حلول شرعية موجودة لكن الحداثيين يرفضون.. الإسلام هو المستهدف بالإلغاء ليس إلا
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
◆ من المطالب التي يسعى التيار الحداثي أو العلماني المعادي للدين في المغرب إلى تحصيلها إلغاء التعصيب من المواريث، بدعوى أن أسرة الميت من النساء (البنات والزوجة) تضيع حقوقهن، أو يُضيق عليهن في حالة انعدام ولد ذكر للميت؛ إذ سترث العصبة (إخوة الميت أو عمومته..) قسطا من التركة.
ورغم أن مشاركة العصبة في تقسيم التركة وفق ما جاء في القرآن الكريم عدل مطلق؛ لأنها فريضة من لدن عليم حكيم، فإن الله سبحانه وتعالى فتح الذريعة للمكلف في حياته قبل موته، وشرَع له الوسائل -إذا شاء- بأن يخص الورثة من نسائه (البنات والزوجة والأم) بنصيب من المال إذا خاف عليهن من التشرد والضياع بسبب مطالبة العصبة بحقهم، من هذه الوسائل:
✓ الهبة: وهي عقد تمليك العين بلا عوض، فمن حق الإنسان قبل موته أن يهب لبنته أو زوجته مثلا ما يشاء من أمواله بالضوابط الشرعية المقررة، لكن نجد بعض الناس حينما تخبرهم بهذه الوسيلة الطيبة المشروعة يظهر لك تخوفا من نوع آخر، لا يخطر لك على البال وهو:
أنه يخشى إن وهب لابنته أن تتصرف في المال الموهوب لها، كأن تعطيه لزوجها في المستقبل مثلا، أو أي تصرف يؤول إلى حرمان الأب من ذاك المال.
وإن وهب لزوجته منزلا مثلا يخشى أن يقع الفراق بينهما فتفوز هي بالمنزل ويطرد هو منه.
تخوف يدل على أن صنفا من الناس هلوع جزوع كما جاء وصفه في القرآن الكريم. لكن من رحمة الله بالناس نوّع لهم الحلول الشرعية، منها؛
✓ العُمْرَى: وهي هبة منافع الملك عمر الموهوب له، أو مدة عمره وعمر عقبه، لا هبة الرقبة. أي أن العُمْرَى تمليك المنافع لا تمليك العين، ويكون لِلْمُعْمَرِ له السكنى مثلا، فإذا مات عادت الدار إلى الْمُعْمِرِ إذا كان لا يزال حيا، أو إلى ورثته إذا مات كما مقرر في المذهب المالكي. ولهذا فمن خاف من العصبة أن تضيق على بناته مثلا في السكنى بعد وفاته، وخاف من نسائه أن ينقلبن عليه إن وهب لهن هبة مطلقة، فله شرعا أن يبرم هذا العقد؛ عقد العمرى، وبموجبه تسكن بناته وزوجته في ذلك النزل مدى حياتهن، فإذا وقعت الوفاة عاد المنزل إلى الورثة، ونال كل صاحب حق حقه.
◆ وبعد هذا التذكير والتوضيح للوسائل الشرعية الميسرة التي قد تكون حلا عند وجود خوف من بعض الآباء من تضييق العصبة على بناتهن وتعرضهن إلى التشريد حسب قول الحداثيين، يأتي السؤال المنطقي ليفرض نفسه ويقول:
▪︎ لماذا يحرص الحداثيون على العبث في منظومة المواريث رغم وجود هذه الحلول الشرعية!؟
وما ذكرناه من حلول شرعية التي تتعلق بالتعصيب، يوجد أمثالها في كل القضايا التي يطرحها الحداثيون ويتباكون عليها بدموع التماسيح في مجالات أخرى ترتبط بمدونة الأسرة، فإن شريعة الرحمن كفيلة بحل جميع مشاكل الإنسان، ولهذا انزلها الله اليه وجعلها صالحة لكل زمان ومكان إلى قيام الساعة.
يبدو واضحا، أن حقيقة مطالب الحداثيين ليس معالجة حالات اجتماعية قد تبدو من حيث الظاهر مؤلمة، إنما حقيقة مطالبهم تعطيل ما تبقى من شرع الله وإلغائه بدعاوى غير صحيحة، والارتماء في أحضان العلمانية واللادينية التي ترفض أن يؤطر الدين الشأن العام. ولهذا يجب شرعا على كل مغربي مسلم أن يقاوم هذا الطاغوت؛ (فَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ).