وفرة الإمكانيات والموارد، ووجود خلل في التوزيع.
فبأي عقل نفهم، وبأية لغة نقول؟
الواقع أننا لا نعرف حقيقة ما تملكه بلادنا من موارد ومصادر، على وجه الدقة والتفصيل، جل معلوماتنا ترتكز على السماع وبعض الإجتهادات الخاصة في البحث، وبعض الكلام العام حول بعض القطاعات دون غيرها، الفلاحة، الثروة السمكية، الفوسفاط؛ لكننا نعرف جيدا أن هناك خللا عريضا في التوزيع.
نفس المنطق، أو عدم المنطق بالأحرى، نجده حين نريد فهم لغة بعض الإحصائيات والأرقام، حين مناقشة معدل النمو الذي تنتظره بلانا مثلا، حيث نجد أنفسنا إزاء تضارب آخر، من النوع الرقمي، بين البنك الدولي من جهة، والمندوبية السامية للتخطيط من جهة ثانية، والحكومة من جهة ثالثة ؛ كل طرف يدلي بأرقامه ويؤكد على صحتها، بما يعزز نفس الإرتباك لدى المواطنين والمواطنات، فما العمل هاهنا، وكيف لا نتحدث عن التبخيس في السياسة ؟
إن غياب الفهم، وعدم الرغبة في الإفهام الجدي والكامل وغير المنقوص، يعني مباشرة أن ديمقراطيتنا معطوبة، وأننا ما زلنا بصدد تدبير مرحلة الإنتقال، دون أن نعرف بالضبط إلى أين، وبأية مواصفات.