حكم تصحيح المتأخرين للحديث وتضعيفه
هوية بريس – د.عبد العزيز خُمسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد، فهذا بحث في علم الحديث، أناقش فيه قضية في غاية الأهمية، وهي تصحيح الحديث وتضعيفه في الأزمنة المتأخرة، لمن جمع شروط ذلك من حفظ وعلم واسع بالطرق والرواة، وما قد يقدح في الأسانيد من العلل.
وأول من أشار إلى حكم هذه المسألة، حسب علمي، هو الإمام ابن الصلاح(643هـ)، حيث قال رحمه الله:”إذا وجدنا فيما يُروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثاً صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فإنَّا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته، فقد تعذَّر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد”[1].
ثم عَلَّل هذا الحكم بقوله:”لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عَرِيّاً عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان. فآل الأمر إذاً في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتدة المشهورة التي يؤمن فيها- لشهرتها- من التغيير والتحريف. وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجاً عن ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خُصَّتْ بها هذه الأمة، زادها الله تعالى شرفا، آمين”[2].
ولي مع كلام الإمام ابن الصلاح وقفات:
الأولى: أحسب أن كلامه رحمه الله مرتبط بسياق علمي خاص جدا، وهو الإنكار على فئة من طلاب العلم في زمانه الذين ضعفت هممهم، وتساهلوا في طلب العلم، فأراد الإمام ابن الصلاح أن يحول بينههم وبين تصحيح الحديث وتضعيفه. وكلامه هذا ليس بدعا من القول، فقد سبقه بعض العلماء، لكنهم اكتفوا فقط بوصف ما عليه أهل العلم وطلابه، من ضعف الهمم كعدم الرحلة في الطلب، وما يتبع ذلك من التساهل في السماع من المشايخ، ولو كانوا ضعافا، وكذا الاعتماد على ما دُوِّن في الكتب، دون علم بصحيح حديثها من ضعيفه[3].
فانظر للإمام الذهبي(ت748هـ) رحمه الله، حين يصف ما آل إليه حال العلم في زمانه فيقول:”دعنا من هذا كله. فليس طلب الحديث اليوم على الوضع المتعارف من حيز طلب العلم، بل اصطلاح وطلب أسانيد عالية، وأخذ عن شيخ لا يعي، وتسميع لطفل يلعب ولا يفهم، أو لرضيع يبكي، أو لفقيه يتحدث مع حدث، أو آخر ينسخ. وفاضلهم مشغول عن الحديث بكتابة الأسماء أو بالنعاس، والقارىء إن كان له مشاركة فليس عنده من الفضيلة أكثر من قراءة ما في الجزء، سواء تصحف عليه الاسم، أو اختبط المتن، أو كان من الموضوعات. فالعلم عن هؤلاء بمعزل، والعمل لا أكاد أراه، بل أرى أمورا سيئة. نسأل الله العفو”[4]… نسأل الله العفو.
وهذا الكلام من الإمام الذهبي إنما قاله في زمن هو بالنسبة لمن تأخر عنه قد يعتبر مبالغة منه رحمه الله، ولكن هذا شأن العلماء العاملين… واذكرك بمقالة أم المؤمنين، وما أحسبك ناسيا، حينما تمثـلت بقول لبيد:
ذهب الذين يُعَاشُ في أكنافهم وبقيت في خَلْفٍ كجلد الأَجْرَبِ[5]
أمَا إنه لو صار الأمر إلى المنتسبين إلى العلم في هذا العصر، لكان مثل زمان الإمام الذهبي غاية تذهب دونها المهج. فإذا كان هذا حال العلم عند هؤلاء الأماجد، لم يبعد أن يبحثوا مسألة تصحيح الحديث وتضعيفه عند المتأخرين، فأحسب أن هذا هو سياق كلام الإمام ابن الصلاح رحمه الله. وأنه لم يمنع التصحيح والتضعيف مطلقا.
ثم وجدت، بفضل الله ومَنِّه، وأنا أراجع نصوص هذه المقالة، أن الإمام السخاوي رحمه الله(902هـ)، نحا هذا المنحى، فقال ما نصه:”ولعل ابن الصلاح اختار حسم المادة لئلا يتطرّق إليه بعض المتشبهين ممن يزاحم في الوثوب على الكتب التي لا يهتدى للكشف منها، والوظائف التي لا تبرأ ذمته بمباشرتها.
وَللحَديثِ رِجَالٌ يُعْرفُونَ بِهِ وَللدواوينِ كتـــابٌ وحســـابُ”[6]
ومما يؤكد صحة ما ظننته، أن الإمام ابن الصلاح نفسه، وهذه هي:
الثانية: قد صحَّح وضعَّف، من ذلك أنه سئل رحمه الله عن صحة حديث:”إن جهنم لتسعر من الحول إلى الحول لصوام رجب”، فقال:”وأما الحديث في تسعير جهنم لصوامه فغير صحيح، ولا تحل روايته”[7].
ومن ذلك أيضا ما حكاه عنه الحافظ ابن حجر، بعد حديث ابن عباس:”أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن”. قال:”قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط: هذا الحديث لا يصح ولا يعرف”[8].
الثالثة: ومع ما مضى، فإن الذين جاؤوا من بعده لم يتركوا كلامه هملا، فالحافظ جلال الدين السيوطي(911هـ) ألّف رسالة في هذا الباب أسماها:”التنقيح في مسألة التصحيح” وقد سلك فيها مسلكين لقبول كلام الإمام ابن الصلاح، الأول: أنه قيده فقال:”الأحوط في مثل ذلك أن يعبر عنه بتصحيح الإسناد ولا يطلق التصحيح لاحتمال علة للحديث خفيت عليه، وقد رأيت من يعبر خشية من ذلك بقوله صحيح إن شاء الله”[9].
ثم قال:”وكثيرا ما يكون الحديث ضعيفا أو واهيا والإسناد صحيح مركب عليه، فقد روى ابن عساكر في تاريخه من طريق علي بن فارس ثنا مكي بن بندار ثنا الحسن بن عبد الواحد القزويني، ثنا هشام بن عمار ثنا مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا:(خلق الله الورد الأحمر من عرق جبريل ليلة المعراج، و خلق الورد الأبيض من عرقي، و خلق الورد الأصفر من عرق البراق)[10] قال ابن عساكر: هذا حديث موضوع، وضعه من لا علم له، وركبه على هذا الإسناد الصحيح”[11].
والمسلك الثاني للسيوطي رحمه الله أنه جعل كلام الإمام الصلاح خاصا بتصحيح الحديث لذاته، ونص كلامه:”التحقيق عندي أنه لا اعتراض على ابن الصلاح ولا مخالفة بينه وبين من صحح في عصره أو بعده، وتقرير ذلك أن الصحيح قسمان: صحيح لذاته، وصحيح لغيره، كما هو مقرر في كتاب ابن الصلاح وغيره، والذي منعه ابن الصلاح إنما هو القسم الأول دون الثاني كما تعطيه عبارته.
وذلك أن يوجد في جزء من الأجزاء حديث بسند واحد من طريق واحد لم تتعدد طرقه، ويكون ظاهر الإسناد الصحة لاتصاله وثقة رجاله فيريد الإنسان أن يحكم لهذا الحديث بالصحة لذاته بمجرد هذا الظاهر، ولم يوجد لأحد من أئمة الحديث الحكم عليه بالصحة، فهذا ممنوع قطعا لأن مجرد ذلك لا يكتفي به في الحكم بالصحة، بل لا بد من فقد الشذوذ ونفي العلة، والوقوف على ذلك الآن متعسر بل متعذر لأن الإطلاع على العلل الخفية إنما كان للأئمة المتقدمين لقرب أعصارهم من عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الواحد منهم من تكون شيوخه من التابعين أو أتباع التابعين أو الطبقة الرابعة، فكان الوقوف على العلل إذ ذاك متيسر للحافظ العارف، وأما الأزمان المتأخرة فقد طالت فيها الأسانيد، فتعذر الوقوف على العلل إلا بالنقل من الكتب المصنفة في العلل، فإذا وجد الإنسان في جزء من الأجزاء حديثا بسند واحد ظاهره الصحة لاتصاله وثقة رجاله لم يمكنه الحكم عليه بالصحة لذاته، لاحتمال أن يكون له علة خفية لم نطلع عليها لتعذر العلم بالعلل في هذه الأزمان.
وأما القسم الثاني: فهذا لا يمنعه ابن الصلاح ولا غيره، وعليه يحمل صنع من كان في عصره ومن جاء بعده، فإني استقريت ما صححه هؤلاء فوجدته من قسم الصحيح لغيره لا لذاته”[12].
وعقب الدكتور نور الدين عتر على بحث الحافظ السيوطي بقوله:”وهذا تحقيق جيد من السيوطي يحقق الاحتياط للسنة، والإفادة من كنوز مصادرها العظيمة، وقد تحمل السيوطي عهدة الاستقراء الذي ذكره وهو إمام حافظ ثقة”[13].
وإنما ذكرت مسلكَي الحافظ السيوطي من باب الإحاطة بالموضوع، حتى لا يستدرك علَي، وأسقطت الضعيف من الأقوال، التي لم يرفع لها العلماء راية؛ لأن المخالفين لابن الصلاح رحمه الله هم الأكثر، كما قال الحافظ ابن حجر(852هـ):”قد اعترض على ابن الصلاح كل من اختصر كلامه، وكلهم دفع في صدر كلامه…”[14]. وقال الإمام السيوطي)911هـ):”… وكلُّ من جاء بَعْده من الحُفَّاظ إلى الحافظ ابن حَجَر فاعترضوا على ابن الصلاح في مقالته، وجَوَّزوا التصحيح ، وأنَّه لا ينقطع ذلك ولا يَمتنع مِمَّنْ له أهليَّةُ ذلك”[15]، وممن اعترض عليه، أيضا:
أولا: الإمام محيي الدين النووي )676هـ):”حيث قال:”الأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته”[16].
ثانيا: الحافظ العراقي(806هـ) حيث نقل كلام الإمام النووي على سبيل التأييد، ثم قال:”وما رجحه النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن نقدمهم فيها تصحيحا[17] فمن المعاصرين لابن الصلاح أبو الحسن على بن محمد بن عبد الملك بن القطان صاحب كتاب (بيان الوهم والإيهام) وقد صحح في كتابه المذكور عدة أحاديث منها حديث ابن عمر:(أنه كان يتوضأ و نعلاه في رجليه ويمسح عليهما و يقول كذلك كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل) أخرجه أبو بكر البزار فى مسنده وقال ابن القطان إنه حديث صحيح. ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:(كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة) رواه هكذا قاسم بن أصبغ وصححه ابن القطان فقال (وهو كما ترى صحيح) وتوفي ابن القطان هذا هو على قضاء سجلماسة من المغرب سنة ثمان وعشرين وستمائة ذكره ابن الأبار في التكملة.
وممن صحح أيضا من المعاصرين له الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي فجمع كتابا سماه (المختارة) التزم فيه الصحة وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها فيما أعلم. وتوفى الضياء المقدسي في السنة التي مات فيها ابن الصلاح سنة ثلاث وأربعين وستماية. وصحح الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى المنذري حديثا في جزء له جمع فيه ما ورد فيه (غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) وتوفي الزكي عبد العظيم سنة ست وخمسين وستماية.
ثم صححت الطبقة التي تلي هذه أيضا فصحح الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي حديث جابر مرفوعا (ماء زمزم لما شرب له) في جزء جمعه في ذلك أورده من رواية عبد الرحمن بن أبى الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر. ومن هذه الطريق رواه البيهقي في (شعب الإيمان). وإنما المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن ابن المنكدر كما رواه ابن ماجه[18] وضعفه النووي وغيره من هذا الوجه. وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر.
ثم صححت الطبقة التي تلي هذه وهم شيوخنا فصحح الشيخ تقي الدين السبكي حديث ابن عمر في الزيارة في تصنيفه المشهور كما أخبرنى به. ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم إلا أن منهم من لا يقبل ذاك منهم وكذا كان المتقدمون ربما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه”[19].
ومن أمثلة تضعيف النووي رحمه الله ما قاله عقب حديث ابن عباس:”أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن”، قال رحمه الله في شرح المهذب:”هذا حديث ضعيف، أو باطل لا أصل له”[20].
ثالثا: الحافظ ابن حجر(852هـ): وقد تقدم كلامه صريحا في أول هذا البحث، كما تقدم ما حكاه عنه الحافظ العراقي، رحم الله الجميع.
بل قد يفوت المتقدم شيئا من العلم، فيستدرك عليه المتأخر عنه بقرون استدراكا على سبيل التعجب، فقد فات الإمام ابن الصلاح أن تكون لفظة”وبركاته” في التشهد موجودة في كتب السنة، فتعقبه ان حجر بقوله:”فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث”[21]، وقد رواها ابن حبان وأبو داود وابن ماجه.
وأما ما مضى من واستقراء الحافظ السيوطي رحمه الله الذي جعل تصحيح الحديث عند المتأخرين، إنما هو خاص بالصحيح لغيره، وركن إليه نور الدين عتر، فإني لم أطمئن إليه أبدا، وأقل الأحوال أنه يبعد أن يكون كل الحفاظ والأئمة الذين جاؤوا بعد ابن الصلاح، إنما صححوا الأحاديث باعتبارها صحيحة لغيرها لا لذاتها.
وبمراجعة سريعة للأمثلة التي ساقها الحافظ العراقي، تجد أنه لم يحمل كلام الإمام ابن الصلاح على منع تصحيح الحديث لذاته فقط، لذلك سرد من صحَّح الحديث لذاته أو لغيره.
ثم إني لم ألبث إلا قليلا حتى ظفرت ببغيتي، حيث وجدت من يطلق التصحيح والتضعيف على الأحاديث، فضلا عن تصحيحهم وتحسينهم وتضعيفهم للأسانيد، الذي جوَّزه ابن الصلاح رحمه الله. وإن كان الحكم بصحة الإسناد هو حكم بصحة الحديث، حتى يثبت بالدليل أن فيه علة قادحة تمنع صحته.
وممن فعل ذلك الإمام ابن الصلاح نفسه، فقد صحَّح وضعَّف، كما مر بك في الوقفة الثانية.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا، قول ابن الملقن(723هـ) رحمه الله، بعدأن ذكره لحديث”إن ما حرم رسول الله كما حرم الله عز وجل”، قال عقبه:”وهذا حديث صحيح من غير شك ولا مرية”[22].
ومن أمثلة تضعيف الحافظ ان ججر رحمه الله:
1- حديث ابن عباس مرفوعا:”المضمضة والاستنشاق سنة”، قال رحمه الله:”رواه الدارقطني وهو حديث ضعيف”[23].
2- روى الحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قي صلاة الصبح في الركعة الثانية، رفع يديه فيدعو بهذا الدعاء:”اللهم اهدني فيمن هديت….” الحديث، قال الحاكم: صحيح، وليس كما قال فهو ضعيف لأجل عبد الله، فلو كان ثقة لكان الحديث صحيحا”[24].
3- ذكر رحمه الله حديث”لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد”، ثم قال:”مشهور بين الناس، وهو ضعيف ليس له إسناد ثابت”[25].
ومما يؤيد صنيع العلماء في التصحيح والتضعيف، أن عدم بيان درجة الحديث صحة وضعفا، يعتبر منقصة لكل عالم، فهذا رأيت الإمام ابن الملقن، بعد أن أثنى على كتاب “المنتقى” للحافظ مجد الدين ابن تيمية المتوفى سنة 652هـ، يقول:”وما أحسنه، لولا إطلاقه في كثير من الأحاديث العزو إلى كتب الأئمة دون التحسين والتضعيف”[26].
وأخيرا، إن قبلنا كلام السيوطي رحمه الله، فيلزم أن يكون كلامه في مقدمة “جامعه” ونصه:”وجميع ما في هذه الخمسة[27] صحيح، فالمعزو إليها معلم بالصحة”[28]، وقوله أيضا:”وكذا ما في موطأ مالك وصحيح ابن خزيمة وأبي عوانة وابن السكن والمنتقى لابن الجارود والمستخرجات فالعزو إليها معلم بالصحة أيضا”[29]، يحتمل أمرين:
الأول: أن السيوطي رحمه الله استقرأ كل الأحاديث الموجودة في هذه الكتب، وتبين له أن كلها صحيحة لغيرها، وهذا بعيد جدا، بل ولا يصح قطعا.
والثاني: أنه يجوز، وهذا هو الصواب، أن تلك الأحاديث فيها ما هو صحيح لذاته، وهو كثير جدا، وأنه يجوز للعالم أن يصحح الأحاديث متى كان متمكنا من علم الحديث. وهذا يؤيد ما أولت به كلام ابن الصلاح رحمه الله في الوقفة الأولى.
قلت: ولا يزال هذا دأب أهل العلم من المحدثين في تصحيح الحديث، فمن الذين جاؤوا بعد الحافظ العراقي ممن لا أستطيع أن أعد أسمائهم، بالإضافة إلى ما تقدم: الحافظ السخاوي(902هـ)، ومن المعاصرين: الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر(1377هـ)، والشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني(1386هـ)، والشيخ أبو عبد الرحمن ناصر الدين الألباني (1420هـ)، والشيخ إبراهيم بن محمد بن الصديق الغماري(1424هـ).
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]– علوم الحديث- ص: 16- 17.
[2]– نفسه- ص: 17.
[3]– ولعلك تدرك علة إتلاف كثير من أهل العلم لكتبهم، كأبي عمرو بن العلاء(ت154هـ). كشف الظنون، 1/ 62. وسفيان الثوري(ت161هـ). سير أعلام النبلاء، 2/ 1840، و2/ 1846. وحمد بن أسلم بن يزيد الكندي (ت 242هـ). سير أعلام النبلاء، 3/ 3321/ 4968. وغيرهم.
فإن ما وقع بعد قليل من وفاتهم يؤكد صحة قصدهم.
[4]– السير- 3/ 3827.
[5]– مصنف ابن أبي شيبة- كتاب الأدب- باب الرخصة في الشعر- حديث رقم: 26549. وسير أعلام النبلاء- 2/ 198.
والبيت في: شرح ديوان لبيد- ص: 153.
[6]– فتح المغيث- 1/ 59. والبيت الذي أنشده السخاوي رحمه الله، لم أظفر بقائله، على شهرته، ولعل أصل البيت:”وللحروب…”.
[7]– فتاوى ابن الصلاح- ص: 66.
[8]– تلخيص الحبير- 1/467.
[9]– تدريب الراوي- 1/ 118.
[10]– ترتيب الموضوعات- ص: 237- رقم: 825.
[11]– تدريب الراوي- 1/ 118.
[12]– التنقيح- ص:19-23.
[13]– منهج النقد في علوم الحديث- ص: 283.
[14]– تدريب الراوي- 1/ 116.
[15]– التنقيح- ص: 14
[16]– التقريب مع التدريب- 1/ 114.
[17]– وأورد هذا المعنى أيضا في فتح المغيث- ص: 23.
[18]– سنن ابن ماجه- كتاب المناسك- باب الشرب من زمزم- رقم الحديث: 3062.
وصححه الشيخ الألباني في: الإرواء- 4/ 320- رقم الحديث: 1123. وصحيح الجامع الصغير- 2/ 966- حديث رقم: 5502.
[19]– التقييد والإيضاح- ص: 28- 29.
[20]– تلخيص الحبير- 1/467.
[21]– تلخيص الحبير- 1/488.
[22]– البدر المنير- ص: 202.
[23]– تلخيص الحبير- 1/140.
[24]– نفسه- 1/450.
[25]– نفسه- 2/ 66.
[26]– البدر المنير، 280-281.
[27]– يقصد رحمه الله الصحيحين، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، إلا ما تعقبه، والمختارة للضياء المقدسي.
[28]– جامع الأحاديث- 1/19.
[29]– نفسه.