حقوق المرأة بين التشريع الإسلامي والتشريع الأممي المعاصر..
ذ. حمّاد القباج
هوية بريس – الثلاثاء 02 فبراير 2016
تناولت جانبا من هذا الموضوع في الحوار الإسلامي العلماني الذي شاركت فيه هذه الأيام هنا في الدار البيضاء..
وقد عرّفت في بعض مداخلاتي بوثيقة هامة نادرة أحتفظ بها في مكتبتي الخاصة؛
وأصلها: محاضرة مطولة كان الفقيه العلامة محمد المهدي الحجوي رحمه الله[1] قد ألقاها سنة 1938 على أمواج الإذاعة،
ثم طبعها سنة 1967 في كتاب لتبقى شاهدة على سبق التشريع الإسلامي الحقوقي في مجال حقوق المرأة؛ مؤكدة بأن تشريع الخالق سبحانه لا يمكن أن يقصر عن الوفاء بمصالح الناس وما يضمن حقوقهم..
وَمِن نفاسة هذا الكتاب أن مؤلفه ناقش الموضوع من زاوية حقوقية متقدمة؛ وهذا يدل على حضور الخطاب الحقوقي المعاصر عند فقهاء الإسلام في وقت مبكر من القرن العشرين، كما يدل على ما يفترض في الفقيه من تكييف معارفه الشرعية مع كل ما يستجد من علوم ومعارف نافعة، تجعله مواكبا لحركة التطور البشري، بل متقدما صفوفها بعلمه الشرعي الذي يرشدها ويدعو إلى حسن استثمارها..
وفي هذا الصدد يقول المؤلف: “موضوع المرأة قد أصبح -مع طرافته- من أخطر موضوعات البحث وأخصب المناهج الكتابية التي تناولتها أقلام الكتاب وعالجتها آراء المفكرين في هذا العصر..
ولكن جل الأبحاث التي احتفت بهذا الموضوع لم تدر إلا حول تفكير فلسفي أو نظر اجتماعي بحث.
أما معاناة الموضوع التشريعي فلم تفز في هذه الحملة القلمية بصفقة رابحة؛
ونحن هنا سنلم بهذا البحث من هذه الوجهة الحقوقية“ اهـ.
ومن نفاسة هذا الكتاب؛ أنه أُلُّف في ذلك الوقت المبكر الذي لم تصل فيه بعد البشرية إلى صياغة وثيقة حقوقية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر عام 1948، وأول مؤتمر أممي عقد في موضوع حقوق المرأة كان سنة 1975).
ومن نفاسته أنه جعله بحثا مقارنا بين الشريعة الإسلامية والقانون الفرنسي الذي كان معتمدا في ذلك الوقت..!
وقد بين أن مصادره فيه هي: “المصادر الفقهية في مختلف المذاهب، وكتب الحديث والتفسير، وكتب الخلافيات، وكتب السير والتاريخ، ثم كتب القوانين المتداولة ومجلات الحقوق السيارة“.
لقد سبق لي أن قرأت الكتاب مع كتب أخرى شكلت مراجع مؤلفي المطبوع سنة 2006 بمصر تحت عنوان: “منزلة المرأة في الإسلام وكشف الشبهات”..
لكن استغراقي في عدد كبير من المراجع؛ جعلني أقصر في إدراك قيمة هذا الكتاب؛ حتى أعدت اكتشافه بمناسبة انعقاد هذا الفضاء الحواري..
وقد كان التعريف بالكتاب -بحمد الله- مقنعا بأن التشريع الإسلامي ضمن حقوق المرأة حقا وصدقا،
وظهر أنها حقيقة بُرهانية وليست مجرد عاطفة حب تعمي وتصم!
وهو ما حمل إحدى السيدات من الحركة النسائية التقدمية على التصريح بقولها أمام الحاضرين:
“لم أكن أتصور أن الإسلام ضمن حقوق المرأة بهذا الشكل المفصل الذي سمعت، وإذا كان الأمر كما سمعت فلا أرى مانعا من النضال من أجل حقوق المرأة انطلاقا من الإسلام”.
إن نفاسة الكتاب جعلت شيخ الأزهر آنذاك العلامة مصطفى عبد الرازق (ت 1947) يقرظه بالكلمة التالية:
“الحمد لله صاحب السعادة والفضيلة الأستاذ سيدي محمد المهدي الحجوي لقد قرأت رسالتكم القيمة: “المرأة بين الشرع والقانون” فوجدتها فريدة في هذا الباب، تستحق كل إعجاب. وقد جمعتم فيها جمع تحقيق ما تفرق في هذا الموضوع. وأول جامع لأشتاته. والمرأة المسلمة ممنونة لكم حيث أنكم أول من قدم لها بيان حقوقها وواجباتها بين دفتي رسالة. بارك الله فيكم وأكثر من أمثالكم في هذا العالم الإسلامي المفتقر لأضرابكم وحياكم وبياكم وأرجوا أن تخرجوا هذا البحث للناس بعرضه للطبع، ليعم به النفع. والسلام
مكة المكرمة في 6 ذي الحجة الحرام عام 1365
كتبه: مصطفى عبد الرازق”.
بعد ذلك العرض تواصل معي بعض الفضلاء ورغبوا إلي في أن تطبع مؤسساتهم هذا الكتاب الذي طاله الإهمال وطال به الانتظار في رف الكتب النادرة؛ مع أنه من الدرر التي لا يصح أن يحرم من جمالها المهتمون بقضية المرأة؛ لا سيما الذين لم يرتابوا في كمال التشريع الإسلامي الذي ظن البعض أنه قصر عن توفية المقام حقه ومستحقه ..
وفي انتظار التشرف بتلبية طلبهم الذي أعدهم أن يكون قريبا بحول الله؛ فإني أعجل لقرائي الكرام بنتف من الكتاب المذكور، ودرر مما حواه ذلك السفر المبارك المبرور:
قال العلامة المصلح الفقيه محمد المهدي الحجوي في (ص:13):
“من تتبع قضايا التاريخ وسبر غور مدنيات الأمم تبين له أن تسوية المرأة بالرجل وفتح باب لحقوقها في قائمة أبواب التشريع أمر جاء به الإسلام جديدا في تاريخ المدنيات، وكان به قدوة لمن شاء أن يقتدي به من الأمم بعد من الشرق والغرب“.
وقال (في ص:33):
“لم يفرق الشرع بين المرأة والرجل في الحق السياسي؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتصب للبيعة مد يده للرجل والمرأة على السواء؛ وفي ذلك تأسيس حقها في البيعة وما يقاس عليها اليوم من الانتخاب …
ولا بأس عند ذلك أن تكون ناخبة ومنتخبة؛ حيث أن الحالة الأولى مقررة بالشرع، وحيث أن الثانية هي مما يقتضي من المرأة أن تشارك في حقوق التشريع في البلاد، أو أن تقوم ببعض مهام الشؤون العامة“.
وقال في (ص:35):
“ولا مانع للمرأة من الطب والهندسة والتدريس ونشر العلم … لوقوع جل من ذلك من النساء في الصدر الأول من الإسلام وبعده، ووقوع الإجماع السكوتي عليه ..
أما الوظائف الحكومية فلم يتفق الفقهاء في استثنائهم من ذلك إلا على الإمامة الكبرى لوقوع الإجماع على اشتراط الذكورة فيها“.
وفي (ص:71) قال:
“المساواة حق شرعي للمرأة أسسه لها الإسلام، وإنما أهملته في فترات من تاريخها لكون الرجل غلبها على ذلك وللداعي الغريزي في الإنسان القوي لاغتصاب حق الضعيف..، ثم إن هناك فترة من تاريخ المسلمين منع فيها حتى الرجال من ممارسة حقوقهم السياسية فأحرى النساء“.
وقال في (ص:83):
“أما كون المرأة تكون مختارة من قبل المجلس لأن تكون وزيرا أو مكلفة بمهمة عامة فهذا لا مانع فيه، ولا يمكن منعها إلا بنص يخصص ما جعل لها من منع الجواز في تصرفاتها وممارسة حقوقها، والإجماع يستثني في حقها الإمامة العظمى فقط؛ فهو إذن يبيح لها ما سوى ذلك، والاستثناء معيار العموم.
وإذا عمدنا إلى التحليل والتحريم بشهواتنا كنا ممن قال فيهم تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116].
والأصح أن الأمور على الإباحة حتى يثبت العكس، وهو الأصل في عموم الأشياء إلا ما استثني؛ وهو معروف محدود في محله وليس هذا منه، وتلك هي البراءة الأصلية عند الجمهور..
والأدلة كلها في الكتب والسنة والإجماع والقياس مع المرأة في حقها من الوظائف إلا الإمامة العظمى“ اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] هو محمد المهدي بن محمد الحجوي (1321-1388هـ)، (1903-1968م).
ولد في مدينة فاس، وتوفي فيها.
عاش في المغرب، وسافر إلى الجزائر وبعض الدول الأوربية.
حفظ القرآن الكريم، وتعلم الكتابة وبعض مبادئ العلوم على يد والده العالم محمد الحجوي، وعلى بعض أساتذة كان يختارهم له والده.
درس في «القرويين» ونهل من عطاء علمائها علوم العربية والمعارف الإسلامية.
التحق بمدرسة الأعيان بمدينته فاس، وبها تعلم الفرنسية، ثم التحق بالمدرسة العليا للترجمة.
عمل بوظائف في السلك المخزني، منها اشتغاله في المحكمة العليا، حيث كان مستشارًا بغرفة الجنايات، كما كان باشا لمدينة وجدة.