حتى الحلفاء.. لم يسلموا من طنين “الذباب الإلكتروني” السعودي! (تقرير)
هوية بريس – الأناضول
الهجمات المنظمة التي يقودها ما يعرف بـ “الذباب الإلكتروني” السعودي لم تقتصر على الخصوم فقط، بل طالت الحلفاء
– سعود القحطاني وتركي آل الشيخ يتصدران مشهد انتقاد الحلفاء والخصوم
– هجوم الذباب الإلكتروني اشتد على المغرب عقب تغريدات آل الشيخ، ووقوفه على الحياد في الأرمة الخليجية
– الذباب الإلكتروني تطاول على مسؤول كويتي عقب لقائه أمير قطر
– مصر والنادي الأهلي واجها إساءات إلكترونية بسبب أزمة آل الشيخ
– السودان واجه حملات إساءة من “الذباب” عقب أنباء انسحابه من قوات التحالف العربي
– نصيحة لابن سلمان من الكاتب الكويتي أحمد الجار الله المؤيد للمملكة، لم تسلمه من الانتقادات
– الإساءات طالت كاتبا إماراتيا بارزا تمنى إطلاق سراح معتقلة في المملكة
– هجوم ضارٍ ضد كاتب سعودي مؤيد للمملكة لانتقاده “الذباب”
– فخ يقود “الذباب” لانتقادات لولي العهد
– مؤسس منصة رقمية: “الذباب” مكون من 3 فئات بينهم أصحاب حسابات وهمية
– خبير تسويق: “الذباب” دعاية سوداء للسيطرة والتنمر والقمع
– متخصص: “الذباب الإلكتروني” يزرع البغضاء بين الشعوب، ويضر بالعلاقة بين السعودية وحلفائها
وكأن السحر انقلب على الساحر، الهجمات المنظمة التي يقودها ما يعرف بـ “الذباب الإلكتروني” السعودي لم تقتصر على الخصوم فقط، بل طالت الأصدقاء من الدول والشخصيات أيضا، لتلحق الضرر بعلاقات السعودية مع حلفائها وأنصارها، كما يشير خبراء.
هجمات الكتائب الإلكترونية الموجهة من السلطات السعودية، او ما يعرف إعلاميا بـ”الذباب الإلكتروني”، أصابت سهامها في مقتل، العلاقات مع دول مصنفة في دائرة الأصدقاء والحلفاء مثل السودان والمغرب والكويت، وشخصيات معروفة كالكاتب الكويتي أحمد الجار الله.
وخلف ستار الأزمة الخليجية في صيف 2017، نظمت لأول مرة بوضوح هجمات من حسابات إلكترونية سعودية متزامنة على أشد وجه، ضد من تعتبرهم خصوما للمملكة، قبل أن يتسع الأمر ويتحول تدريجيا إلى مساس بالحلفاء، وتدمير ممنهج للعلاقات متى دعت الحاجة.
وظهر بشكل لافت مسؤولان سعوديان أحدهما سابق والآخر حالي، في صدارة مشهد الهجوم الإلكتروني في أحيان غير قليلة، أولهما سعود القحطاني المتهم في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والذي أقيل من منصبه في الديوان الملكي مؤخرا، والثاني تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في السعودية.
ورصدت الأناضول أبرز الهجمات الإلكترونية التي طالت الحلفاء من جانب “الذباب الإلكتروني” السعودي على النحو الآتي:
أولا: من ناحية الدول:
ـ المغرب
في مارس 2018، وبأسلوب حاد، هاجم رئيس هيئة الرياضة السعودية تركي آل الشيخ، المغرب، الحليف التقليدي للرياض، الدولة العربية الوحيدة المتقدمة لاستضافة نهائيات مونديال 2026 لكرة القدم، قائلا عبر حسابه في “تويتر”: “إذا طلب من السعودية دعم ملف مونديال 2026، ستبحث الرياض عن مصلحتها أولا، اللون الرمادي لم يعد مقبولا”، في إشارة إلى دعم الرياض للملف الأمريكي الذي فاز بالفعل بالتنظيم.
الانتقاد الذي جاء على خلفية حصول المغرب على دعم قطر لملف الترشح للمونديال، وما سبقه من وقوف المغرب على الحياد في الأزمة الخليجية، تلاه بشكل بدا أنه موجه، هجوم ضخم متزامن من حسابات إلكترونية على المغرب، منها مثلا ما قاله حساب باسم “أيمن”، ويظهر دعمه لولي العهد قائلا: “هذي نهاية دعم السعودية للمغرب لسنيين طويلة، السعودية يدها بيضاء مع كل الدول العربية، ولكن للأسف يد الخيانة، هي اليد التي تمتد لنا، كفاية هدر لأموال البلد على دول ناكرة للجميل”.
وهذه التعابير المتفاعلة مع التغريدات الرسمية، لا شك أنها تركت أثرا كبيرا على علاقة البلدين، وشرخا ليس بالسهل تجاوزه، لتساهم في تراجع العلاقات وحشرها في زاوية يصعب تجاوزها للآن.. بل إنها امتدت في مناسبات أخرى حيث رصدت الأناضول تعليقات سلبية تؤيد عدم قيام ولي العهد السعودي بتضمين المغرب في جولته العربية الأخيرة التي شملت في المقابل عدة دول مغاربية (تونس والجزائر وموريتانيا).
ـ الكويت
الكويت أيضا، الشقيقة الخليجية للرياض، لم تسلم من أذى الذباب الإلكتروني، حين هاجم آل الشيخ، وزير الشباب الكويتي خالد الروضان في تغريدة بحسابه “تويتر”، بعد لقاء وفد ترأسه المسؤول الكويتي بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد في 21 يناير الماضي.
وغرد آل الشيخ قائلا: “الروضان، باختصار، هو: الارتزاق تحت مظلة المناصب وضد الحقائق المثبتة”، لتنطلق حسابات إلكترونية سعودية، فورا بعدها تنتقد الكويت، وتدشن هاشتاغات (وسوما) مسيئة، منها ما قاله حساب مقبل السعيري معلقا، “الروضان يلعب بسمعة الكويت”.
ـ مصر
ما أن اعتذر آل الشيخ عن رئاسته الشرفية للنادي الأهلي المصري في مايو 2018، ووجه انتقادات حادة عبر حسابه بـ “توتير” لرئيسه اللاعب المصري الشهير محمود الخطيب، حتى توالت الحملات الإلكترونية المسيئة لمصر ولأكبر الأندية المصرية والقارة السمراء.
ومع تواصل ما اعتبرته وسائل إعلام بمصر “استفزازات” من تغريدات آل الشيخ ضد شخصيات بمصر، تم سب الأخير من مشجعين حضروا مباراة للأهلي، قبل أن تتطور الأمور سريعا إلى إعلان المسؤول السعودي في سبتمبر 2018 سحب استثماراته الرياضية من مصر، ما ولد حالة من الاحتقان الشعبي بين البلدين “الحليفين”، فقد تلا أزمة السباب والانسحاب حملات منظمة إلكترونية سعودية تسيء إلى مصر والنادي الأهلي.
ـ السودان
مع صدور تصريحات رسمية سودانية في مايو الماضي تلمح إلى إمكانية سحب السودان لقواته المتواجدة في اليمن ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية، انطلق الذباب الإلكتروني مهاجما السودان بضراوة وبشكل غير لائق، ومقللا من قيمة هذا البلد وأهله.
ولم تكن هذه الحملة الأولى ضد السودان، إذ سبقتها أواخر 2017 وأوائل 2018 حملة إلكترونية مماثلة، ورفضت الخرطوم آنذاك ما سمته “تطاولا عليها”، جاءت عقب توقيع اتفاقية مع تركيا لإعادة تأهيل جزيرة سواكن.
ووصل الأمر إلى أن قناة “العربية” السعودية طرحت استفتاء لها عبر صفحتها الرسمية بتويتر في يوليوز الماضي، تساءلت فيه عن سبب انضمام شباب وبنات السودان إلى تنظيم “داعش” الإرهابي.
وأثار هذا الاستفتاء رفضا سودانيا، واعتبره مدونون سودانيون بمثابة حرب تشويه على الخرطوم.
ثانيا: على مستوى الأفراد
لا يتردد أيضا الذباب الإلكتروني السعودي في مهاجمة شخصيات رغم تأييدها للنظام السعودي، ومن هذه الشخصيات:
ـ الكاتب الكويتي أحمد الجار الله
معروف بتأييده القوي لابن سلمان، وكل ما فعله أنه غرد ناصحا إياه بتاريخ 24 نوفمبر الماضي، فقال: “أمير محمد بن سلمان هذا ما نريده منك، نريدك بين الناس، سواء ناس شعبك أو ناس من تزور خارج وطنك، أمير محمد هنا تكون أمام طبيعة الأشياء..”، مادحا زيارات ابن سلمان الميدانية.
لكن الجار الله سرعان ما تعرض لهجوم كبير من الذباب، منها ما كتبه حساب بعنوان “عبد العزيز الرشيد” واضعا صورتي العاهل السعودي وولي العهد على التغريدة،: “من صيغ الاحترام (الألقاب) فهو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وليس أمير” فقط، كما كتب الجار الله.
ووصل الأمر حد التجريح، حيث علق حساب سطام آل سلطان: “يا أخي هل تتوقع أن رئيس تحرير صحيفة، وعميد الصحافة الكويتية حسب قوله، يكتب بهذا الأسلوب الركيك، وهذه الأخطاء الإملائية الفادحة؟”، متهما إياه بالتدخل في الشأن الداخلي السعودي بلا سند.
ـ الإماراتي عبد الخالق عبد الله
في سبتمبر الماضي، كتب الأكاديمي الإماراتي المناصر دوما للسعودية عبد الخالق عبد الله عبر حسابه بـ “تويتر”: “صديقة عزيزة وزميلة أكاديمية جادة أتمنى أن أراها قريبا” خارج السجن، مع صورة للأكاديمية السعودية والناشطة في مجال حقوق المرأة هتون الفاسي، الموقوفة في المملكة منذ يونيو الماضي، وتتعرض لمعاملة قاسية في محبسها، بحسب منظمات حقوقية.
إلا أن عبد الله الذي شغل سابقا منصب مستشار ولي عهد أبوظبي، لم يسلم من هجوم “ذبابي” سعودي لاذع، منه ما جاء على حساب “رامي بدر”: “عبد الخالق اشتاق لهتون الفاسي، زميلة النضال، احتفظ بأشواقك في قلبك، واحذر من الاقتراب من السيادة السعودية والتدخل في شؤوننا”.
ـ السعودي زياد الدريس
هذا الكاتب السعودي معروف عنه تأييده المطلق لابن سلمان، إلا أنه هو الآخر لم يسلم من هجوم الذباب حين انتقدهم.
في أكتوبر الماضي، كتب الدريس في صحيفة “الحياة” السعودية، “ابتليت بلادي الحبيبة، السعودية، بأن بعض الذين يدافعون عنها (خصوصا ممن يسمى الذباب الإلكتروني في موقع تويتر)، هم على مستوى من البذاءة والسوقية”.
وجاء الرد سريعا من خلال إطلاق هاشتاغ بعنوان “#الدريس_يسيء_لمغردي_الوطن”.. نال فيه الكثير من التجريح والإساءات.. وكان ضمن قائمة أكثر الهاشتاغات انتشارا في المملكة، حاصدا أكثر من 30 ألف تغريدة.
ـ “فخ” “انتقاد” محمد بن سلمان
لم تتوقف الحملات الإلكترونية السعودية الموجهة، على التعرض للحلفاء مثل الخصوم فقط، لكن المفارقة أنها طالت -دون أن تدري- ولي العهد ذاته!
ففي سبتمبر الماضي، نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية صورة لولي العهد السعودي في صدر غلافها، وبداخلها مقالا ينتقد بقوة سياساته داخل المملكة وخارجها.
وجذبت الصورة عددا من مؤيدي ابن سلمان، وأعاد العشرات نشر المقال على السوشيال ميديا، ترويجا له، دون أن يدركوا مضمونه المنتقد لابن سلمان، ما وضعهم في حرج لاحقا.
وكتب الأمير منصور بن سعد آل سعود، الأمين المساعد لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، في حسابه “بتويتر”: “إعادة العرب إلى مكانتهم العظيمة، عنوان المجلة الذي يحمل صورة سموّ سيدي ولي العهد”، قبل أن يحذف التغريدة، عقب انتقادات لمشاركته مقالا يدين ولي العهد، ظنا منه بالخطأ أنه يكرمه، الأمر الذي كررته حسابات أخرى.
ـ الذباب الإلكتروني.. ممثل غير رسمي لهوى الدولة
وعن ممارسات الذباب الإلكتروني السعودي، قال مؤسس منصة جمهرة الرقمية أحمد حذيفة: “الذباب الإلكتروني مكون من 3 فاعلين أو فئات، أولا: من يظهرون بأسمائهم وصفاتهم الحقيقية، كصحفيين ومسؤولين مثل سعود القحطاني” المقال عقب أزمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.
وأضاف للأناضول، “والفاعل الثاني هم موظفو السلطة، وهم أشخاص حقيقيون لكن يكتبون دون أسمائهم الحقيقية، ويدورون في فلك ما يؤمرون به. أما الجهة الثالثة فهي حسابات وهمية وخوارزميات تنشأ عبر البرامج، ومهمتها إعادة التغريدات، لتنشئ حالة من التفاعل الوهمي على السوشيال ميديا”.
ولفت إلى أن “السلطة لا تلتزم بهم، وتعلن رأيا مخالفا لهم، من باب التمويه، ولكن بالنهاية معروف من يؤسس ويروج لها، ومن هنا يمكن أن يزداد الشرخ بين الدول والشعوب حتى الحليفة منها”.
وشدد حذيفة على أنه “يمكن للذباب الإلكتروني خلق عداء مع دول أخرى حليفة، رغم أن الدولة الموجهة للذباب الإلكتروني لا تعلن هذا العداء، ولا تعترف به، ولكن بالنهاية معروف أن هذا الذباب يمثل هوى الدولة وميولها الداخلية”.
كما أكد أن “الذباب الإلكتروني، ونظرا لوظيفته السلبية، يتجاوز الحدود المرسومة له، للتسلط على دول تعتبر صديقة للمملكة، مثل الكويت والسودان، بالإساءة إليها وإهانتها، ما يؤدي إلى شرخ كبير يصعب تجاوزه”.
ـ نوع من الدعاية السوداء ووسيلة للتنمر
أما بسام شحادات، خبير التسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية، فقال إن “الذباب الإلكتروني نوع من الدعاية السوداء للسيطرة على الرأي العام، والقيام بحملة من التنمر، لرصد أي تعليقات، وقمع أي اعتراضات، وهو أمر سلبي جدا”.
وأوضح للأناضول أنه “يتم توظيف استخدام الذباب الإلكتروني للتعبير عن مواقف من الدول، خصوصا في حال الخلافات، إلا أن النموذج السعودي يزرع الشحناء والبغضاء والكراهية بين الشعوب”.
وشدد على أن “الإضرار بالحلفاء هو دور سلبي، ولا بد أن يكون هناك دور لمواقع التواصل الإلكتروني كتويتر، لمنع الحسابات الوهمية، والتحكم بالترند، لأن مثل هذا الذباب يؤدي إلى خلافات ويثير النعرات بين الدول، ما قد يؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها بين شعوب المنطقة”.
ولم يتسن الحصول على تعليق رسمي من المملكة بخصوص تلك المجموعات الإلكترونية التي اعتادت وسائل إعلام عربية وغربية نسبتها إلى السلطات السعودية، لا سيما مع تصاعد الأزمة الخليجية صيف 2017، دون إقرار أو نفي من الرياض.
وعادة ما تقول المملكة رسميا إنها تربطها علاقات وثيقة مع دول المنطقة، تقوم على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.