حسن الظن بالله عز وجل
هوية بريس – ذة. ليلى قشمار
الحمد لله على تقديره، وحسن ما صرف من أموره…
الحمد لله بحسن صنعه شكرا على إعطائه ومنعه…
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الخلق ونبي الحق، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
يا عالم السر منا لا تهتك الستر عنا
وعافنا واعف عنا وكن لنا حيث كنا.
نعيش هذه الأيام ابتلاء من ابتلاءات الله، وآية من آياته. ابتلاء اجتمع فيه أهل الأرض جميعا بمختلف أعراقهم وأجناسهم وألوانهم وألسنتهم وأديانهم. والابتلاء سنة الله في خلقه، قال تعالى :”وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً“. فالدنيا دار ابتلاء.. لا دار استواء.
نعيش ابتلاء في طياته الرحمة، فالله عز وجل رحيم بعباده، خلقنا بالرحمة ورزقنا بالرحمة وأرسل إلينا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى :” وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ “ وقال أيضا : “لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” فهو سبحانه ليس دائما يبتلي ليعذب، ولكن قد يبتلي ليهذب.
نعيش هذه الأيام ابتلاء ربانيا ودرسا إلاهيا، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
نعيش خلوة مع الله، نجمع فيها شتات قلوبنا وأرواحنا قبل فوات الأوان.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا للعرض الأكبر). فمن رضي فله الرضا وقد نفذ أمر الله.
نعيش ابتلاء وعشنا حجرا صحيا فتح أبصارنا وبصائرنا على نعم كثيرة نسينا شكرها.
نعيش هذه الأيام بين عبادة الصبر والشكر، فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
ومن هنا كان لزاما علينا إحياء عبادة قلبية عظيمة، تعطينا الأمل والراحة والسكينة…في زمن القلق، ألا وهي عبادة: حسن الظن بالله.
قال تعالى في الحديث القدسي : “أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظُنَّ بي ما شاء“.
وحسن الظن هو توقع الجميل من الله تعالى. وأنه من أحسن ظنه بالله أتاه إياه.. إن خيرا فله وإن شرا فله.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : (والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خير من حسن الظن بالله عز وجل)
وينبغي للمؤمن أن يحسن ظنه بالله في كل موطن وحال، فإنما نحن بالله، ولا حول لنا ولا قوة إلا به. ومن أشقى ممن وكله الله إلى نفسه؟ وأي هلاك ينتظره؟
عن سهيل القطعي، قال : رأيت مالك ابن دينار رحمه الله في منامي، فقلت يا أبا يحيى ما قدمت به على ربك؟ قال : قدمت بذنوب كثيرة، فمحاها عني حسن الظن بالله.
وحسن الظن بالله من حسن العبادة، ويظهر في مواطن عديدة ، نذكر منها :
- عند الشدائد والكرب، وعند ضيق العيش والابتلاءات.
فمن أيقن بفرج الله، وصبر وثبت وأخذ بالأسباب ودعا الله تعالى، أزالها عنه.
- عند الدعاء. قال (صلى الله عليه وسلم) : “أدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ”…فعظم الرغبة فيما عند الله يعطيك إياه .
- عند التوبة : قال تعالى : “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ“.و الله تعالى يفرح بتوبة و أوبة العبد و يحب التوابين و يحب المتطهرين.
قال سبحانه في الحديث القدسي:(يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي).
- عند الموت :قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) عن أنس ابن مالك (رضي الله عنه) أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل على شابٍّ وهو في الموتِ، فقال كيف تجِدُك؟ قال أرجو اللهَ وأخافُ ذنوبي، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : لا يجتمعان في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطنِ إلَّا أعطاه اللهُ ما يرجوه وأمَّنه ممَّا يخافُ.
فرحمته سبحانه سبقت غضبه وهو أرحم بنا من الأم بولدها. وهذا الابتلاء في طياته الرحمة، علمها من علمها، و جهلها من جهلها .. قال تعالى : (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا).
و حسن الظن الذي نؤجر عليه هو الذي يحمل على فعل الصالحات وترك المنكرات.
قال ابن القيم رحمه الله : “وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأنَّ حسن الظن إن حمَل على العمل وحث عليه وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاءً ورجاؤه بطالةً وتفريطاً فهو المغرور”.
فاللهم أملء قلوبنا بحسن الظن بك وأنزل علينا الطمأنينة والسكينة والرضا بما جرت به المقادير.
نظن بك يا ربنا يا خالقنا فرجا ورحمة وحفظا ونصرا. ففرج عنا برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.