حراك جيل زد Z في المغرب.. تراكم الأزمات ينتج جيلا جديدا من الاحتجاج

03 أكتوبر 2025 12:02

حراك جيل زد Z في المغرب.. تراكم الأزمات ينتج جيلا جديدا من الاحتجاج

هوية بريس – إبراهيم الطالب

أكيد أن الحراك الشبابي الذي يشهده المغرب اليوم لم يأتِ من فراغ، بل هو حصيلة مسار طويل من التوترات والخيبات والإصلاحات غير المكتملة. يتزعم هذا الحراك جيل زد Z، ويقصد به الشباب الذي ولد بين سنتي 1995 و2010، وحتى نفهم تركيبة هذا الجيل الجديد علينا أن نتابع أهم الأحداث التي أثرت في تشكيل وعيه.

فمنذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، تراكمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتنتج واقعا جديدا، حيث فقَد الشباب الثقة في الوسائط التقليدية كالأحزاب والنقابات، وهذا ما جعلهم يتجهون إلى التعبير عبر الشارع والمنصات الرقمية.

وسنحاول في هذا العجالة، أن نرصد أبرز المحطات التي صنعت هذا المسار، وذلك من خلال النقاط التالية:

1 من فشل حكومة التناوب إلى التوظيف السلطوي للأحزاب السياسية

شكّلت حكومة التناوب (1998–2002) لحظة مفصلية في تاريخ المغرب المعاصر، كان يُنتظر منها أن تدشن انتقالا ديمقراطيا سلسا، وأن تضع أسس دولة حديثة قائمة على المحاسبة ومحاربة الفساد، غير أنّ حصيلتها بدت محدودة، ولم ترقَ إلى مستوى انتظارات المواطنين، خاصة الشباب منهم؛ إذ بقيت بنية الريع والبيروقراطية على حالها، بينما ظلّ الفساد متجذرا، وقد ترك ذلك انطباعا لدى الأجيال الصاعدة بأن الإصلاحات الكبرى في المغرب غالبا ما تتوقف عند “الواجهة السياسية” دون مساس بالجوهر.

ومباشرة بعد سقوط حكومة التناوب وفشلها، دخل المغرب مرحلة ما سمي بالحرب على الإرهاب، والتي طغت عليها مقاربة: الأمن قبل السياسة، فبعد تفجيرات الدار البيضاء 2003 دخل المغرب في مرحلة أمنية استثنائية، تميزت بسن قوانين صارمة وتشديد القبضة على بعض التيارات، ورغم أن هذه السياسات أعطت الانطباع بالاستقرار، فإنها أثرت سلبا على المجال السياسي والحريات العامة، مما رسخ لدى الشباب الذي نشأ في تلك المرحلة الشعور بأن الدولة تُقدّم المقاربة الأمنية على الإصلاح السياسي، وأن ثمة حدودا صلبة لأي انفتاح، هذا الإحساس بالمراقبة والتقييد زاد من أزمة الثقة في المؤسسات، خصوصا مع الاستعمال السياسوي للأحزاب من طرف الدوائر المقربة من أعلى سلطة، وعلى رأسها حزب البام الذي أعلن أنه جاء ليحارب أسلمة البلاد، وفي نهاية المطاف كانت نتيجة التدخل السافر في الحياة السياسية هي فقدان الثقة لدى الشباب في الاصلاح من داخل الحياة السياسية.

2- الربيع العربي من الأمل في الإصلاح إلى انسداد الأفق الانتخابي

مع اندلاع ثورات الربيع العربي سنة 2011، خرجت حركة 20 فبراير لتطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فاستجاب النظام بسرعة بدستور جديد وانتخابات أوصلت الإسلاميين إلى الحكم، فبدا حينها وكأن المغرب يسير في طريق إصلاحي استثنائي مقارنة بجيرانه، لكن سرعان ما تبيّن أن تلك الإصلاحات لم تُحدث التغيير الجوهري المطلوب: البطالة ظلت مرتفعة، التفاوتات الاجتماعية تعمّقت، والمناطق المهمشة بقيت خارج التنمية.

بالنسبة للشباب، شكل ذلك فرصة ضائعة عززت الشك في جدوى الإصلاح من الداخل، خصوصا بعد الانقلاب الناعم على الإسلاميين حيث أفرز ذلك انسداد ا للأفق الانتخابي لدى شريحة كبيرة من المغاربة، على رأسها طبقة كبيرة من جيل زد التي شكَّل لديها الربيعُ العربي وأجواؤه وما حصل في البلدان العربية أملا في الخروج من المعاناة والإخفاقات المتكررة لكل مشاريع الإصلاح.

خيبة الأمل ستزداد عقب انتخابات 2016 حيث اعتُبرت أزمة تشكيل الحكومة و”البلوكاج”، انقلابا مماثلا لما وقع في مصر، حيث انتهت الأزمة بإعفاء بنكيران وتعيين العثماني.

ثم جاءت انتخابات 2021 بقواعد انتخابية جديدة أضعفت العدالة والتنمية، وتسبّبت بسقوط مُدَوٍّ له بعد عِقْد من قيادة الحكومة، انتهى بتولي عزيز أخنوش رئاسة حكومة أجهزت على ما تبقى من أمل في نفوس الجميع.

هذه المحطة حملت رسالة واضحة للشباب مفادها أن صناديق الاقتراع لا تُغيّر السياسات فعليا، وألا شيء يعلو على الفساد والاستبداد، ومع انهيار الإسلاميين كبديل انتخابي، وغياب يسار قوي أو أحزاب قادرة على التعبئة، وجد الشباب أنفسهم في فراغ تمثيلي، فكانت النتيجة: انتقالهم من السياسة المؤسساتية إلى الاحتجاج المباشر في الشارع، عبر وسائط التواصل.

3- فشل المؤسسات السياسية والإدارية واتساع دائرة الفساد والريع

لم تكن أزمة الإسلاميين سوى وجهٍ من وجوه خلل أوسع على مستوى المؤسسات، نتج عن تدخل السلطة المباشر في الحياة السياسية، مما جعل مكانة الأحزاب تتراجع، والنقابات تضعف، كما أصبح البرلمان أقل تأثيرا بعد انتعاش الحياة السياسية بالحضور الوازن واللافت لعبد الإله بنكيران، فنشأ عن ذلك كله اتساع دائرة الإحباط الشعبي، خصوصا في صفوف الشباب، الذي ترسّخت لديه قناعة بأن المؤسسات التقليدية غير قادرة على تمثيل مصالحهم أو الدفاع عن حقوقهم.

في ظل هذه الأجواء المفلسة أصبح الفساد من الثوابت المستمرة، حيث طغى احتكار الصفقات، وتوسعت دائرة الامتيازات، وتفاحشت الزبونية في التوظيف والترقي، وكلها شكلت عوامل غذّت الشعور بأن المغرب بلد الفرص غير العادلة.

بالنسبة للشباب العاطل أو المهمش، أصبح الفساد تفسيرا جاهزا لكل فشل: من سوء الخدمات الصحية والتعليمية إلى غلاء الأسعار وغياب الشغل، هذا الوعي الجمعي جعل محاربة الفساد من المطالب المركزية في كل موجة احتجاجية، وهو ما نراه في شعارات هذه الاحتجاجات الآنية.

4- المخططات التنموية المتعثّرة ودور الرقمنة في توحيد الغضب

أطلق المغرب منذ 2008 “مخطط المغرب الأخضر” بهدف تحديث الفلاحة وخلق فرص عمل في القرى، غير أن حصيلته أثارت جدلا واسعا: حيث اتسمت بارتفاع الإنتاج الموجه للتصدير، في حين استمرت البطالة في القرى بل تعمّقت.

والسبب في ذلك، بالإضافة إلى الفساد، هو أن الفلاحين الكبار كانوا هم المستفيد الأكبر، بينما بقي صغار الفلاحين والشباب القروي على الهامش، والأدهى هو أن المخطط شجّع زراعات مستنزفة للمياه في سياق جفاف متكرر؛ ومع الوقت، تلاشى الأمل في الفلاحة كأفق عيش للشباب القروي، فتحوّلوا إلى الهجرة أو الاحتجاج، وهكذا، انتقل الغضب من المدن إلى القرى، كما في حالة أيت بوگماز وغيرها.

وما يميز مرحلة جيل زد هو أن القرى لم تعد معزولة عن المدن، إذ الهواتف الذكية ووسائل التواصل جعلت الشباب القروي يتابع ما يجري في الدار البيضاء أو الرباط لحظة بلحظة؛ هذا القرب الرقمي وَحَّد المطالب (تعليم، صحة، شغل، ماء صالح للشرب). فلم تعد الاحتجاجات مقصورة على الأحياء الشعبية في المدن، بل صارت تشمل قُرى الأطلس وسوس والجنوب الشرقي، وبذلك اكتسب هذا الحراك طابعا وطنيا لا يزال يتسع يوما بعد يوم.

5- صدمات حديثة مكثفة ساعدت على تعميق الأزمة

إلى جانب التراكمات الطويلة التي ذكرنا جزءا منها، حدثت صدمات متتالية ساهمت في تأزيم الوضع نذكر منها بعجالة:

–  جائحة كوفيد-19: كشفت هشاشة الاقتصاد غير المهيكل وعمّقت البطالة.

– زلزال الحوز 2023: أبرز اختلالات العدالة المجالية وضعف قدرات الدولة على التدخل السريع، كما تم انكشاف حجم الفساد وسوء التدبير.

–  أحداث “طوفان الأقصى” 2023: خلقت موجة تضامن شعبي واسع مع غزة وما يجري فيها من أحداث أليمة، فتحول ذلك بسهولة إلى طاقة احتجاجية ضد السياسات الرسمية، وتقاطعت مع المطالب الاجتماعية.

كل ما سبق ذكره من أحداث جعل جيل Z يتسم بخصائص طبعت ملامح الحراك الحالي، وجعلته يختلف عن حراك 20 فبراير والحركات السابقة، ونجمل تلك الخصائص في التالي:

أ- حراك فوق-حزبي:

لا يعوّل أصحابه على الأحزاب ولا يثق في الانتخابات.

ب- حراك اجتماعي صرف:

يركز مطالبه على الصحة والتعليم والتشغيل وتوفير البنى التحتية والعدالة المجالية.

ج- حراك رقمي/لامركزي:

يعتمد في آلياته على المنصات للتعبئة، ويتحرك بسرعة وبلا قيادة هرمية.

د- حراك بدون خلفية:

لا يركن إلى الأيديولوجيا ولا إلى الفكر ولا إلى الدين، ولا يرفع مطالب حقوق الإنسان ولا يطالب بتطبيق الديمقراطية.

هذه الخصائص جعلت هذا الحراك أكثر استعصاء على الضبط التقليدي، وأكثر قدرة على الانتشار والعودة في موجات متجددة، ولن يزيدها القمع إلا قوة وتمردا.

6- على سبيل الختم

يمكن القول إن الحراك الشبابي في المغرب اليوم هو حصيلة 25 عاما من التراكمات شكلت عوامل أساسية ولّدت جيلا جديدا من الشباب لا يرى في المؤسسات القائمة وسيلة لتحقيق مطالبه، لذا يلجأ إلى الشارع عبر المنصات الرقمية دون التفكير في وسيط رسمي أو ساسي أو حزبي.

فإن لم تتم الاستجابة من خلال وضع مسار إصلاحي جاد يفتح أفق التشغيل، ويحارب الفساد، ويضمن العدالة المجالية، فإن الحراك مرشّح للتوسع والتجدد، خصوصا أن الجميع مقتنع بأن الوضع لم يعد يتعلق بأزمات ظرفية، بل بخلل بنيوي في العلاقة بين الدولة والمجتمع، كشفته الأجيال الصاعدة بجرأة غير مسبوقة.

لكن مع هذا كله، ربما صحت الأجساد بالعلل، فقد يجد النزهاء من كبار قادة الدولة في هذا الحراك فرصة للتخلص من بنية الفساد التي أفرزها انخراط المغرب في الحرب على الإرهاب، وتصفية نتائج مشاركة الحركات الإسلامية في تدبير الشأن العام، فحاجة الدولة لمن يلعب الأدوار السياسية القذرة وقتها جعل الفاسدين يكتسبون من القوة المالية والاقتصادية والسياسية والإدارية والإعلامية ما يحتاج إلى ما يشبه الانقلاب على الذات للتخلص منهم.

بنية الفساد هذه أصبحت تهدد الاستقرار حيث تجذرت في كل مناحي الحياة العامة، فأصبحت الشركات العملاقة للسياسيين الأغنياء أمثال أخنوش جزءا من السلطة يقتضي تحييدها ما يشبه الانقلاب كما قلنا، فقد يحتاج هارون الرشيد إلى التخلص من البرامكة في أقرب فرصة، حتى لا تغرق السفينة بالجميع.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
8°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة