حتى تظل الحقيقة سيدة الموقف..
هوية بريس – إبراهيم عبدالله صرصور
ليست من هواة الرد على كل ما يُنشر من على المنصات الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنني أراني مجبرا أحيانا على ملامسة بعض ما يُنشر عندما تصل حالة التضليل درجة لا يمكن السكوت عنها، دفاعا عن الحقيقة وحماية للوعي العام من الاغتيال المتعمد، ومحاولات التشويه المنهجية..
(1)
يحق لنا أن نغضب حينما نسمع يهوديا يتحدث بعنصرية ضد العرب والفلسطينيين، او يقدم من مشروعات القوانين ما يخالف ادياننا وأخلاقنا واعرافنا وتقاليدنا العربية الجميلة، ويصيب في مقتل ثوابتَنا الدينية والوطنية الراسخة … هذا أمر طبيعي … كما يحق لنا أن نقيم الأرض ولا نقعدها على رأس من يتجرأ على المس بكرامتنا، والتطاول على شخصيتنا الدينية والقومية والوطنية، والانتقاص – حقدا وزورا – من مساهماتنا الحضارية في بناء المجتمع الإنساني عبر التاريخ، وإن كان حالنا اليوم لا يسر صديقا ولا يغيظ عدوا… هذا حق إنساني مشروع تكفله القوانين والأعراف…
لكننا يجب ألا نذهب بعيدا مع هذه القصة كما لو كانت الأولى في تاريخ العلاقة بين إسرائيل ومواطنيها العرب، وبينها وبين المحيط الفلسطيني والعربي الكبير، أو كأنها فريدة نوعها في الفضاء الإسرائيلي/اليهودي المأزوم الذي تتنفس هواءَه الأغلبيةُ اليهوديةُ – حتى ننصف العقلاء منهم – في داخل إسرائيل وحول العالم، واستغرقته بكل ألوانه وأطيافه وشرائحه المجتمعية من أعلاها، النخب وصناع الرأي، حتى أدناها، عامة الناس ودهماؤهم، فلم ينج من عفنها وكدرها إلا قليل..
نحن لا نخشى على أنفسنا من هؤلاء حتى لو وصلوا إلى أعلى المناصب التنفيذية في الدولة، ولن تهتز فينا شعرة حتى لو ملأوا الأرض ظلما وجورا وزرعوها بغيا وفجورا، فقد واجهت أمتنا في تاريخها أعداء أشد قوة وأكثر نفيرا، أَعْمَلُوا معاولَهم في ميراث الأنبياء يريدون قلبه النابض ليطفئوا نوره المبين وَيَهُدُّوا بنيانه المتين، وفي أرض المسلمين وأوطانهم يعيثون فيها الفساد ويهلكون الحرث والنسل… فما هي إلا سنين حتى بعث الله عبادا له أولي بأس شديد، (فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا)… فأصبح هؤلاء المعتدون نسيا منسيا… وبقي الإسلام شامخا يحمله أحفادُ الأنبياء والأولياء والصالحين من المهاجرين والأنصار والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين…
(2)
إلا انه يحق لنا ان نغضب ونثور عندما نرى من بني جلدتنا وبني قومنا، من يدعمون مشروعات قوانين هدفها هدم ما تبقى من قلاعنا الأخلاقية والاجتماعية التي تتهاوى امام الضربات القاتلة من الداخل (العنف والاحتراب الداخلي، وطغيان الغرائز والثقافة الاستهلاكية، وانهيار البنى التحتية الاسرية، وتراجع تأثير المرجعيات الدينية والوطنية، وضعف الانتماء للوطن ولمنظومة القيم المقدسة لشعبنا.. الخ..)، والضربات الموجعة من الخارج (سياسات مسخ الهوية، والتمييز العنصري والقهر القومي.. الخ..)، التي تصدر من وكر واحد يسعى للقضاء على اية جذوة لعودة الوعي الحقيقي تمهيدا لاسترداد الحقوق ودفع العدوان..
في الوقت الذي يواجه مجتمعنا وشعبنا وأمتنا ومقدساتنا ابشع التحديات وأشدها خطورة على الاطلاق، وجد – مع الأسف – بعض نوابنا العرب وخصوصا من الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة أن يفجروا أزمة لا علاقة لها بمجتمعنا، ولا علاقة لمجتمعنا بها، ولم يحصل في الحقب التي كان للأخلاق والقيم الدينية والوطنية والاجتماعية والعرفية مكانتها واحترامها، أَنْ شكَّلت مشكلة على الاطلاق، ولا كان هنالك من سعى لاستهدافها، بل تمت معالجتها بناء على ما توصل اليه مجتمعنا بالفطرة من تجارب اثبتت فعاليتها في معالجة اية ظاهرة مهما كان نوعها..
شهد النقاش حول قانون “الاخصائيون النفسيون/الشذوذ الجنسي” في الأيام الأخيرة حملات حاولت خلط الحق بالباطل، والغث بالسمين، في محاولة لتشويه وعي الجماهير خدمة لأجندات أصبح الحديث فيها من العبث الذي لا طائل تحته..
نحن نؤمن أنه لن يكون لشعبنا وجود، ولن تتحقق له الحرية، ولن تقوم له قائمة إذا لم يحافظ بكل قوته على منظومته الأخلاقية، وقيمة الدينية والاجتماعية الراسخة، فهي عنوان تماسكه الداخلي، وأمله في إسقاط اغلاله طال الزمان او قَصُر..
نحن نؤمن أيضا ان امبراطورياتٍ سادت العالم لأزمنة طويلة، سقطت وأصبحت نسيا منسيا بسبب ما انتشر فيها من انحطاط أخلاقي، واستفحل فيها من اباحية طاغية، واستوطن في خلاياها من منظومات أباحت الدماء والاعراض، وانتهكت الحرمات والمحرمات..
نحن نؤمن ثالثا، أن مسؤوليتنا تجاه مجتمعنا كبيرة، وأنه سكوتنا عن أي انحراف مهما كان بسيطا في نظر البعض، هو مشاركة في المسؤولية عن أي دمار إضافي سيمس مجتمعنا العربي، وهذا ما لن نقبل ان نتحمله ابدا..
نحن نؤمن رابعا، أن جماهيرنا وقياداتنا في المجتمع العربي لن يقبلوا بأي انتهاك لما تبقى من منظوماتنا الدينية والأخلاقية والاجتماعية تحت أي ظرف او مبرر، وأنهم سيكونون الدرع الواقي لها في وجه كل ما يهددها من الداخل او الخارج..
(3)
الشذوذ الجنسي حرام، ونحن ضد اي قانون يشرعن ذلك بشكل مباشر او غير مباشر، لأن الوسائل تحمل حُكْمَ المقاصد.. إن كان مقصد هذا القوانين هو التطبيع مع الشذوذ الجنسي في نهاية المطاف، وهذه هي الحقيقة، فهو مرفوض جملة وتفصيلا..
(4)
نثني على النواب الاسلاميين الذين صوتوا ضد القانون بكل وضوح، ودعوا في بيان رسمي الى التصدي لمثل هذه القوانين التي تُعَرِّضُ مجتمعَنا لخطر حقيقي، والى معالجة المصابين بهذا المرض كما يُعالج اي مرض خطير. كما نثني على ما أصدرته (دار الإفتاء والبحوث الإسلامية في الداخل الفلسطيني 1948)، من فتوى مفصلة حول الموضوع وضعت الأمور في نصابها بكل المسؤولية الدينية والأخلاقية والوطنية..
(5)
ندعو من صوَّت لصالح قانون “الاطباء النفسيين” الذي يُجَرِّمُ توصيف الشذوذ كمرض، ويُجَرِّمُ الاطباء النفسيين الذين يتوجه إليهم المصابون بهذا المرض او ذووهم، للاستشارة، ان يعيدوا النظر في الموقف، وأن يصوتوا مستقبلا ضد اي قانون من هذا النوع الذي فيه دعم علني او مُقّنَّع لشرعنة الظاهرة، بما في ذلك هذا القانون.
كما وندعو من تغيَّب عن التصويت بشأن القانون، الا يتغيب مستقبلا، وان يكون موقفه (ضد) مثل هذه القوانين، استجابة لنبض الاغلبية الساحقة لمجتمعنا العربي من كل الاديان والمذاهب.
(6)
الشذوذ الجنسي مرض خطير، وعلى المصابين به البحث عن العلاج المناسب حتى يتحرروا من قبضته، تمهيدا لعودتهم لحياتهم الطبيعية، وقيامهم، رجالا ونساء، بالمهمة العظمى التي خلقهم الله من اجلها، وهي من أجلِّ المهام وأقدسها..
(7)
لا علاقة بين حقوق الانسان وموضوع الشذوذ الجنسي، ويجب الا يوضع الموضوع في هذا السياق المضلِّل ابدا، كما لا علاقة بين حقوق الانسان وتشجيع انتشار الامراض الفتاكة في المجتمع..
(8)
من الانتهازية غير المنطقية الربط بين تصويت البعض مع القانون وتغيب آخرين، والعودة الى اجترار مسألة خوض الانتخابات البرلمانية من عدمها، وكأني بالبعض يتربص عند كل مفترق لتطويع الاحداث لخدمة اجندتهم الرافضة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، وهو الحق الذي قررنا عدم مناقشة أصحابه فيه لقناعتنا بعدم جدوى هذا النقاش، وقناعةً منا في الحركة الإسلامية ان النقاش في هذا الشأن يجب ان يظل محكوما بقواعد الاختلاف المحمود الذي يحترم الرأي والرأي الاخر..
(9)
سَنُّ البرلمانات تشريعاتٍ تخالف تعاليم الاسلام، وقيم العدل والكرامة الانسانية العابرة للأديان والثقافات، كما وتخالف تعاليم جميع الاديان، لا يمكن ان ينبني عليه موقف سياسي بمقاطعة المشاركة في الانتخابات البرلمانية.. لا علاقة في قناعتنا بين المسألتين..
للحقيقة نقول، ان كل برلمانات العالم بما في ذلك أغلب برلمانات الدول العربية والاسلامية، تمتنع عن سن قوانين تُجَرِّمُ افعالا محرمة شرعا، وتَسُنُّ قوانين تخالف الشريعة كصناعة الخمرة وشربها والترويج لها والمتاجرة بها ومعاقرتها، وكإباحة الزنى ان وقع بالتوافق، وكالتعامل بالربا البنكي، وكالسماح بالسفور العلني والفاحش، والترخيص للإعلام الداعر، وكصناعة السينما الساقطة، والسماح بسيطرة الفاحشة الفكرية والحسية على الأغلبية الساحقة من مساحات الفضاء الاعلامي، الى غير ذلك من عشرات المجالات التي هي اعلان حرب على الاسلام والأديان كلها وعلى قيم المجتمعات السَّويَّةِ واخلاقِها..
مع ذلك، لم يمنع هذا الواقع المرير الاسلاميين من خوض الانتخابات البرلمانية في هذه الدول غربيةً وعربيةً وإسلاميةً على السواء، وهدفهم في ذاك الصدع بكلمة الحق، والعمل لتغيير هذا الواقع، والسعي للتخفيف من اضراره بقدر المستطاع، ولم يقل احد منهم بمقاطعة الانتخابات لهذا السبب، وقد قال العلامة ابن تيمية في هذا الشأن قولا فاصلا: “إذا اجتهد الراعي في إصلاح دين رعيته ودنياها بحسب الإمكان، كان من أفضل أهل زمانه، وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله..).الفتاوى28/262… لا شك ان مراتب رعاية الخَلْقِ كثيرة ابتداء من البيت، مرورا بكل المواقع بما في ذلك عضوية السلطة التشريعية، وانتهاء بالولاية العامة، وكلها تندرج تحت لافتة (الراعي)..
(10)
قبل ان اسوق بعض النماذج لمحاولات لَيِّ اعناق الحقائق، والعبث بالأوراق، وخلط الحق بالباطل، أحب التأكيد على الحقائق التالية:
أولا، أن اسقاط اي تشريع قانوني مخالف لثوابتنا الدينية والوطنية بما في ذلك التشريعات ذات العلاقة بالشذوذ الجنسي، والتصويت ضدها، واجب ديني ووطني، لا مجال للنقاش فيه او المساومة عليه.. هذا هو موقف الحركة الإسلامية، وموقف جناحها السياسية (القائمة العربية الموحدة) الثابت، وعليه جاء تصويت نوابنا في البرلمان الرافض لقانون “الاخصائيون النفسيون/الشذوذ الجنسي) واضحا لا لبس فيه.. موقف نتعبد الله به، ولا نريد من وراء ذلك جزاء ولا شكورا..
ثانيا، لا نرضى لشركائنا في القائمة المشتركة موقفا أقل من الانحياز الكامل لهذه الثوابت الدينية والوطنية والأخلاقية المعبرة عن قناعات 99% من جماهيرنا العربية على اختلاف اديانها وعقائدها وايديولوجياتها.
ثالثا، ندعو شركاءنا في المشتركة ممن صوت مع مشروع القانون (3 أعضاء من الجبهة)، او من تغيب عن التصويت (3/تجمع، 3/تغيير، 2 الجبهة)، ان يعيدوا النظر في مواقفهم، وأن يكون تصويتهم في المراحل التشريعية القادمة تمهيدا للتصويت النهائي على القانون ب – (لا) كبيرة وغير متلعثمة، انحيازا للثوابت وانتصارا لمنظومة القيم والأخلاق الراسخة في مجتمعنا العربي.
رابعا، نُحَمِّلُ كل من يدير ظهره لهذه الثوابت الدينية والوطنية مهما كان مبرره، المسؤولية الكاملة عن أي تراجع في شعبية المشتركة ومصداقيتها، وعن أي ضرر يمس مكانتها في وعي الجماهير التي آمنت بها وما تزال..
(11)
نتفق تماما مع من ارتفعت أصواتهم منددة بالتصويت لصالح القانون، والعاتبة على من تغيبوا عن التصويت، فقد سبقناهم نحن في الحركة الإسلامية في تحديد موقفنا حيال كل ما حدث.. إلا اننا نرفض رفضا قاطعا محاولات خلط الأوراق تحقيقا لمآرب لا تخفى على الأطفال قبل الكبار.. من هذه التصريحات قول البعض: “الذي تغيب عن التصويت ضد القانون، هو كمن صوت لصالح القانون”، ودعوتهم المجتمع العربي الى استخلاص العبر، والى التعرف على “هؤلاء وأجندتهم المشبوهة والخطيرة على أخلاق شعبنا ومعتقداته وعاداته”، يعنون بذلك الجبهة والتجمع والتغيير، ولا أدرى ان كانوا يعنون ايضا (القائمة العربية الموحدة) الجناح السياسية للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، وإن من زاوية أخرى لأنهم لا يستطيعون التنكر لموقفنا الرافض بكل حزم لهذا القانون ولغيره من القوانين المخالفة للشريعة وقيم مجتمعنا وهويته الدينية والوطنية، وحقوقه السياسية والمدنية، الفردية والجماعية..
اخذا بديالكتيكية هؤلاء – انا هنا أصف حالا ولا احدد موقفا – واعتمادا على الحقيقة أن ثلاثةً من اعضاء (الجبهة) فقط من صوتوا (مع) القانون، يجوز للبعض ان يسأل: كيف تشنون هذه الهجمة على الجبهة في الوقت الي اخترتم فيه مرشحها لرئاسة لجنة المتابعة وهي اعلى هيئة وطنية تمثل العرب في الداخل؟! لا يعنيني هنا شخص رئيس المتابعة والذي أكِنُّ له كل الاحترام رغم اختلافنا معه في الكثير من الملفات الشائكة، ولكني أعني الحزب! أولم يعرف هؤلاء موقف الجبهة من مثل هذه القضايا المفصلية عند توصيتهم لصالح مرشحها لرئاسة برلمان العرب في الداخل من خلال وضع الأوراق البيضاء، وبذلك كانوا كمن صوت لحزب يعتبرونه اليوم صاحب “أجندة مشبوهة وخطيرة على أخلاق شعبنا ومعتقداته وعاداته”، وفي ذلك ظلم واضح لاثنين من أعضاء الجبهة اختاروا ان يتغيبوا عن التصويت؟!!
للعلم، لو صوَّت هؤلاء الصارخون اليوم ضد الجبهة جملة وتفصيلا، للمرشح الاسلامي (الشيخ كامل ريان) في حينه، لفاز برئاسة لجنة المتابعة بفارق خمسة اصوات، وليس بفارق صوت واحد، وهو الصوت الذي فاز به مرشح الجبهة.. لست متأكدا بالفعل – فليس هنالك ما يدعوني الى التفاؤل – بشأن ما إذا سيكون موقف هؤلاء عندما تقدم الاحزاب مرشحيها لرئاسة المتابعة بعد ان ينهي الأستاذ محمد بركة دورته قي شهر تشرين اول القادم؟ وماذا سيكون قرارهم إذا ما انتهى التنافس مرة أخرى بين مرشح إسلامي، يعني من الحركة الإسلامية، وبين مرشح علماني جبهويا/شيوعيا كان ام غيره؟
لا بد هنا من كلمة حق يتجاهلها هؤلاء الاخوة عمدا، وهي انني لا يمكنني عدالة وإنصافا التعامل مع من تغيَّب عن جلسة التصويت على القانون بنفس طريقة تعاملي مع من صوت مع القانون.. لا شك عندي في ان ما دعا الاخوة في الجبهة النائبين دكتور يوسف جبارين وجابر عساقلة، والاخوة في التجمع والتغيير، الى التغيب عن جلسة التصويت، امرٌ لم يَلْقَ قبولا في أنفسهم لدواعي أخلاقية وقيمية واجتماعية تربوا عليها ونشأوا في ظلالها، كان لا بد من اخذها بالاعتبار، وإن لم يتجاوزوا فيها بَعْدُ حواجز نفسية قد تحتاج الينا لمساعدتهم في تجاوزها في اتجاه التصويت ب (لا) كبيرة مستقبلا..
أما قولهم الذي نوافقهم عليه: “الذي تغيب عن التصويت ضد القانون، هو كمن صوت لصالح القانون”، فيدعونا الى طرح أسئلة بريئة: الأول، الا ينطبق هذا المنطق ذاته على أن من يقاطع انتخابات الكنيست، يكون كمن صوت لصالح الاحزاب الصهيونية، وأن من يدعو الى مقاطعة انتخابات الكنيست هو كمن يسلم قيادة المجتمع العربي من جديد للأحزاب الصهيونية وأزلامها، ويضع مصيرنا من جديد بأيدي من سرقوا وطننا وشردوا شعبنا واهانوا مقدساتنا واراقوا دماءنا؟!! الثاني، إذا افترضنا جدلا، ان الحركة الإسلامية قررت الانسحاب من الانتخابات البرلمانية لأسباب اقتنعت بوجاهتها، فأفترض ان الأحزاب الأخرى وخصوصا الجبهة ستستمر في خوض الانتخابات، فهل يفضل هؤلاء الكرام سيطرة الجبهة على الصوت العربي منفردة كما كانت قبل عقود؟ أهذا في نظرهم الوضع المثالي للتعددية التي تصب في مصلحة الجماهير العربية عموما والإسلامية خصوصا؟
(12)
الأدهى من كل ذلك، استغلال هؤلاء هذا الظرف لمطالبة الحركة الإسلامية بمقاطعة انتخابات الكنيست، أو على الاقل فض الشراكة مع المشتركة، بعكس ما يفعلون مع نفس اللاعبين في لجنة المتابعة العليا، حيث وصلت درجة العلاق بينهم وبين الجبهة الى حد التحالف غير المعلن رسميا.. نحن – يا سادة – لسنا عدميين الى هذا الحد، فلسنا من الذين يحكمون ب – “الإعدام الجماعي!!!!” على الأحزاب او الحركات او الأشخاص لمجرد ارتكابهم خطأ حتى لو وصل الخطأ الى حد الخطيئة والجريمة الأخلاقية! ليس هذا ما ربانا عليه فضيلة المؤسس الشيخ عبدالله درويش، ولا ما دعونا الناس اليه عبر نحو خمسة عقود من الدعوة والعمل الدعوي.. ما تعلمناه هو ان نقول للباطل: انت باطل، وللحق: انت حق، لا نخشى في الله لومة لائم.. ثم نمضي في البحث عن القواسم المشتركة مع الآخر الشريك في المصير وفي المسير رضينا ام ابينا، مع عدم تنازلنا عن واجبنا الشرعي في اقناع شركائنا بخطأ موقفهم.. تماما كما تفعلون ونفعل في إطار لجنة المتابعة العليا.. فاللاعبون في المشتركة هم ذاتهم اللاعبون المركزيون في المتابعة.. اليس كذلك؟ فلم الكيل بمكيالين؟
الحقيقة أنني أستغرب من جرأة بعض هؤلاء على التوجه للحركة الإسلامية بطلبات من هذا النوع، ونحن نعرف تماما عمق تحاملهم على الحركة الإسلامية، وتطاولهم عليها، وتزويرهم المتعمد لتاريخها، وتشويههم الدائم لسمعتها في الداخل والخارج، والتصيد المستمر لحركات وسكنات قياداتها، والتعبد بانتظار “فرج!!!!” زوالها، وهي الحركة الأم التي في ظلها وتحت قيادة مؤسسها الشيخ عبدالله نمر درويش – رحمه الله – نشأ كل هؤلاء، وأصبح لهم بفضلها بعد فضل الله، اسمٌ، ولمعَ لهم نجمٌ في العالمين!!
تظهر الازدواجية والتناقض صارخين في تصريحات هذه المجموعة من خلال حوار أجراه تلفزيون موقع عرب 48، مع الشيخ رائد صلاح – فرَّجَ الله كربه – تم عرضه بتاريخ 22.7.2020، أشار خلاله الشيخ ردا على سؤال حول رأيه في المشتركة والمتابعة والعلاقة بينهما، بأن “المشتركة لا تمثله ابدا” و “ان موقفه الرافض لانتخابات الكنيست معروف”، و “ان المشتركة لا يمكن ان تكون بديلا عن المتابعة” (وهو الامر الذي لم يَدْعُ اليه أحدٌ ابدا!!).. ما طرحه هنا لا غبار عليه في رأيي، فهذه قناعته، وعلينا احترامها، لكني أتوقع منه ومن غيره ان يحترموا هم أيضا اجتهادات الآخرين في المسائل ذاتها!
إلا ان اهم ما ورد في المقابلة المتلفزة، تأكيده على احترامه كل الأحزاب والحركات في المجتمع العربي، وانه مستعد للتعاون معها بلا استثناء في إطار لجنة المتابعة، يعني بالطبع ايضا أحزاب القائمة المشتركة، بما في ذلك الجبهة التي صوَّت ثلاثة من أعضائها مع قانون الشذوذ الجنسي، والتجمع والعربية للتغيير اللذين تغيب اعضاؤهما عن التصويت..
السؤال الذي يطرح نفسه: أليست الأحزاب التي يؤكد الشيخ رائد صلاح استعداده للتعاون معها بلا أي تحفظ او تردد (وهذا موقفنا في الحركة الإسلامية أيضا) في إطار المتابعة، هي ذات الأحزاب التي يصفها نائبه سابقا بصاحبة الاجندات “المشبوهة والخطيرة على أخلاق شعبنا ومعتقداته وعاداته”، ويعتبرها – بحق – تهديدا لوجود المجتمع العربي وهويته، ولذلك يدعو الى اقصائها من الحياة والسياسية والفضاء المجتمعي؟! لماذا لا تدعو هذه المجموعة الى الانفصال عن لجنة المتابعة بسبب ما يعتبرونه تهديدا للهوية والوجود والمعتقدات والأخلاق والعادات، بينما يطالبون بهدم المشتركة والانسحاب منها لنفس الأسباب؟!
إن كانت هذه التصريحات بين الرئيس ونائبه سابقا، متناقضة وهي كذلك (أعنى التعامل مع ذات الأحزاب بشكلين مختلفين)، فهو تناقض مذموم لا يدل على نضج ووعي سياسي سليم، بل يدل على شعبوية غير مسؤولة، وهو لا يليق بمن يعتبرون أنفسهم قيادات في المجتمع العربي.. وإن كانت هذه التصريحات تقاسما للأدوار، فهو تقاسم مذموم، لا يجوز بحال من الأحوال في عُرْفِ الذين مِنَ المفترض انهم لا يخجلون من التصريح بقناعتهم بوضوح مهما كلفهم ذلك من أثمان..
يبقى السؤال الأخير: أي الرأيين يمثل الموقف الرسمي لهؤلاء الاخوة الكرام، ولماذا هذا التناقض الفاقع، ولماذا هذا التخبط البائس؟! خَطُّنَا الدعوي والسياسي في الحركة الإسلامية واضح لا لُبس فيه، فنحن لسنا أصحاب وجهين مختلفين، بل أصحاب وجه واحد، يتلخص في اننا ضد أي سلوك او تصرف او سياسات تخالف ثوابت ديننا الحنيف، وتخالف قناعتنا الاجتهادية فيما لا نَصَّ فيه، وعليه لا نشعر بهذه الازدواجية في تعاملنا مع كافة اللاعبين على ساحات الفعل العربي الأربعة الرئيسية: المتابعة، اللجنة القطرية للرؤساء، المشتركة، والميدان الجماهيري.. نقول: لا، دون تردد حينما يستدعي الموقف ذلك، ونقول: نعم، حينما تدعو الضرورة لذلك.. لكنا في كل ذلك، لا نبادر بفك الشراكات، ولا تدمير الهيئات، ولا القتل المعنوي للشخصيات، بل نحافظ عليها ما لم تصل الى حد لا تعود الحياة المشتركة ممكنة بحال، وهذا من المحال في ظل ظروفنا الموضوعية التي نعيشها جميعا في مواجهة التمييز العنصري والقهر القومي الإسرائيلي..
إن سأَلَنَا البعض: أنتم من انتخبتم النائب أيمن عوده رئيسا للمشتركة، فكيف تأخذون علينا انتخاب السيد محمد بركة رئيسا للمتابعة؟ جوابنا بسيط ولا علاقة له بالأشخاص.. الحركة الإسلامية طالبت منذ المفاوضات التي جرت قبل انتخابات نيسان 2019، ان يكون رئيس جناحها السياسي هو رئيس المشتركة.. لكن، وبعد ان لم يصل المتفاوضون الى حلول لنقاط الخلاف، تم الاتفاق في حينه على إحالة الملف برمته الى لجنة الوفاق الوطني لاتخاذ القرار المناسب مع التزام مسبق من جميع الأطراف بقبول قرارها..
الجبهة هنا في رئاسة المتابعة، وهناك في رئاسة المشتركة، لكنها في المشتركة جاءت بقرار لجنة الوفاق الوطني دون انتخابات ولا استفتاءات، لم يكن أَمامنا أخلاقيا إلا أن نقبل به، وفي المتابعة جاءت بقرارٍ وانتخاباتٍ كان الموقف فيها كما يعلم الجميع، وهذا هو الذي صنع الفرق الي لا يُنكره الا مكابر..
(13)
نحن جميعا – وخصوصا قيادات المجتمع العربي – في أمس الحاجة للابتعاد قدر المستطاع عن الكليشيهات المستهلكة التي لا تُسمن من أثر وجبات التضليل السمينة التي تغلغلت في مسامات الوعي عند البعض فجعلتهم ينتفضون في وجه الحقيقة كما لو كانت العدو اللدود، ولا تُغني من جوع الحاجة الملحة الى الحقيقة المجردة بعيدا عن الهوى والغرض..
عموما، في رأيي تغيب عضوين من الجبهة إضافة الى اعضاء التجمع والتغيير عن التصويت، وإن كنت اتمنى لو كان موقفهم (ضد) بشكل مباشر، سيظل موقفا يدعونا الى ان نشجع اصحابه لتطويره حتى الوصول الى الاعتراض الصريح والواضح وغير المُلتبس على القانون اثناء مناقشته تمهيدا للقراءة الثانية والثالثة..
معركتنا مع ظواهر الانحراف الفكري والسلوكي في مجتمعاتنا العربية لن تتوقف، وستظل مظاهر هذه الانحرافات جزءا – كما يبدو – مركوزا في طبيعتها، علينا واجب معالجتها قدر المستطاع مستعينين بالله سبحانه، ولن ننسحب من ساحات المواجهة المختلفة في كل ميدان: الدعوة والارشاد، العمل البلدي والاهلي بكل أشكاله وصوره، والعمل الشعبي والاعلامي والقانوني، المحلي والاقليمي والدولي، إضافة الى العمل السياسي البلدي والبرلماني، وسنبقى نصدح بالحق الذي نؤمن به، ونستثمر الهامش المتاح في كل ساحة وميدان من أجل جلب ما نستطيع من مصالح، ودرء ما نستطيع من مفاسد، بما في ذلك إجهاض كل محاولة للتطبيع مع الشذوذ الجنسي..
لا يمكنني التحرر من الشعور الذي يكاد يبلغ درجة القناعة، ان الاخوة النواب الذين تغيبوا عن جلسة التصويت على مشروع القانون، إنما عَبَّروا بذلك عن الرفض للقانون بسبب قناعات نابعة من منظومة اخلاقية تربوا عليها، واجتماعية نشأوا في ظلها، والتي تستحق منا محاولة تحويلها الى قوة ايجابية في اتجاه اسقاط القانون.. ما كان يجب عدلا ومنطقا ان نضع المؤيد للقانون والمتغيب عن التصويت، في سلة واحدة… كنا نتمنى الا يكون هذا موقفهم، ولكن نستمر في مخاطبة وجدانهم املا في انتقالهم الى حالة الرفض الكامل والعلني وغير المتلعثم، وهذا بحاجة الى الا نقطع الحبال بيننا وبينهم، وان نعزز الحوار الهادئ والصادق معهم..
الحكمة في معالجة الكثير من قضايانا الخلافية بعيدا عن الاسلوب الشعبوي، هو المطلوب، فما أسهل تحطيم الجسور وما أصعب بناءها..
أومن في قرارة نفسي ان نواب التجمع والعربية للتغيير ونواب الجبهة دكتور يوسف جبارين وجابر عساقلة، يرفضون القانون بشكل قاطع، كما يرفضه النواب الإسلاميون، وهذا ما أتمنى ان يتحول الى حقيقة عند مناقشة القانون تمهيدا للمصادقة عليه في القراءات التشريعية القادمة.. هذا ما ارجوه على الأقل، فإن وقع مستقبلا، فالحمد لله، وإن لم يقع، فلا حول ولا قوة الا بالله، وكل نفس بما كسبت رهينة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني