حملة المقاطعة.. و«صباغين الحمير»
هوية بريس – سليمان الريسوني
احذروا التقليد.. هذه العبارة التي تضطر كبرى الماركات التجارية العالمية إلى التذكير بها، من حين إلى آخر، لحماية منتجاتها من منافسة بضائع مشابهة، لكنها مغشوشة، يمكن أن تنطبق على عشرات الجمعيات الحقوقية والمنابر الإعلامية والأحزاب الإسلامية والاشتراكية والليبرالية «الفالصو»، التي يتم تفريخها، وتبقى خامدة إلى حين تحريكها، عند الحاجة، لإحداث نوع من الخلط والتشويش على المبادرات الأصيلة، حتى يقول المغاربة: «بحال اليمن.. بحال اليابان».
فمع النجاح الذي حققته حملة مقاطعة منتجات جماعة أخنوش، كان منتظرا أن يخرج نوع من السياسيين والفاعلين الجمعويين والصحافيين… ليسلخوا صفحات من الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي، ويقولوا لنا، بكثير من اللف والدوران: «نحن، من حيث المبدأ، مع حملة المقاطعة، لكننا نتخوف من الجهات المجهولة التي تحركها والأهداف الخفية وراءها».
وإلى جانب هذا الكلام الذي يُقصد به التضبيب والتشويش، نجد من يطلق كلاما يُراد به الخلط والتعويم، مثل: «إذا كان أخنوش قد راكم ثروة ضخمة من وراء الزيادة في المحروقات، فإن بنكيران هو الذي أصدر في 2015 قرارا يقضي بتحرير أسعار المحروقات والمواد النفطية».
طيب، إذا كان بنكيران قد سلك سياسة لاشعبية في 2015، فهل نعاقب المغاربة بإبقاء يد أخنوش وأمثاله «مطلوقة»، إلى ما بعد 2021، وهم يحوِّلون الشركات إلى كارتيلات لا يحاسبها أحد، والأحزاب إلى شركات لا يقرر فيها أحد من منخرطيها، فيما نحن نتفرج عليهم ونحوقل!
هذا النوع من «صباغين الحمير» عرفهم المغرب منذ الستينيات، عندما أسس مستشار الحسن الثاني، أحمد رضا اكديرة، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، للتشويش على الأحزاب الديمقراطية، والاشتراكية بالأساس. لتنطلق بعدها عملية تفريخ الأحزاب والمنظمات النقابية والطلابية والجرائد… التي كانت الدولة ترعاها لغرضين اثنين؛ إرباك المعارضين، وخلق الخلط والتشويش في ذهن المواطن العادي.
وقد استمر هذا الأمر، بأشكال ومستويات متنوعة، حتى السنوات الأخيرة. ففي 2011، رأينا كيف سيق حزب اشتراكي وآخر عمالي وثالث يساري أخضر.. جنبا إلى جانب أحزاب الإدارة، في تجمع «G8»، لمواجهة البيجيدي، كما أن العشرات من السلفيين أودعوا حينها حزب الخالدي، وبعدها حزب عرشان، للغرض نفسه.
العقل السلطوي المسؤول عن إطلاق دخان التشويش واختلاق النسخ «الفالصو»، سيذهب إلى أبعد مدى في التلاعب بأمور خطيرة، عندما سمح لحزب الأصالة والمعاصرة باستعمال تعبير الصحراء الغربية، الذي كان حكرا على نشطاء البوليساريو ومن يتبنون المقاربة الحقوقية الأممية.
ويجب التذكير بأن أول مرة استعمل فيها البام عبارة الصحراء الغربية كانت في غشت 2010، خلال الاقتراحات التي قدمها الحزب حول تصوره للجهوية الموسعة، والتي جاءت قبل شهرين فقط من وقوع أحداث أكديم إيزيك، التي قدم فيها إلياس العماري نفسه، خلال جلسة حوار، بصفته ممثلا للقصر الملكي، والتي عرفت نهاية مأساوية لم تندمل جراحها إلى اليوم.
ولكي نبقى قريبين -في الزمن والحساسية- من حملة المقاطعة الحالية، و«صباغين الحمير» الذين بدؤوا يتربصون بها، نذكر بالمجموعة التي كانت قد تسربت إلى حركة 20 فبراير، بدعم من السلطة وتمويل من عدد من المنتخبين، وأطلقت على نفسها اسم «مستقلو 20 فبراير».
فبعد مدة من ظهور هذه المجموعة، قصد عدد من النشطاء منزل زعيم «مستقلي 20 فبراير» بالدار البيضاء، لمعرفة دوافعه وراء محاولة شق الحركة، ففوجئوا بصورة كبيرة لإدريس البصري تحتل صدر البيت، وعندما سألوه بانشداه: «كيف تزايد علينا في مطلب الملكية البرلمانية، وأنت تعتز بأحد رموز الاستبداد وتعلق صورته فوق رأسك؟»، فأجاب: «مثلما يريد البعض أن يصبغ 20 فبراير بألوان العدل والإحسان واليسار الراديكالي، أريد أنا أن أصبغها بألوان المخزن».
خلاصة القول، حركة المقاطعة حركة عفوية ومستقلة، وإذا كانت هناك من جهة ستستفيد منها فهي الفئات العريضة والمهمشة من المغاربة، فوحدهم من لهم مصلحة في فسخ زواج المال بالسياسة، لأنه زواج غير شرعي، ودون عقد اجتماعي.