حدود الالتقاء والتمايز بين الشخصي والمقدس في خطاب التربية الإسلامية (9)
هوية بريس – د.خالد الصمدي
في ترشيد الخطاب في مادة التربية الإسلامية.. حدود الالتقاء والتمايز بين الشخصي والمقدس في خطاب التربية الإسلامية (9)
المادة الدراسية الوحيدة التي يحضر فيها الرأي الشخصي إلى جانب النصوص المقدسة قرآنا وسنة وقراءتها واستعمالها هي مادة التربية الإسلامية، وكثيرا ما تحدث أخطاء تربوية وعلمية في إنتاج الخطاب التربوي في هذه المادة في ظل غياب ضوابط علمية وتربوية واضحة، أو غياب تكوين علمي وتربوي كاف في كيفية التعامل مع النصوص المقدسة الموظفة في هذه المادة.
فما هي معايير اختيار هذه النصوص الشرعية سواء في مرحلة التأليف او مرحلة التدريس ؟ وما هي حدود الالتقاء والتمايز بين الشخصي والمقدس في خطاب التربية الإسلامية، وكيف يمكن استخدام كل منهما بحسب وظيفته وسياقه التربوي ؟ وكيف يمكن أن يتجنب المدرس الخلط بين رأيه الشخصي والنص المقدس وهو يتعامل مع المادة داخل القسم؟ تلكم أسئلة وغيرها تحتاج الى بحث معمق ورصين يكفي أن نشير في هذا المقام إلى بعض ما يرفع به الملام.
إن اختيار النص المناسب للموقف التعليميى المناسب تعتبر من أصعب المهام أثناء فترة تأليف الكتب المدرسية والمؤلفون يعرفون ذلك ، وهي لحظة من اللحظات المهمة لإنتاج الخطاب التربوي في المادة وتتطلب كثيرا من الجهد والدقة، ولكن بسبب الضغط الذي تعرفه هذه المحطة ، لا يتم أحيانا بذل الجهد الكافي لاختيار النص المناسب للدروس والمواقف التعليمية المناسبة مما يخلق صعوبات لدى الأساتذة أثناء التدريس وقد يجدون ربما نصوصا أخرى قد تكون أوفق وأنسب.
كما أن بعض الأساتذة سامحهم الله يلجأون بسبب ضعف في التكوين أو نقص في العدة العلمية، أو عجز في التصرف والاقناع في موقف تعليمي تعلمي معين ، الى استعمال سلطة النص المقدس في تدريسهم للمادة فيستعملون نصوصا في غير محلها أو يخلطون بين الرأي الشخصي والمتن المقدس من قرآن وسنة صحيحة ، ويعتبرون أن رد التلاميذ ومناقشاهم لمواقفهم المخالفة أحيانا لرأيه هي مواقف من النص المقدس وبالتالي ينبغي عليهم مراجعتها والتخلي عنها، فيقمع في التلاميذ شهوة السؤال وإبداء الرأي خشية الوقوع في هذا “التجاوز المعيب” مرة أخرى، علما بأن الله تعالى فتح السؤال في أعقد قضايا العقيدة فقال إبراهيم عليه السلام “رب أرني كيف تحيي الموتى“، وقال موسى عليه السلام “رب أرني أنظر إليك” بكل أدب وشوق إلى المعرفة.
إن الاستشهاد بالنص المقدس في خطاب التربية الإسلامية تأليفا في الكتاب المدرسي أواستعمالا في القسم له قواعد ومبادئ أهمها:
– وضوح دلالة النص قرآنا كان أو سنة على الموقف التعليمي المقصود وارتباطه به،
– التأكد من صحة النص إن كان من السنة النبوية الشريفة،
– معرفة سياقه من خلال سبب نزوله أو سبب وروده، فهو باب فهمه وتوظيفه في السياق التعليمي المناسب،
– التأكد من عدم اقتصاره على النازلة التي ورد فيها او نزل بشانها( الأحكام الخاصة ) وإمكانية تعديته إلى نوازل أخرى على سبيل التنزيل والقياس،
– استعماله بحكمة لتحقيق وظائفه التربوية المتمثلة في التعزيز والاستشهاد والتفسير والبيان والتاكيد والترجيح وغيرها من الوظائف التربوية والعلمية المناسبة،
– احترام وظيفية النص أي عدم استخدام النص عند عدم الحاجة إليه،
– عدم السقوط في الخلط بين الرأي الشخصي ومضمون المتن المقدس انتصارا للرأي الشخصي عند الخلاف،
تلكم بعض القواعد التي يحتاج اليها الخطاب التربوي في مادة يتجاور فيها الرأي الشخصي إلى جانب النص المقدس جوار إسناد وإرشاد، لا جوارا يوقع أحيانا في الخلط والإفساد.