حسبنا الله
هوية بريس – د.علي كرزازي
لأمّي وأبي اللذين ما عاد بمقدوري أن أكحّل عينيّ برؤيتهما
للطفل الشقي الذي أتحرّق شوقا لتقبيله وحضنه فلا أقوى
للأحبّة والأصدقاء الذين لم يبق لي منهم سوى أطياف أناجيها
لتباشير الربيع التي لم يقيّض لنا أن نحتفي بها كما كل موسم
للزهر الذي لم يرسل لي دعوة لحضور حفل تفتحه
لصديقي الحلاق الذي أضعت عنوانه
للأتقياء والناسكين الذين مرمرهم الحنين إلى بيوت الله
للجيوش البيضاء التي تقف صامدة عند خط النار
للتلاميذ الذين هجروا مدارسهم على مضض
لجريدتي الورقية التي التحقت بركن المختفين إلى أجل غير مسمى
لقهوتي السوداء التي أحن إليها كما يحن الصبي لحليب أمه الأبيض
للأفراح والأعراس التي غيّرت مواعيدها بقرار من “الحجر الصحي”
للدمعة التي تحجّرت في المآقي لتنعي رحيل الأحبة
لإطلالة رمضان السنية التي جاءت تمشي على استحياء
للشاشة التي تبكي من صدود المستديرة وصخب الملاعب
للقلوب الرحيمة التي أطلقت يد الجود والندى
للشيوخ الذين لاذوا بصمت الحكمة وعيونهم مرفوعة إلى السماء
للحرائر الساهرات على حدود الابتلاء كي يطعمننا من جوع
للأشاوس القابضين على جمر اللظى كي يؤمنوننا من خوف
للبقّال الذي يحرس منظومة أمننا الغذائي
للفلاح الذي يسقي الأرض عرقه فلا يبتئس
للمعلّم الذي ينير جذوة العقول ولو عن بعد
للمسحوقين الذين يستمسكون بعروة الصبر وكنز القناعة
للنفوس التقية التي تدمن أقراص الإيمان فلا تكتئب
للمساجد التي تحن لمريديها حنين الإبل إلى أوطانها
للأمل الذي يعرّش في حنايا القلوب كي يرسم بسمة لوردة الغد
أقول: حسبنا الله