حسناتُ وهبي!

01 يونيو 2024 18:20

هوية بريس – عبد الإله حمدوشي

رائع هذا الوهبي.. مبدع هذا الوزير، الذي يستحق منا كل التقدير والتنويه نظير إصراره وحماسه المنقطع النظير على خط اسمه بمداد أسود في قائمة السياسيين الذين يستعجلون النهايات التي هي قادمة لا محالة، ويتقنون فن الارتطام بالحائط.

هذا الأسبوع، بصم عبد اللطيف وهبي وزير العدل في حكومة أخنوش، على حصيلة قطاعية غير مسبوقة، وهو يغني القاموس السياسي المغربي بمصطلح “دين مو” الذي استعصى عليه دخول قبة البرلمان، حتى جاء وهبي “الفاتح” ليشنف به مسامع نواب الأمة قائلا: “أنا محامي أتصل بموكلي ولا يجيبني؟ والله دين مو ما يدخل لمكتبي”.

قد يرى البعض في هذا التعبير إسفافا وسبا وقذفا وخروجا عن قواعد اللياقة والأدب الواجبة في حضرة المؤسسة التشريعية التي يفتتح دوراتها جلالة الملك، لكنه رغم ذلك، يخفي بين طياته حسنة من حسنات كثيرة اقترفها وزيرنا المحترم طيلة فترته الوزارية، على غرار تلك التي وُظف بها مستشاره في الوزارة “المتنور” عبد الوهاب رفيقي.

ألم يقل وزيرنا عن منتقدي توظيف مستشاره الذي جاوز السن القانوني لاجتياز مباراة المنتدبين القضائيين الأخيرة ومن ثمة النجاح بها: “السيد درنا فيه حسنة.. حتى الحسنة ما خلاوناش نديروها؟”..

ألم “يفركع” وهبي بشجاعته المعهودة “الرمانة”، مؤكدا أن توظيف مستشاره “حسنة” وفِعل خير في معتقل سابق، اختار أن يركب جواد الدفاع عن كل ما يخالف قناعات المجتمع ويوافق أهواء الوزير بعدما كان سلفيا جذريا قبل أن يتحول عبر مراحل من باحث عن مواقع متقدمة داخل أحزاب سياسية إسلامية إلى راغب – في محاولة لم يكتب لها النجاح- في ولوج البرلمان على ظهر حميد شباط الأمين العام الأسبق لحزب الاستقلال، ليختم بعدها مسلسل تحوله المستمر بالارتماء في حضن الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، مستشارا له في وزارة العدل؟

صحيح أن عبد الوهاب رفيقي، المكنى بـ”أبو حفص”، له كامل الحق في أن يغير ويبدل قناعاته، ويمارس حقوقه السياسية بحرية وبالكيفية التي يريد، ويستفيد من الإدماج في المجتمع في إطار عملية ممأسسة تشمل جميع المعتقلين السابقين ووفق شروط واضحة، بما يحفظ كرامتهم ويمكنهم من ولوج سوق الشغل، دون أن يمس ذلك بمبدأ تكافؤ الفرص وقيمة المساواة التي ينص عليهما دستور المملكة. لكن ما يعاب على مستشار الوزير هو أنه قبِل الحصول على وظيفة بذات الوزارة التي يدبرها رئيسه، وبالاعتماد على رخصة استثنائية -لا تُمنح لكل من يطلبها- جعلته متباريا مرشحا للنجاح فوق العادة، خاصة وهو مستشار “مول الباش”.

حسنات وهبي كثيرة، أليس هو من مسح العمش عن أعين الذين ظنوا لوهلة أن الحزب الذي رفع المغاربة شعارات ضد قياداته بنفس الطريقة التي طالبوا فيها بمحاربة الفساد والاستبداد إبان فترة الربيع العربي قد غير عقيدته السياسية المبنية على “التحكم وإخافة المسؤولين”، حين ظهر في فيديو مصور وهو يخاطب موظفا بسيطا بنبرة حادة توحي بالتسلط: “شوف.. كانعرف عليك كلشي وكنعرف لون التقاشر اللي نتا لابس!”؟

أليس هو ذات الوهبي الذي لما سئل عن نجاح ابنه في امتحان الأهلية لولوج مهنة المحاماة الذي شابته خروقات عديدة، وأعيد إجراء نسخة ثانية منه، بعد تدخل لمؤسسة وسيط المملكة، قال وهو يطل من برج “أصحاب الشكارة” على المسحوقين في القاع الاجتماعي: “ولدي باه لاباس عليه وقريتو في الخارج بالفلوس وعندو جوج إجازات؟”.

إنه ذات الشخص الذي كلما خرجت حكومة الثامن من شتنبر للادعاء بأنها “اجتماعية وملتصقة بهموم البسطاء والفقراء”، إلا وانبرى لتوضيح الرؤية وإزالة الغبش عن أعين الناس بالتأكيد على أن الحكومة التي يشارك بها حزبه ما هي إلا حكومة “الباطرونا” وأصحاب “الشكارة” ممن يعتقدون أن أبناءهم المتمدرسين بأكبر وأهم جامعات العالم، يحق لهم الحصول على كل شيء، ومزاحمة أبناء الشعب في كل شيء ما داموا ينتمون إلى الطبقة المخملية وآباؤهم من أصحاب الحظوة والمكانة..

حكومة تلعب الغميضة مع نفسها، يرفع رئيسها شعار الحكومة الاجتماعية “الغليض”، بينما تحتكر شركاته صفقات الماء والغاز والهواء.. حكومة تمد دراهم الدعم المباشر بيد وتخنق باليد الأخرى القدرة الشرائية للمغاربة عن طريق الزيادات والأسعار المرتفعة التي لا تجد لها مبررا بالنظر إلى ما تعرفه السوق الدولية.

من حسنات وهبي أيضا، أنه ساهم في الكشف عن طبيعة السياسيين الذين ابتليت بهم مؤسساتنا المنتخبة منذ آخر انتخابات، وهو يحاول إقناع الحكومة بإخراج قانون يسمح للمدانين من أصحاب الشكارة بـ”شراء أيام السجن”. فهل كان يتوقع سقوط مليارديرات من حزبه في ورطة المتابعات بتهم “التزوير والاختلاس وتبديد أموال عمومية والاتجار بالمخدرات” أسابيع قليلة من مقترحه العجيب أم أنها محض صدفة ساهمت في كشف حقيقة؟
إن الحسنات يذهبن السيئات، وإن كانت هناك من حسنة يمكن لوهبي أن يعالج بها بعضا من أخطائه الكثيرة، هي أن يقدم استقالته من الحكومة لعله يحفظ بذلك ما بقي من ماء وجهه، قبل أن يعصف به التعديل الحكومي المرتقب، فيعيش ذات المصير الذي انتهى إليه أسلافه من رؤساء الحزب الذي ولد على حين غرة من ديمقراطيي البلد، فاجتمع فيه كل شيء إلا الديمقراطيون…

ودون ذلك، فإن إقالة من “سب الدين” في إطار التعديل الحكومي واجبة، حرصا على حرمة المؤسسات ومنعا لتقليد سياسي ولسنة سيئة سيتحمل وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

ليبقى السؤال مطروحا: هل بات أعضاء الحكومة بعد حادثة “دين مو” في حاجة إلى مدونة أخلاقيات على غرار تلك التي تجري صياغتها للبرلمانيين؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M