حامي الدين يوضح حول “أمنيستي” و”البام”.. ويؤكد أن “دافقير” يقصف مهنة الصحافة
هوية بريس – عابد عبد المنعم
نشر رئيس تحرير يومية “الأحداث المغربية”، يونس دافقير، مقالا بعنوان “حامي الدين يقصف نفسه”، قال فيه بأن “عبد العالي حامي الدين لم يعد يناقش السياسة بأدوات السياسة ولغتها، لقد صار يكيل الاتهامات الطائشة يمينا وشمالا، وسيكون عليه أن يجيب عن طبيعة وعدد التركة الثقيلة من الجرائم التي ارتكبها البام”.
ولم يتأخر عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في الجواب، حيث خصص مقالين للتعليق على ما كتبه دافقير.
وكتب في الأول الذي خصصه لموضوع فكرة المصالحة مع “البام” “لم أكن أتوقع أن تثير تدوينة عابرة كل هذا النقاش في الوقت الذي كنا ننتظر من قيادة البام في نسختها الجديدة، أن يوضح للمغاربة كيف سيدبر تركة إلياس العماري التي لا يمكن مسحها بجرة قلم، جاء الرد مرة أخرى من جريدة الأحداث المغربية التي اعتاد فيها يونس دافقير أن يشاغب ببعض الأفكار من وحي الخيال الواسع الذي ينزاح بالموضوع عن مقصده الأساسي، ويفضل تحريفه وتشويهه لأغراض غير نبيلة، وهو مسلك من ارتضى لنفسه أن يخدم أغراض السياسة بعيدا عن المهام المقدسة للصحافة في نقل الأخبار والتعليق عليها بكل حرية، بدون زيادة أو نقصان أو تحريف.
وردا على ما ذهبت إليه الجريدة المذكورة، أشرح الفكرة بكل بساطة، قبل أن أرد على افتتاحية الأحداث المغربية، في مواضيع أخرى:
إن الدولة بكل ما تمثله من هيبة ورمزية اختارت على عهد الملك محمد السادس أن تتصالح مع تاريخها، وأن تقرأ تاريخ الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأن تعين على رأس هيئة محترمة تشكلت لهذا الغرض معارض سابق قضى 17 سنة من الاعتقال هو المرحوم إدريس بنزكري، وعملت على إصدار تقرير شامل تضمن معظم هذه الانتهاكات واقترح لمعالجتها توصيات وجيهة لضمان عدم تكرار ما حصل في الماضي، فكيف تثور ثائرة البعض من أجل اقتراح تمرين مستوحى من نفس المنهجية على حزب سياسي الجميع يقر بمساره غير الطبيعي، وهو اقتراح نابع من إرادة حقيقية لبناء مصالحة متينة، لا مجال فيها للمجاملات الفارغة والابتسامات الصفراء البلهاء، وليس فيها أي نية لاستغلال الفرصة لتصفية الحسابات الشخصية، ولكن المصالحات المستدامة تبنى على القرارات الشجاعة والاعترافات الصريحة.
كيف غاب عن الصحافي الألمعي أن المطالبة بإصلاح الدولة لا يمكن أن تستقيم قبل المطالبة بإصلاح الأحزاب السياسية، وأنت الذي طالما انتقد الأحزاب السياسية وعاب عليها ضعفها وأعطابها الذاتية، وأتحفتنا كثيرا بمقولة: لا ديموقراطية بدون ديموقراطيين.
ما نقترحه بكل بساطة على السيد عبد اللطيف وهبي، الذي أحترمه بالمناسبة وأقدره، هو استلهام هذه المنهجية لمعالجة التركة المعروفة لسلفه إلياس العماري على رأس البام، وهنا لا يمكن تغطية الشمس بالغربال..
ما أشرت إليه في تدوينتي السابقة من انحرافات وتجاوزات تصل إلى درجة الجرائم التي ارتكبت في حق الديموقراطية المغربية الفتية، يعرفه السيد يونس دافقير جيدا، وتعرفه الطبقة السياسية جيدا..
ولا أريد أن أستطرد في الكيفية التي حصل بها حزب الأصالة والمعاصرة على الرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية لسنة 2009 وكيف جرى بناء تحالفات قسرية عبر آلية الابتزاز والضغط بالملفات، ولا كيف تمت عملية تفكيك التحالفات في وجدة وطنجة والدار البيضاء..وكيف جرى الانتقام من بعض السياسيين الذين اختاروا التحالف مع العدالة والتنمية…
لا أريد أن أتحدث طويلا كيف حصل هذا الحزب على ما حصل عليه في انتخابات 7 أكتوبر 2016، فقد تحدثنا عن هذا الموضوع في وقته وزمانه، ولكن أريد منك فقط، وأنت الصحافي الألمعي، أن تخرج من مكتبك قليلا وتقوم بتمرين بسيط على جنس صحافي معروف بصحافة التحقيق، لتكشف لنا عن حقيقة ما سمي بمسيرة ” ولد زروال” وعلاقة حزب الأصالة والمعاصرة بها..
أما عن علاقة المجموعة المتنفذة في تسيير حزب الأصالة والمعاصرة في فترات سابقة بملف المتابعة المفتوحة ضدي “ظلما وعدوانا” في محكمة الاستئناف بفاس، فلن أطلب منك أن تفتح تحقيقا في علاقة المقر المركزي للبام بهذا الملف منذ سنة 2012، لأنك تعرف تفاصيل أكثر مني في هذا الموضوع، والمجالس بالأمانات…والموضوع اليوم بيد القضاء الذي نحترمه ونقدره، ولكنه قبل ذلك وبعده هو بيد الله العليم والقادر والقاهر والحكيم الذي ابتلانا بهذا الامتحان لحكمة يعلمها هو، وهو من وكلته أمري في هذا الموضوع دون غيره.
ولكني أطلب منك شيئا واحدا، هو أن تكشف لي عن مغزى حضور المدعو “حسن آيت الجيد” في مسيرة ولد زروال الشهيرة محفوفا ببعض الشباب الذين جاؤوا للمطالبة “بإخراج بنكيران من الصحراء ديالنا”..
أريد فقط أن أفهم نوعية العلاقة..ولا أريد أن أطلب منك فك شفرة ملف حسم فيها القضاء نهائيا منذ 1994 و”نجح” البام في إحيائه، وإثارته داخل البرلمان في أسئلة شفوية بعد أزيد من عشرين سنة، لأني لا أريد أن أحملك ما لا طاقة لك به، وأعرف مسبقا حدود ما لديك من مساحات في حرية الكتابة.اهـ.
المقال الثاني لحامي الدين خصصه لاهتمام دافقير بتدخل النائب البرلماني حول موضوع امنستي وعبارات “تغراق الشقف” المتعلقة بتصريحات سابقة اقتطعت من سياقها حول المؤسسة الملكية..
وكتب حامي الدين “صراحة لم أفهم سر اهتمامك بتدخلي في إطار نقطة نظام داخل مجلس المستشارين حول موضوع التوتر الجاري بين الحكومة ومنظمة أمنيستي، ولم أفهم سبب لجوئك إلى قيادي في حزب العدالة والتنمية ادعيت أنك التقيته، لتسأله سؤالا غريبا: “هل كان من الضروري أن يتدخل حامي الدين في البرلمان”!!
لا أعرف هل هو سؤال صحافي أم استمزاج رأي قيادة الحزب لأغراض أخرى؟ أم هو أسلوب جديد في الصحافة؟ خصوصا وأنك لم تكلف نفسك عناء الاتصال بي لتعرف ببساطة لماذا وكيف أخذت الكلمة في الموضوع!!
ثم لا أعرف من أعطاك الحق لتطرح هذا السؤال الذي يفهم منه مصادرة حقي في الكلام داخل مؤسسة سُميت بالبرلمانparlement (parler)؟ وكان على هذا القيادي “الحكيم” الذي قال لك “لو كان مكاني لما تدخل” أن يشرح لك أكثر: لماذا؟
وكان عليه أيضا أن يتصل برئيس الفريق (الذي لم يكن حاضرا أثناء الجلسة لأسباب طارئة) ليسأله عن الظروف والملابسات التي تناولت فيها الكلمة، ولكن أؤكد لك أني اعتذرت في البداية بقوة عن تناولها، ليس بسبب ما يروج في دماغك، ولكن لسبب آخر، وهنا سأفشي لك سرا، وإن كان ليس مطلوبا مني ذلك، وهو أنني منذ تدخلي في مجلس المستشارين بتاريخ 11 يوليوز 2017، وإثارتي لمجموعة من التجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان آنذاك، قررت أن لا أتدخل في قضايا حقوق الإنسان داخل البرلمان وذلك لأسباب معينة سيأتي وقت شرحها..
لنعد الآن إلى مضمون نقطة نظام التي اعتبرها العديد من العقلاء الذين اتصلوا بي كلمة متوازنة ومعتدلة، فمن جهة دافعت فيها عن حق الحكومة المغربية في إبداء ملاحظاتها على منهجية عمل المنظمات الحقوقية الدولية من منطلق السيادة الوطنية، ومن جهة أخرى دافعت عن معالجة التوتر القائم بالحوار والحكمة والتعقل، كما ثمّنت الدور الذي تقوم المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، واعتبرت أن بلادنا قطعت أشواطا مهمة في مجال احترام حقوق الإنسان ولازالت تنتظرها أشواط أخرى.
هذه هي المواقف التي اعتبرتها أنت خارجة عن الإجماع الوطني وبقي لك فقط أن تتهمنا بالخيانة وتهيئ لنا محاكم التفتيش التي تبحث في النوايا الوطنية قبل أن تنصب مشانق الإعدام والاغتيال المعنوي والرمزي والسياسي..!!
طبعا، الكثير من السياسيين لا يعيرون اهتماما للمواقف المبدئية في مثل هذه النوازل ويغلبون حسابات الربح والخسارة الشخصية على حساب المصلحة الوطنية الحقيقية، فبئس الحساب هو، وبئس الربح هو..
أما قصة تعزيز الموقع التفاوضي لرئيس الحكومة في هذا الموضوع فهي فكرة سخيفة لن تنطلي على المبتدئين في السياسة، ولا يحتاج رئيس الحكومة الذي أعرفه وأشكره على تغليب لغة الحوار على لغة التصعيد، لا يحتاج في هذا المقام إلى أن يسمع لحنا واحدا ليعزز موقعه التفاوضي، لأنه بكل بساطة يمثل مؤسسة قائمة بذاتها لها مشروعيتها القانونية والدستورية الكاملة التي تؤهلها للدفاع عن المواقف الثابتة للمملكة المغربية، وتتعامل مع الخطأ أو الانحراف أو التحامل الذي يمكن أن يصدر عن المنظمات الدولية سواء كانت حكومية أو غير حكومية، بالطريقة الملائمة التي يقتضيها الدفاع عن المصلحة الوطنية.
وحتى أكون أكثر وضوحا، فإني لا أبرئ أمنيستي من إمكانية الوقوع في الخطأ، أو حتى من إمكانية التحامل على المغرب أو القسوة عليه في بعض تقاريرها (خصوصا عندما لا تقدم الأدلة الكافية حول ادعاءاتها)، لكني في المقابل أعتبر أن واقع حقوق الإنسان في بلادنا في السنوات الأخيرة يدعو للقلق، رغم التطور الحاصل على المستوى الدستوري والقانوني، ويبقى الحوار مع هذه المنظمات التي ترصد الاختلالات وتنبه إليها ضروريا، بالموازاة مع ترسيخ احترام حقوق الإنسان على الأرض، وضمان الاستقلال الفعلي للقضاء باعتباره الضامن الأساسي للحقوق والحريات..وهو ورش كبير لازال يمثل تحديا حقيقيا أمام مستقبل الحقوق والحريات ببلادنا..
ومن البلادة في الرأي أن تفسر موقفي هذا أنه بحث عن دعم أمنيستي لتكون في صفي فيما تبقى من أطوار محاكمتي!!!
وهذا والله قمة التفكير الانهزامي والانهيار المعنوي لمن يفترض فيهم أنهم مثقفون مستقلون وصحافيون محايدون، ويعكس هذا النوع من التفكير الفوبيا الذي تمثله المنظمات الحقوقية لدى من يوسوسون لك بهذه الزوايا من التحليل.
ولكي أكون معك واضحا، أعرف جيدا المنظمات الحقوقية الوطنية وعددا من المنظمات الحقوقية الدولية، وسبق لي أن زرت عدة مرات مجلس حقوق الإنسان بجنيف وتقدمت بتقارير موازية باسم منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وأعرف جيدا المساطر الخاصة وكيفية وضع الشكايات الفردية لدى المقررين الخاصين، ولدي من الأصدقاء من اقترحوا علي القيام بذلك نيابة عني، لكني فضلت أن أتعرض للظلم في بلادي وأن أناضل من أجل إصلاح العدالة في بلادي على أن يسجل في رصيدي السياسي أني لجأت إلى دعم الخارج في قضيتي التي أعتبر إحياءها بمثابة فضيحة قانونية وأخلاقية وسياسية، تسائل رصيد بلادنا في مجال حقوق الإنسان واستقلال القضاء، ومع ذلك أقول:
( بلادي وإن جارت علي عزيزة وقومي وإن ضنوا علي كرام)
وهي مناسبة لكي أهمس في أُذنك وفِي أُذن أصدقائك الذين يتقاسمون معك هذا النوع من التحليلات، أن هذا العبد الضعيف، وبعيدا عن بعض التصنيفات النمطية – التي تحاول تصويره كمعارض راديكالي منذ مشاركته في مسيرات 20 فبراير، أعتبر نفسي مناضلا إصلاحيا ديموقراطيا قضى أزيد من عقدين من الزمان وهو يناضل من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان بالمقالة والرأي والمحاضرات في إطار تنظيم سياسي معروف وفي إطار جمعية حقوقية معروفة، وهي مناسبة لتوضيح الموقف من الملكية، خاصة وأنك نسبت لي تصريحا منزوعا عن سياقه على غرار “وَيل للمصلين”، في إطار سياسة “تغراق الشقف” التي تتقنها جريدتكم جيدا، ولذلك لابد من توضيح هذا الموضوع مرة أخرى حتى لا تتكرر مثل هذه المغالطات الغير بريئة. اهـ
هذا ووعد عبد العالي حامي الدين بحلقة أخيرة غدا حول هذا الموضوع، مع الإشارة إلى أنه لن أعود لهذا النقاش لأن الوطن، وفق قوله، ينتظر منا أشياء أخرى أكثر أهمية، ولكن كان لابد من وضع بعض النقاط على بعض الحروف التي أثارتها افتتاحية الأحداث المغربية.