حرائق أمريكا.. وقفات وعبر

17 فبراير 2025 17:49

هوية بريس – ناصر عبد الغفور

كانت أمريكا قبل أيام مع موعد مع حرائق تعتبر الأشد في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية… بلغت الخسائر المادية حوالي 275 مليار دولار، بل ذكرت بعض التقارير أنها قد تبلغ حوالي 800 مليار دولار أمريكي (الخسائر المباشرة والغير المباشرة)… آلاف المباني صارت أثرا بعد عين…ومن ضمنها أفخم المساكن لأكبر أثرياء العالم وأكبر مشاهير هليود…

ضربت الحرائق أعظم الولايات وأقواها اقتصاديا (كاليفورنيا)التي لو استقلت عن أمريكا لأصبحت خامس قوة اقتصادية في العالم، وأكبر الحرائق كانت من نصيب مدينة لوس أنجلوس، أغلى مدن العالم حيث يقدر المسكن الواحد فيها بحوالي 30 مليون دولار…

ونحن كمسلمين يجب ألا يمر علينا مثل هذا الحدث العظيم مرور الكرام بل علينا أن ننظر إليه نظرة المتأمل مستنبطين منه الحكم والدروس والعبر، ونقف معه وقفات المستبصر المتفكر.

وهذه بعض الوقفات:

1- “وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ([1]) (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)”-هود-:

لا يشك عاقل أن أمريكا من أعظم القرى ظلما في هذا الزمان وأن حكامها من أطغى الطغاة وأشدهم تمردا على رب الأرض والسموات… فلسان حال أمريكا للعالم بأسره: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى“، “مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي“… صارت وأضحت تتحكم في العالم كله دولا وشعوبا، جماعات وأفرادا كما أنهم عبيد لها… اتخذت مجلسها العفن (مجلس الأمن) والأصح أن يسمى (مجلس الظلم والقهر) وسيلة لتمرير قراراتها الجائرة ومنع كل قرار عادل… فكل قرار فيه شيء من رحمة العباد لا يجد أمامه إلا تلك الورقة المشؤومة (ورقة الفيتو) له بالمرصاد..وما أمر غزة الجريحة عنا ببعيد حيث منعت قرار وقف الحرب أكثر من مرة برفع ورقتها المشؤومة هاته في مجلسها المشؤوم ذاك…

وباعتبارها أكبر قوة في العالم صارت تتحكم في مصير الدول والأفراد سواء بالعقوبات الاقتصادية أو بمصادرة الأموال والممتلكات أو بالعقوبات العسكرية…

وكموكمفي تاريخها الأسود دمرت ومن الحرث والنسل أهلكت، وما جرى في بلاد الرافدين ليس ببعيد… وماجرى مؤخرا في أرض فلسطين من تقتيل وتدمير بأسلحتها الفتاكة يضل على ذلك شهيد.

2- ” وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)”-البقرة-:

لا يختلف عاقلان ولا ينتطح عنزان -كما يقال- في أن طواغيت أمريكا تشملهم الآية من قريب لا من بعيد، فتاريخهم أكبر شهيد لما فعلوه بالدول والعبيد… لا زاجر يزجرهم ولا مانع يمنعهم حتى بلغ الأمر بهم بالتوعد بالجحيم كما قال ذاك السفيه المهتوه: “سأجعل الشرق الأوسط جحيما إذا لم يردوا الرهائن، ولن ينجو أحد”، كلمات في غاية الوقاحة والغطرسة والكبر والتجبر يتلفظ بها عدو الله ترمب…ولم يتأخر الرد…أيام قلائق فرأى بأم عينه الجحيم -الذي توعد بها المسلمين- يحل ببلده.

3–” وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ “-العنكبوت:22-:

يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:” أي: يا هؤلاء المكذبون، المتجرؤن على المعاصي، لا تحسبوا أنه مغفول عنكم، أو معجزون للّه في الأرض ولا في السماء، فلا تغرنكم قدرتكم وما زينت لكم أنفسكم وخدعتكم، من النجاة من عذاب الله، فلستم بمعجزين الله في جميع أقطار العالم([2]){ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ } يتولاكم، فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم، { وَلا نَصِيرٍ } ينصركم، فيدفع عنكم المكاره.”([3]).

ولعل دولة الظلم والطغيان والجور والعدوان أولى بهذا الخطاب في هذا العصر والأوان، فلسان حالهم بل لسان مقالهم(لا معجز لنا ولا غالب لنا)، فلنا من القدرات العسكرية والحربية والنووية والمالية والاقتصادية وو…ما لا طاقة لأحد بنا ولا يدان…فقدّر الله عليهم من الحرائق والأعاصير ما بين زيف ادعائهم وكشف للعالم ضعفهم فأذلهم الله في أيام معدودات وأصابهم من العجز في مواجهة تلك النيران ما اتضح لكل ذي لب وعينان.

4- “وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)”- فصلت-:

تجبرت عاد وادعت أن لا قوة فوقها، ونسيت أن الله الذي خلقها وأمدها بقوتها هو أشد منها قوة وأعظم، فجاءها ما أحبط قوتها وأبطل جبروتها( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)-فصلت:16-…

وما ادعته عاد في سالف الأزمان من قوة وما مارسته من طغيان صار على نهجه الأمريكان فادعوا أنهم القوة التي لا تهزم والعظمة التي لا تقهر([4])، فحل بهم من المثلات من رب الأرض والسموات ما بين أن قوة الجبار فوق قوتهم وأنهم أحقر وأذل من مواجهة قضاء ذي العزة والجلال.

5-  “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)”-الشورى-:

إن ما أصاب أمريكا الطاغية من الحرائق والأعاصيرلجزء يسير مما كسبت يديها من ظلم للعباد، وأخص بالذكر إخواننا في غزة وفلسطين من ذبح وتقتيل بأسلحتها…صواريخ في غاية التطور وقنابل في غاية الفتك تصدّر لليهود طيلة مدة الحرب…وكأنهم في سباق مع الزمن لقتل أكبر عدد ممكن من المسلمين([5]).

يقول الإمام عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:”يخبر تعالى، أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو اللّه عنه أكثر، فإن اللّه لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ } وليس إهمالا منه تعالى تأخير العقوبات ولا عجزا”([6]).

6- “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”-غافر:60-:

ما نراه في أمريكا اللعينة التي تجبرت وطغت وعلى عباد الله علت واعتدت إنما هو من استجابة الله تعالى لعباده فملايين المسلمين يدعون ويتضرعون إلى البارئ سبحانه أن يريهم عجائب قدرته في هذه الدولة الطاغية وأن يسلط عليها جندا من جنوده…فلم يتأخر الرد بل جاء في الوقت المناسب الذي شاءه الحكيم سبحانه…

7- ” فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ “-البقرة:266-:

لا نشك ولو مثقال ذرة أن الكون كله مسخر مدبر من الحكيم الخبير السميع البصير، وأن أمره إنما بقوله “كن” فيكون، وهذا ما شهده العالم بأسره في أرض أمريكا حيث أمر الله تعالى بعض جنوده فامتثلت ووجهها فأذعنت…أمر الرياح فبقوة عالية جرت.. وأمر النار فعلت وانتشرت ولدورهم هشمّت ولكل محاولات الإخماد أبطلت..وأمر الأعاصير فتسلطت ولكثير من مبانيهم نسفت…

بل رأى العالم بأمه عينه آية عظيمة من آيات الله جل جلاله تتحقق في أرض أمريكا…وقد ذكرها الله تعالى في محكم كتابه…إنها الإعصار الناري (أعاصير فيها نار) –عياذا بالله تعالى-.

يقول تعالى في مثل ضربه في سورة البقرة:” “فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ”…وسبحان ربي كم قرأت هذه الآية وما رأيتها بأمي عيني إلا في أرض طاغية العالم أمريكا: أعاصير برياح قوية تستدير ثم تعلو وترتفع في الجو بنيران وسطها تأتي على الأخضر واليابس، فسبحان الجبار الذي أذعن له كل شيء…

8- “كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)”-المائدة-:

عبارة ترددت مرارا هذه الأيام([7]) (أمريكا مختصة في إشعال الحرائق وليس في إطفائها)، وصدق من قالها، فإن تاريخ أمريكا الأسود شاهد على مدى حرائق الحروب التي أوقدتها وذهب ضحيتها ما لا يحصى من الأبرياء…مرورا بالفيتناموأفغانستان ثم بلاد الرافدين ثم اليمن وغيرهاوأخيرا ولا شك أنه ليس آخرا أرض العزة والكرامة أرض فلسطين، التي تسفك دماؤها وتنسف مبانيها وتحرق أشجارها على يد الصهاينةبسلاح أمريكا البغيضة..

لكن اللطيف سبحانه مهما أوقدوا من حروب وأشعلوا من نيران يطفئها برحمته، وتنقلب الدائرة عليهم، فينسحبون خائبين ولذيل الهزائم جارّين، كما حدث في الفيتناموأفغانستان وغيرهما…(كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ).

وحينما يشاء القهار الجبار إذلالهم فإنه يسلط عليهم من جنس ما يوقدون من النيران ما لا قدرة لهم به([8])، كما هو واقع في هذه الأيام حيث سلط الله تعالى عليهم نارا عجزوا عن إخمادها، بل استعانوا بدول تمتلك أحدث الوسائل لمكافحة الحرائق ككندا وغيرها، لكن الكل عاجز لحد الآن…

9-” أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)”-الواقعة-:

إن ما نراه من نار عظيمة اشتعلت وفي أرضالطاغية أمريكا علت وتأججت إنما هو تذكرة بنار أعظم وجحيم أشد…تذكرة بنار ليس وقودها المباني والأشجاروإنما وقودها الناسوشديدالأحجار، كما قال الجبار:”فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)-البقرة-.

تذكرة بنار تفضل نار الدنيا بتسعة وستين جزءا –عياذا بالله-، كما قال من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى-صلى الله عليه وسلم-:” ناركم هذه التي توقد بنو آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم قيل : يا رسول الله ! إن كانت لكافية ؟ قال : فإنها فضلت عليها بتسعة و ستين جزءا كلهن مثل حرها”-متفق عليه-.

وفي رواية لرزين: «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر النار ، فقال : أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي تُوقدون ؟ إنها لأشدُّ سوادا من القار، ولو أن أهل النار أصابوا ناركم هذه لناموا فيها – أو قال: لقالوا فيها»([9]).

والقار الزفت، وهذا يبين عظم أهوالها وشدة أخطارها أجارنا الله وجميع المسلمين منها.

10- “إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)”-يونس-:

من الدروس والعبر المستفادة مما يحدث بأرضالحضارة والتقدم بيان حقيقة الدنيا وأنها كسحابة صيف سريعة الزوال، فالمغتر من يغتر بها والمفتون من يفتتن بها والأحمق من يلهث خلفها، عروس عجوز شمطاء ارتدت قناع الشباب والجمال فلهث خلفها الخطّاب، فوقع كل واحد في فخها فأهلتكه وفي معسكر قتلاها أردته.

مدينة لوس أونجليس أغلى مدينة في العالم يقدر المسكن فيها بحوالي 30 مليون دولار، منازل في غاية الرفاهية ومباني في غاية الجمال والأناقة، بروج علياء وحدائق غناء، عمارات فارهة ومباني شاهقة، ملاهي ودور بل شاليهات وقصور…

حياة تنبض بقمة النشاط وبروح الجمال والبذخ…

كل ذلك يصبح في غضون أيام معدودة رمادا وفحما، ونارا تنشر بينهم سما…

والعاقل من اعتبر بغيره…وجعله هذا الذي يقع في أغلى مدينة في العالم يزداد يقينا بحقيقة الدنيا وسرعة زوالها مهما عظمت في أعين أصحابها ومهما تزخرفت وتجملت فمصيرها الزوال المحتوم الذي لا مفر منه مهما طالت السنون.

وقد ضرب الله تعالى لهذا الأمر الجلل-الذي غفل عنه معظم الناس-الأمثال…

يقول تعالى:” وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)” –الكهف-، ويقول جل شأنه وتعالى ذكره:” اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)”- الحديد-.

ويقول عز شأنه:”إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)”-يونس-.

يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسير آية يونس:” وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا، فإذا استكمل وتم، اضمحل وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها.”([10]).

11- ” وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ”-التوبة-:

إنما حل بأمريكا التي طغت وعلت وبقوتها تجبرت ولدماء الآلاف([11]) من المسلمين والأبرياء–بأسلحتها- سفكت…لا بد أن يدخل السرور على قلب كل مسلم ويشفي صدره ويذهب ما في قلبه من غيظ على هؤلاء الكفرة الفجرة الذين لا هم لهم إلا الصد عن سبيل الله ولا راحة لهم إلا في استباحة دماء وأعراض وثروات المسلمين…

وإن نسي بعضنا ف(مَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)…ما حل بالعراق من دمار وهتك للأستار واستباحة للأبكار وتقتيل وتذبيح لأهله بالليل والنهار وتعذيب وغير ذلك مما جلب لأهل الكفر الشنار والعار وأوجب لهم المعرة والصغار عند أهل الحقائق والأبصار.

وما حل بغزة الأبية وإن كان على يد اليهود فإنه تم بأسلحة أمريكية…

فالحمد لله الذي أثلج صدورنا بما حل بهم من نقمته وأنزل بهم من سطوته…(وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)، يقول الخازن رحمه الله تعالى:” ويشف صدور قوم مؤمنين ( يعني ويبرئ داء قلوبهم مما كانوا ينالونه من الأذى منهم…فإنه يفرح بذلك ويعظم سروره ويصير ذلك سبباً لقوة اليقين وثبات العزيمة.”([12]).

والفرح بمصيبة أهل الكفر والطغيان والجبروت والعدوان من سنن أهل الإسلام التي يحمدون بها رب الأكوان…” فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)”-الأنعام-.

وهذا الفرح بما ينزل من بلاء بالظلمة المفسدين والكفار المعتدين  ليس من الشماتة المنهي عنها شرعا، فالشماتة المنهي عنها هي الشماتة بالمسلمين الغير المعتدين.

12- “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)”-الأنفال-:

معظم أسلحة الدمار التي استعملها اليهود في حربهم على فلسطين عموما وغزة خصوصا مستوردة من أمريكا، فالعجوز بايدن([13])-قبحه الله تعالى-كان أكثر سخاء مع اليهود، يصدر لهم أكثر الأسلحة تطورا على مدار الحرب: أسلحة عسكرية وبحرية وأخرى جوية دفاعية..كلها غاية في التقدم، إضافة إلى أنواع من الدعم اللوجستي والتدريب العسكري…

وحسب بعض التقارير فإن اليهود أنفقوا 67 مليار دولار على حربهم على غزة، ولا ريب أن معظم هذا المبلغ خصص لصفقاتهم العسكرية مع أمريكا…

لكن إن كان اليهود أنفقوا  كل هذه الأموال في حرب دامت 15 شهرا، فإن أمريكا اللعينة تكبدت في ظرف أيام قلائل أضعاف هذا المبلغ حيث قدرت خسائر الحرائق لحد الساعة بحوالي 275 مليار دولار، هذا فقط في كاليفورنيا التي تعد أغنى ولاية أمريكية بحجم اقتصاد يبلغ 3.87 تريليون دولار–في سنة 2023-([14]) ومما تتضمنه هذه الولاية وادي السيليكون الذي يحوي أكبر شركات التكنولوجيا في العالم([15])

كل هذا الاقتصاد تصدع غاية التصدع بما حل بهم من حرائق وأعاصير، وسينفقون أضعاف ما جنوه من أرباح من اليهود…خسائر متتالية وحسرات متتابعة، وخسارتهم في الآخرة أكبر وحسارتهم أشد.وصدق ربنا إذ يقول “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ”-الأنفال:36-.

13- “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ”-فصلت:53-:

من حكم الله تعالى في جريان بعض آياته الكونية تذكير خلقه بربهم ورجوعهم إلى خالقهم والتفكر في مآلهم وعدم التمادي في الاغترار بدارهم([16]) والاعتبار بغيرهم والاتعاظ بأحوالهم…فكم وكم من ضال اهتدى وتائه رجع…بما رأى من آيات الله في الآفاق وفي الأنفس…وهكذا الحال في ما حل بأمريكا من حرائق وأعاصير فقد كان ذلك سببا لدخول كثير من أهل الكفر إلى دين الإسلام تائبين منيبين..موحدينمكبرين..باكين خاضعين…فشرح الله صدورهم للإسلام بفضله…وجعل تلك الآيات سببا لدخولهم في دينه وفطرته…(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)-الأنعام:125-…

لكن ليس كل من شاهد هذه الآيات أو غيرها يهتدي ولا كل من حضرها بأهل الحق يقتدي…بل أكثر الناس على ضلالهم يثبتون وفي غيهم يعمهون وفي كفرهم يترنّحون…وهذا ما يحدث على مر العصور…فمنهم من لايبالي بما يرى من آيات ومنهم من يستخف بها ويستهزء بل منهم من ينكر ويكذب –عياذا بالله-…” وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ”-الإسراء:59-…

فكم أرسل الله تعالى من آيات وكم أظهرعلى أيدي أنبياءه من معجزات…لكن هيهات هيهات…القلة هم الذين يذعنون وبتلك الآيات يؤمنون وإلى ربهم يؤوبون، أما معظم الخلق فإن حالهم كما وصف الله تعالى:” وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ”-هود:17-، “وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)”-يوسف-، “فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)”-الإسراء-…

ومثل هؤلاء لا تنفعهم الآيات مهما عظمت ولا الحجج مهما جليّت([17])… { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) }-يونس-.

خاتمة:

كانت تلك بعض الوقفات وقفتها مع ما حصل من أعاصير ونيران في أمريكا بلد الكفر والعدوان…وقد رأيت أن تكون كل وقفة منطلقة من كلام ربي الذي { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }-فصلت:42-…

فالقرآن الكريم كما أخبر العليم الحكيم ” بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)”-آل عمران-…فنسأل الله تعالى أن نكون من أهل التقوى الذين بهيهتدون ويتعظون وأن نكون ممن بغيره اعتبر وعن غيه رجع وانزجر، ولآيات الله الكونية بقلبه أبصر…وألا نكون ممن قال الله تعالى فيهم:” وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)”-يوسف-.

والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])أي: يقصمهم بالعذاب ويبيدهم، ولا ينفعهم، ما كانوا يدعون، من دون الله من شيء.”-تيسير الرحمن:389-.

قد يقول قائل:هذا لم يتحقق فالحرائق لم تبد أمريكا كلها، والجواب: أن يقال أن الله تعالى لا يعجزه إبادتها ومحوها من الأرض في لمحة بصر، لكن الله تعالى حكيم في أفعاله، حليم بعباده، يذيقهم شيئا من عقابه لعلهم يتوبون وعن غيهم يرجعون…لكن إن تمادى الظالمون في ظلمهم والطغاة في طغيانهم فليسوا بمعجزين، ومن فعل بالأمم الكافرة البائدة ما فعل قادر على مثله بالنسبة للأمم الطاغية في هذا العصر.

([2]) ويقول في موضع آخر: معجزين قدرة اللّه عليكم، بل أنتم عاجزون في الأرض، ليس عندكم امتناع عما ينفذه اللّه فيكم.

([3]) تيسير الرحمن:628.

([4]) وهذا ما صرح به علانية العجوز جو بايدن.

([5]) وهذا فعلا ما صرح به بعض المسؤولين اليهود من أن الكتائب العسكرية اليهودية تتنافس بينها في أيها تقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطين.

([6]) تيسير الرحمن:759.

([7]) في مواقع التواصل.

([8]) أو غير ذلك من أنواع العقوبات التي تحل بهم.

([9]) جامع الأصول من أحاديث الرسول:10/513.

([10]) تيسير الرحمن:361.

([11]) وربما الملايين عبر تاريخها الأسود.

([12]) لباب التأويل في معاني التنزيل:3/66.

([13]) رئيس أمريكا الذي انتهت ولايته المشؤومة قبل أيام.

([14]) ممثلة وحدها حسب بعض التقارير 15% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي.

([15]) ومن هذه الشركات العملاقة: أبل، غوغل، وفيسبوك.

([16]) دار الدنيا الفانية.

([17]) بضم الجيم وكسر اللام.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
11°
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء
19°
الأربعاء

كاريكاتير

حديث الصورة