حضور “علماء المجالس العلمية” لمشاركة اليهود في أعيادهم أمر منكر شنيع

هوية بريس – الشيخ الحسن بن علي الكتاني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن ما يفعله “علماء” المجالس العلمية ومشايخ الطرق الصوفية من مشاركة اليهود في أعيادهم المبتدعة أو المنسوخة لهو أمر منكر شنيع، وفيه تلبيس على المسلمين وتدمير لعقائدهم المقررة منذ فجر الإسلام.
وقد وردت نصوص عديدة تستنكر هذا الفعل، فقد وصف الله عباد الرحمن المؤمنين في آخر سورة الفرقان، فقال من جملة الآيات: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) [الفرقان:72]. فنقل العلماء والمفسرون كما في “الدر المنثور”، عن بعض التابعين- مجاهد والضحاك وعكرمة وغيرهم أن ذلك أعياد المشركين، أي: لا يحضرون أعياد المشركين.
وقد نهى الشرع عن الجلوس في مجالس الكفر والعصيان دون إنكار على أهلها؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء:140]؛ يعني: وقد نزل عليكم أنكم إن جالستم من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها وأنتم تسمعون، فأنتم مثله؛ يعني: فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال، مثلُهم في فعلهم؛ لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آياتِ الله يكفر بها ويُستهزأ بها، كما عصوه باستهزائهم بآيات الله. فقد أتيتم من معصية الله نحو الذي أتَوْه منها، فأنتم إذًا مثلهم في ركوبكم معصية الله، وإتيانكم ما نهاكم الله عنه، وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع، من المبتدعة والفسَقة، عند خوضهم في باطلهم، وبنحو ذلك كان جماعة من الأئمة الماضين يقولون، تأوُّلًا منهم هذه الآية أنه مرادٌ بها النهي عن مشاهدة كل باطل عند خوض أهله فيه، كما قال الإمام القرطبي في تفسيره (تفسير الطبري 9/ 320، مؤسسة الرسالة، طبعة سنة 1420هـ).
أما من السنة فالأحاديث في ذلك كثيرة، منها: حديث أنس رضي الله عنه قال: {قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما -كعادة الأمم (الروم والفرس) كل أمةٍ لها أعياد، فكان للعرب في الجاهلية يومان يلعب فيهما أهل المدينة- فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هذان اليومان؟
فقالوا: كنا نعلب فيهما في الجاهلية، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر} وهذا حديث رواه أبو داود، وقال ابن تيمية: إن إسناده على شرط مسلم.
ومن الأدلة: حديث ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينحر إبلاً بـبوانة- فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية؟
قال: لا. قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟
قال: لا، قال: فأوفِ بنذرك، فإنه لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم). أخرجه أبو داود (3313) واللفظ له، صححه ابن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (493)، وابنُ الملقن في ((البدر المنير)) (9/518).
إذاً: وجود عيد من أعياد الجاهلية في هذا المكان مانع قوي، يجعلك لا تفعل، ولو نذرت، فكيف لو تطوع أحد، وذهب إلى بقعة من البقاع التي فيها أعياد المشركين، فهذا يكون بلا ريب حراماً، والحديث يدل على ذلك أشد مما يدل على دلالته في عدم الوفاء بالنذر.
ولذلك يقول جلال الدين السيوطي: “النهي عن التشبه بالكافرين: ومن ذلك أعياد اليهود أو غيرهم من الكافرين … لا ينبغي للمسلم أن يتشبه بهم في شيء من ذلك، ولا يوافقهم عليه، قال الله تعالى لنبيه محمد ﷺ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾”.
إلى أن يقول رحمه الله: “وقد شرط عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يظهروا أعيادهم في بلاد المسلمين، فإذا كانوا ممنوعين من إظهار أعيادهم في بلادنا فكيف يسع المسلم فعلها؟! هذا مما يقوي طمعهم وقلوبهم في إظهارها، وإنما منعوا من ذلك لما فيه من الفساد، إما لأنه معصية وإما لأنه شعار الكفر،والمسلم ممنوع من ذلك كله”.
إلى أن يقول: “واعلم أنه لم يكن على عهد السلف السابقين من المسلمين من يشاركهم في شيء من ذلك، فالمؤمن حقا هو السالك طريق السلف الصالحين، المقتفي لآثار نبيه سيد المرسلين، المقتدي بمن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه إنه جواد كريم”.
ونصوص أئمة المذهب شديدة في مجرد التقرب إليهم فضلا عن الحضور معهم. وقد كان أئمة المغرب بالخصوص صارمين في هذا الأمر، ومن طالع كتاب الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي (790 ه)، “مصباح الأرواح وأصول الفلاح” لهاله كلامه، وكذلك ما نقله عنه وعن غيره الإمام جعفر بن إدريس الكتاني (1323ه) في “الدواهي المدهية للفرق المحمية”.
فمن ذلك ما أخرجه عبد الرزاق (1/ 411) وابن أبي شيبة (6/ 208) والبيهقي (9/ 234) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إياكم ورطانة الأعاجم وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم”, قال الشيخ الإمام ابن القيم في أحكام أهل الذمة (3/ 1246) بعد عزوه للبيهقي: ” بإسناد صحيح “.
وأخرَج عبد الرزاق الصَّنعاني في “مُصنَّفه” (1609)، والبَيهقي في “السُّنن الكبرى” (18861)، واللفظ له، عن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: ((لَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ, فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ)), وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد يعرض لعقوبة ذلك وأشد؟؟
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: (مَنْ بَنَى بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ، وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ، حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). أخرجه البيهقي في “الكبرى” برقم (18863)، وصححه ابن تيمية.، وهذا ترهيب شديد ترتعد له فرائص المؤمنين.
وروى بإسناده عن البخاري صاحب الصحيح قال قال لي ابن أبي مريم أنبأنا نافع بن يزيد سمع سليمان بن أبي زينب وعمرو بن الحارث سمع سعيد ابن سلمة سمع أباه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “اجتنبوا أعداء الله في عيدهم”، وقوله اجتنبوا أعداء الله في عيدهم نهي عن لقائهم والاجتماع بهم فيه فكيف بمن عمل عيدهم؟؟؟
وقال أبو عبد الله محمد العبدري الفاسي المالكي المعروف بابن الحاج أحد جهابذة الصوفية المتوفى سنة 737 هجرية فى كتابه المدخل، الجزء الثاني، ص:46-48 ما نصه (فصل فى ذكر بعض مواسم أهل الكتاب فهذا بعض الكلام على المواسم التى ينسبونها إلى الشرع وليست منه وبقي الكلام على المواسم التى اعتادها أكثرهم وهم يعلمون أنها مواسم مختصة بأهل الكتاب فتشبه بعض أهل الوقت بهم فيها وشاركوهم فى تعظيمها، وليس ذلك فى العامة خصوصاً، ولكنك ترى بعض من ينتسب إلى العلم يفعل ذلك فى بيته ويعينهم عليه ويعجبه منهم ويدخل السرور على من عنده فى البيت من كبير وصغير بتوسعة النفقة والكسوة على زعمه، بل زاد بعضهم أنهم يهادون بعض أهل الكتاب فى مواسمهم ويرسلون إليهم ما يحتاجونه لمواسمهم فيستعينون بذلك على زيادة كفرهم ويرسل بعضهم الخرفان وبعضهم البطيخ الأخضر وبعضهم البلح غير ذلك مما يكون فى وقتهم وقد يجمع ذلك أكثرهم، وهذا كله مخالف للشرع الشريف).
(ومن مختصر الواضحة سئل ابن القاسم عن الركوب فى السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم لكفرهم الذى اجتمعوا عليه، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم لا لحماً ولا إداماً ولا ثوباً ولايعارون دابة ولا يعانون على شئ من دينهم، لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره، لم أعلم أحداً اختلف فى ذلك).
ويمنع التشبه بهم كما تقدم لما ورد في الحديث { من تشبه بقوم فهو منهم } ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به . وقد كان عليه الصلاة والسلام يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود إن محمدا يريد أن لا يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه . وقد جمع هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانا إذ أنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم , أو هما معا كان ذلك سببا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق وكثر هذا بينهم . أعني المهاداة حتى إن بعض أهل الكتاب ليهادون ببعض ما يفعلونه في مواسمهم لبعض من له رياسة من المسلمين فيقبلون ذلك منهم ويشكرونهم ويكافئونهم . وأكثر أهل الكتاب يغتبطون بدينهم ويسرون عند قبول المسلم ذلك منهم ; لأنهم أهل صور وزخارف فيظنون أن أرباب الرياسة في الدنيا من المسلمين هم أهل العلم والفضل والمشار إليهم في الدين وتعدى هذا السم لعامة المسلمين فسرى فيهم فعظموا مواسم أهل الكتاب وتكلفوا فيها النفقة..)، “المدخل” للعلامة ابن الحاج المالكي (2/46).
قال الحافظ الذهبي: “فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، مُختصين بذلك، فلا يُشارِكهم فيه مسلم، كما لا يُشارِكهم في شِرْعتهم ولا في قِبلتهم” (تشبه الخسيس: [27]).
وقد أجمع الصحابة -والأئمة مِن بعدهم- على تحريم المشاركة في أعياد الكفار وتهنئتهم بها؛ وكان اليهود في المدينة وخيبر، ولم يُنْقِل عن أحدٍ مِن الصحابة مشاركتهم في أعيادهم أو تهنئتهم بها.
وجاء في شروط عمر رضي الله عنه، التي اتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم “أن أهل الذمة لا يخرجون صليباً ولا كتاباً في أسواق المسلمين ولا يظهرون أعيادهم، وذكر منها الباعوث والشعانين، ولا يظهرون النيران في أسواق المسلمين…”، “السنن الكبرى” للبيهقي، كتاب الجزية، باب الإمام يكتب كتاب الصلح على الجزية (9/202).
ولقد نقل الاتفاق شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: “فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها، مظهراً لها؟ . اقتضاء الصراط المستقيم (1/454).
وقال ابن النحاس: “واعلم أن أقبح البدع وأشنعها موافقة المسلمين للنصارى في أعيادهم بالتشبه بهم في مأكلهم وأفعالهم والهدية إليهم وقبول ما يهدونه من مأكلهم في أعيادهم، وقد عاني هذه البدعة أهل بلاد مصر، وفي ذلك من الوهن في الدين، وتكثير سواد النصارى والتشبه بهم ما لا يخفى.
وقد تكون المهاداة في الأعياد سبباً للتآلف بينهم وبين من يهدون إليه من المسلمين وتربية المودة والمحبة، وقد قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
فالواجب على كل قادر أن ينكر على أهل الذمة التظاهر بأعيادهم ومواسمهم، ويمنع من أراد من المسلمين التشبه بهم في شيء من أفعالهم ومأكلهم وملابسهم ومخالطتهم فيها، ومن يضلل الله فلا هادي له، وهو على كل شيء قدير. “تنبيه الغافلين” لابن النحاس (307ـ310).
فإذا كان هذا موقف علمائنا وأئمتنا من مشاركة أهل الذمة الذين لا يؤذوننا فكيف بمن يعلنون محاربتنا ويقتلون إخواننا ويهتكون حرمة مقدساتنا، والعالم كله هائج ضد تلكم العصابة المجرمة، ثم يجتمعون ليدعوا لجنودهم بالنصر علينا ومشايخنا وصوفيتنا يحضرون معهم هذا اللقاء الخطير.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحمد لله وصلى الله على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
كتبه الحسن بن علي بن محمد المنتصر بالله الكتاني. ليلة 1 ربيع الآخر سنة 1447هـ.



