حوار مع الدكتور إدريس بحوت المفتش التربوي والباحث في علوم التربية والتواصل
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن العنف المدرسي داخل المدرسة المغربية باعتبارها المحور والركيزة الأساسية لإصلاح الفرد والمجتمع، وما دام أن المناسبة شرط كما يقال، اخترنا الحديث عن هذا الموضوع باعتباره موضوع الساعة، يهدد العلاقة الأخوية والتربوية بين التلميذ والمدرس، ويكسر حاجز الاحترام والتقدير بينهما.
– ما هو تعريف العنف المدرسي؟
بداية أتقدم إليك الأستاذ الحسين بوافر الشكر والامتنان على الدعوة الكريمة لمناقشة الموضوع الذي وسمناه بـ: العنف المدرسي: مقاربة سيكولوجية، وللمنبر الإعلامي الذي سيتكرم بنشر الحوار، تعميما للفائدة.
وهو موضوع يستدعي منا وقفة تأملية كمربين، وباحثين مهتمين بالمجال التربوي، ولاسيما في ظل التطورات الحديثة المتعاقبة، وما يعج به المشهد التربوي بعد فشو حالات العنف في بعض المؤسسات التربوية، على المستويين، الوطني، والدولي.
لذا، فالعنف هو سلوك يصدر من الفرد/الإنسان، في حالات معينة، حالات غضبية مثلا، بسبب اضطرابات باطنية، تفقده التوازن النفسي والعقلي والعصبي. أي اضطرابات هرمونية، وعصبية.. (كارتفاع مفاجئ وزائد عن المطلوب في إفراز بعض الهرمونات المسؤولة عن الاستقرار والتوازن النفسيين، أو انخفاضها، مثل: (الأدرينالين؛ والكورتيزول؛ والسيروتونين..) مما يؤدي إلى اللاتوازن النفسي لدى الفرد الذي يكون مدفوعا، لا محالة، إلى ترجمة هذه التوترات الهرمونية في شكل فوران نفسي لإلحاق الأذى بالنفس، و/أو بالغير. وخطورة هذا أنه لا ينصب على الغير فقط كما قد يتوهم، بل إن منطلق الأذى ومحله الأول هو “ذات العنيف” ثم تعديته للغير، ثانيا، ثم يرسو في المجال الذي يعيش فيه. وهو لا يخلو، إما أن يكون أقوالا أو أفعالا أو في شكل تصرفات مستهجنة وغير معهودة منه.. وحسب المختصين في الدراسات النفسية، فهو أنواع: العنف الرمزي، والعنف اللفظي، والعنف الفكري، والعنف النفسي، والعنف الجسدي.
هذا عن معنى العنف بصفة عامة، لكن إن أضفنا له الصفة/القيد “العنف المدرسي”، فيصح فيه جميع الصفات والضوابط السالفة الذكر، مع إضافة مكون أساسي لصحة الوصف المعتبر عندنا في هذه المناقشة، ونعني به اعتبار المجال/المحيط الذي يكون فضاء ومسرحا يستوعب حدوث سلوك العنف، وهو مجال الحياة المدرسية.
وبناء عليه، نقول إن العنف المدرسي سلوك منبوذ تربويا، وقانونيا، يصدر من أي جهة تعد جزءا من مكونات الحياة المدرسية.. وتعد حجرة التدريس/الفصل الدراسي البؤرة الحقيقية التي يترجم فيها بشكل لافت للنظر، كما تثبت ذلك الحالات العنفية التي تسجل داخل المؤسسات التربوية. حيث يحتد إما بين التلاميذ أنفسهم، أو بين التلاميذ/التلميذ والمدرس(ة). أو داخل ساحة المؤسسة، أو بين فئة التلاميذ والإدارة التربوية، أو بين الأطر الإدارية والأطر التربوية المشرفة على التدبير اليومي فيما يتعلق بالحياة المدرسية.. وقد يمتد، وبأشكال مختلفة، إلى خارج أسوار المؤسسة، حين يتعلق الأمر بالمصالح الخارجية، وباقي الشركاء المسهمين في الشأن التربوي.
فالعنف المدرسي ليس محصورا، كما قد نفهم، في حجرة الدرس، كما أنه لا ينحصر فقط في ساحة المؤسسة أو بين طرفين.. بل مظاهره أعم وأشمل.. فقد يصدر من “الذوات التربوية” تجاه “الذوات المادية”، والبيئية التي تعد من ممتلكات ومعدات المؤسسة التي تعدها الدولة، وتسهر عليها السلطات التربوية من أجل ضمان سير المرفق العمومي لجميع الفئات الاجتماعية على حد سواء.
– ما هي الأسباب الدافعة لهذه الظاهرة؟
الحديث عن الأسباب هو ذو أهمية بالغة في نظرنا، نظرا لحالات العنف المرصودة التي أصبح الحديث عنها اليوم من قبل المهتمين والمختصين يمثل “ظاهرة” تستدعي التوقف، والدراسة، من أجل فهم هذه الأسباب، تفاديا لكل العواقب الوخيمة الممكنة والمحتملة، وحفاظا على حرمة المؤسسات التربوية وروادها، على اختلاف أصنافهم ووظائفم، وسعيا لنشر الأمن التربوي داخل الفضاءات التربوية، وكذا ترسيخ قيم المواطنة، والتسامح، والتعاون، والاحترام..
ونظرا لتعدد هذه الأسباب، فإننا نشير لأبرزها انسجاما مع طبيعة المقاربة التي قاربنا بها الموضوع، ومع ما يسمح به الحيز المخصص لهذه المناقشة. وهي في نظرنا نوعان:
أولا: أسباب غير مباشرة: ويرجع هذا النوع للعديد من العوامل المرجعية، وعلى رأسها الأسرة. وطبيعة الرفقة الاجتماعية. ونوع الإعلام المؤثر. وطبيعة النموذج المحتذى.. فهذه العوامل ذات أهمية بالغة في تشكيل البؤر الحقيقة التي تعد “رحما لتعشيش الكثير من الخلايا المبكرة” التي تتحول، مع مرور الزمن، إلى خلايا ضارة تفتك بنفسية حاملها، وتنتشر انتشار النار في الهشيم في أي فضاء تربوي احتضنه.
فالمحيط الأسري الذي يعاني من الاحتراق النفسي، ويغلب عليه القلق والتوتر النفسيان.. لا شك أن شرارات التلظي تصيب الكيان الأسري قاطبة. ولاسيما إن كان مصدر اللظى هو الأم. فهي، وإن لم تشعر بذلك، تحرق كل من اقترب من منطقة الهالة النفسية، التي تشكل منبعا عالي التوتر لالتقاط كل ما هو سلبي (أفكار، تخيلات، أوهام، أقوال..). ويكون الأمر أشد خطورة من الناحية السيكولوجية، في حالات الحمل، وخلال مرحلة الطفولة المبكرة، والطفولة المتوسطة.
والنتيجة الحتمية بخصوص الطفل الذي قدر له أن يُنشَّأَ في هذا الخضم، تكون من ملامحها الكبرى: ظهور عدة معاناة، مثل الهشاشة النفسية. وضعف المناعة النفسية والعضوية. واضطرابات في الذاكرة والدماغ، مما يتسبب معه ضعف في التركيز، وتشتيت في الانتباه. وتراجع ملموس في القدرة على التواصل الاجتماعي.. هذا علاوة على ما قد يصاحب ذلك من أعراض في الوظائف العضوية والفزيولوجية المسؤولة عن حدوث التعلم والتحصيل الدراسي.
فالطفل/ التلميذ ذو الشخصية الموصوفة أعلاه، لا يعدو أن يرتمي في أحضان المجتمع الذي يعزز فيه تلك التوترات النفسية، خصوصا في حالة الولع بالإعلام الذي لا يقدر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه.. والنموذج المحتذى الهدام الذي يزيد الطين بلة، والوضع النفسي القائم هوة نفسية عميقة.
ثانيا: أسباب مباشرة:
أما الأسباب المباشرة فترتبط أساسا بالحياة المدرسية عموما، وبطبيعة المناخ التربوي، والتواصلي السائد في أحضان المؤسسة التربوية. ويمكن أن نجملها في الجوانب الآتية:
1/ الإدارة التربوية: كلما ساد التدبير الإداري المرتكز على السلطة في اتخاذ القرار التربوي، ترتب عنه جفاء في التواصل التربوي، وتحجرت العلاقات الإنسانية التي غالبا ما تنتج سلوكات عدوانية. والأخطر أن هذا النوع من القمع التربوي، إن حصل، يؤدي إلى ارتكاس نفسي داخلي يضمره المتلقي طيلة فترة الكمون.. ومع توالي النكبات، وتراكم الضربات، يتحول إلى وجود حقيقي في شكل أعناف لفظية، ومشاحنات وضغائن قد يعبر عنها المصاب إما بالكتابة الساقطة على الجدران، أو تخريب ممتلكات المؤسسة، أو العنف الجسدي في حق الزملاء، أو مع المدرسين.. أو في استعمال الأدوات الحادة، والمخدرات..
وفي أحسن الأحوال، قد نلاحظ نوعا من الانسحاب والانطفاء النفسيين اللذين يعاني منهما “التلميذ/ الطالب المعنَّف”. وفي هذا المستوى بالضبط، تتكون شرارات أخطر لبداية مسلسل جديد من “العنف” يكون الطرف الأول فيه هو الطالب/ المتعلم، والبطل الثاني هو المدرس. وهذا يمثل الجانب الثاني من تجليات الأسباب المباشرة.
2/ الفصل الدراسي: يعد الفصل الدراسي مجالا حيويا لتقوية العلاقات التربوية، وتمهير المتعلمين والطلاب وشحذ قدراتهم وميولاتهم نحو الإقبال على التعلم، والمساهمة في بناء المعرفة، والكفايات المنهاجية الأساسية للقيام بوظائفهم التربوية والمجتمعية.
والبعد العلائقي داخل الفصول الدراسية ينبني على أقطاب ثلاثة، وهي المعروفة بالثالوث البيداغوجي. أو ما يعبر عنه في الأدبيات التربوية بالمثلث الديداكتيكي. أولها، المدرس؛ وثانيها، المعرفة؛ وثالثها، الطالب/ المتعلم. فنجاح هذا الثالوث، ليقوم بوظائفه المطلوبة، رهين بشروط وضوابط لا يسمح المجال ببسطها.
لكن إجمالا، نشير إلى أن الاستثمار الأمثل للمعرفة التربوية من الناحية البيداغوجية: تخطيطا، وعرضا، وشرحا، وتحليلا، وبناء، وتقويما.. من شأنه التخفيف من التوترات النفسية ومن الحدة والشنآن وسائر الضغوطات التي قد تظهر لدى جماعة الفصل. وأي تشويش، قصدي أو عفوي يطال “المعرفة المدرسية” يحول الفصل الدراسي إلى جحيم لا يطاق تتداعى فيه جميع الضغوطات والمكبوتات النفسية التي تكون في طور الكمون.
كما أن انتقال هذه الاحتقان النفسي من طور الكمون إلى أرضية الواقع، غالبا ما يغيب عن حسبان المدرس أثناء مزاولته لمهامه في الفصل الدراسي. فيتم التركيز على البؤرة المباشرة (الفصل الدراسي) ظانا أن الأمر محصور فيه، ووليد اللحظة الصفية. لذا، فحري بالمدرس(ة) أن يأخذ المسافة الضرورية بينه وبين الحدث وبين مصدره. ثم التحلي بالصبر، والتأني قبل اتخاذ أي قرار. ومقاربة الموضوع بحكمة وحنكة وروية، حتى يتمكن من استحضار واستثمار خبراته التربوية والبيداغوجية والنفسية والتواصلية. مع مراعاة خصوصيات مصدر العنف/ المتعلم الاجتماعية، والسيكولوجية، والفيزيولوجية، والمعرفية.. حتى يشخص مكمن الخلل قبل استفحاله. ولعل تقدير الذات/ الخصم أكبر مدخل لاحتواء الموقف، واستيعاب الخصم الذي غالبا ما يتحول إلى مصدر للتقدير والاحترام المتبادلين.
ثم إنه لابد من التنبيه في هذا السياق على ما قد يحصل من تحميل المسؤولية للمدرس. فهذا حكم لا شك أن فيه نوعا من الإجحاف، والتحامل على حصر المسؤولية في جانبها الأحادي. ولا يخلو أيضا من التسرع في تناول موضوع العنف المدرسي. مع العلم، وكما أشرنا، أن هناك متغيرات عدة تشكل جذورا حقيقية وخفية كانت متوهجة ومتوقفة عن لحظة الاتقاد والاشتعال. لذلك فالنظرة الشمولية، والتأني في سبر الأسباب الكامنة أمر لا مناص منه في هذه الحالات للوصول إلى الحل الناجع.
– كيف يمكن لنا أن نقارب هذا الموضوع بمنظور سيكولوجي؟
الجميل في الدراسات التربوية، وعلوم التربية أنها وليدة عائلة عريقة من العلوم المختلفة والمتكاملة. والدارس للقضايا التربوية وظواهرها المتعددة يتسنى له مقاربتها بمنظورات وزوايا متعددة أيضا. ونجد المنظور السيكولوجي، من بين النماذج التي تسمح للدارس بسبر تلك الظواهر التربوية قصد الفهم، والمساهمة في الحل، ثم المحاولة بالتنبؤ لها. لذلك فعلم النفس هو الطفل المدلل والفخور بكونه سليل سلسلة من العلوم المتداخلة، وأكثر “الأبناء عافية” لما يتيحه لنا من أدوات، وخبرات، ونظريات.. يستعان بها على تذليل الكثير من المشاق التي تعتري المربين والقائمين على السياسة التربوية. وتدبير الممارسة الصفية.
لذا، يجمل بنا أن نقارب موضوع العنف المدرسي سعيا في تيسير المأمورية التربوية، وتحقيق الأمن التربوي، ومساهمة في تعزيز الأدوار والوظائف الرئيسة للمدرسة. وهذا لا يعفينا من الاغتراف من وفرة ما توصلت إليه سائر الأبحاث والدراسات العلمية الرصينة في العلوم الإنسانية، والطبية..
وأبرز ملامح هذه المقاربة:
تقريب العلوم النفسية واستثمارها في البرامج الثقافية والإعلامية والترفيهية الموجهة لعموم الشرائع الاجتماعية، وللأسرة على الخصوص.
بناء برامج ومناهج تربوية ذات حظ وافر من الدراسات النفسية، يركز فيها تدريجيا على مفاهيم نفسية، وعرض مشكلات وظواهر نفسية واجتماعية وطرق التعاطي معها.. حتى تتشربها الناشئة فتتحول إلى قناعات وقيم راسية راسخة تدافع عنها باستماتة، وتترجمها في الواقع المعيش بكل سخاء وأمانة.
تعميم المناهج الدراسية الجامعية ذات المسالك التربوية والنفسية على جميع الأسلاك التعليمية الجامعية في الوطن العربي بصفة عامة، وفي المغرب بشكل خاص، دون حصرها في كليات أو جامعات تعد على رؤوس الأصابع، في بعض الشعب والمسالك فيها، كما هو حاصل في شعبة الفلسفة وعلم النفس مثلا. أو كلية علوم التربية بالرباط.
عرض نماذج وتقارير ونتائج وإحصاءات طبية تركز على السلوكات العدوانية وآثارها النفسية على الفرد والمجتمع، وانعكاساتها على الدولة من الناحية الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
الحرص على التكوين الرصين والمتوازن للمدرسين والمدرسين والمربيين والمربيات قصد تأهيلهم تأهيلا يليق مع المهمة والوظيفة التربوية والتعليمية المنوطة بهم. وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه.
تركيز الاهتمام بشكل أكثر في بناء المناهج على الحاجيات النفسية للمتعلمين والطلاب واهتماماتهم الراهنية التي يفرضها التطور السريع الذي يشهده العالم في مختلف المجلات، تبعا لطبيعة المرحلة العمرية حسب أطوار التعليم، وأسلاكه المختلفة. ويعد التحدي الحضاري، والحداثي، والرقمي.. من بين القضايا التي استأثرت بعقول طلابنا. واستحوذت على كيانهم. وأخذت بألبابهم وعقولهم. لذلك فالناظر في كثير من البرامج التعليمية يلمس ضيق المساحة المخصصة لهذه الجوانب التي تشكل جزء من كيان الطلاب، ومن أنشطهم اليومية التي ترتادونها باندفاع وبحماس منقطع النظير. فالنظرة الاستباقية من خلال البرامج التعليمية، قد تحقق إشباعا لهذه الفئة، وتؤهلهم لاستثمارها استثمارا حسنا دون خسائر نفسية وتربوية.
– كيف يمكن للمدرس أن يبني علاقته مع المتعلم؟
إن بناء العلاقة مع المتعلم لا تخرج عن الضوابط العامة التي تحكم سائر العلاقات. فالإنسان بوصفه كائنا اجتماعيا يخضع، شاء أم أبى، لضوابط اجتماعية وأخلاقية في علاقته مع الآخرين. ومحكوم عليه بالتواصل حسب الوضعيات والمقامات التواصلية التي يمر بها، تبعا لموقعه الاجتماعي داخل الحياة. وأول مرجع له في ذلك هو ذكاؤه الاجتماعي، وإن كان “أميا” لا يقرأ ولا يكتب.
لذا، فالمدرس يتكئ مبدئيا على مؤهلاته الذاتية، والذكاء الاجتماعي من بين تلك المقومات. وينضاف إلى ذلك، ما يمتاز به مؤهلات علمية، وما راكمه من خبرات وتجارب تربوية.
وكما هو معلوم، وكما أشرتم في السؤال، أن العلاقة التربوية تبنى أن لكل بناء أس. وأسس البناء في العلاقات التربوية نجملها في الآتي:
التمكن من المبادئ الأساسية في علم التواصل.
التمكن من المبادئ الأساسية في علم النفس. خصوصا الفروع ذات الصلة بتدبير العملية التعليمة التعلمية مثل: علم نفس النمو، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس المعرفي، وعلم النفس التربوي.
التمكن من التخصص العلمي والمادة المسندة. وأن المخاطرة بتولي تدريس أي مادة ليست من التخصص تكون أول معول هدم للعلاقات التربوية بين الطلاب ومدرسيهم.
الحرص على البعد البيداغودي والديداكتيكي. وذلك بإعداد المادة التعليمية إعدادا جيدا مع ما يتطلب ذلك من تنويع طرق التدريس الناجعة، واستثمار المتاح من الوسائل التعليمية، والتدبير المعقلن للوقت المخصص لزمن التعلم. مع الحرص أيضا على نجاعة وسائل التقييم، وتنويع أساليبه التي من شأنها تحقيق تكافؤ الفرص بين جماعة الفصل التي تزرع فيها حب التعلم والإحساس بالاطمئنان.
– باعتباركم مؤطرا تربويا، كيف يمكن لنا تشخيص هذه الظاهرة داخل المؤسسات التعليمية؟
تشخيص “ظاهرة العنف” في المؤسسات التربوية من الزاوية التأطيرية/الإشرافية لا يختلف عن باقي المنظورات والمقاربات. إلا أن التأطير التربوي المؤهل للرصد والتشخيص يعتمد على آليات علمية، ومنهجية. ويمتح من مرجعيات متعددة ومتكاملة، منها، المرجعية السوسيولوجية، والمرجعية السيكولوجية، والمرجعية البيداغوجية.. وإعمال هذه الآليات من قبل المشرفين التربويين أثناء مزاولة مهامهم الإشرافية يسهم في هذا التشخيص. وتعد الملاحظة العلمية من بين أهم الآليات التي تساعد على ذلك.
أما عن كيفية التشخيص، فهي تأخذ أشكالا عدة، بدءا من:
الفضاء الخارجي للمؤسسة: فكما نعلم فهو يتكون من عدة مكونات ذاتية وموضوعية، وجماهيرية، من بينها التلاميذ، والغرباء، والباعة المتجولون، والسكان.. خصوصا في الحضري والشبه حضري. ومن مؤشرات التشخيص لهذا الفضاء، هناك: العلاقات التواصلية والإنسانية بكل تمظهراتها. طبيعة الصخب والألفاظ المستعملة التي تصك الآذان. التعبيرات الكتابية والرمزية العنيفة التي تكتب أحيانا على أسوار المؤسسة. استعمال وسائل التواصل الحديثة..
الفضاء الداخلي للمؤسسة: ويشمل كل المكونات التربوية. وهي تمثل النسق الضامن لسير العملية التعليمية التعلمية. وأهمها الفضاء الداخلي للمؤسسة، وباقي المرافق التابعة لها. وتعد الساحة الداخلية للمؤسسة، وفضاء القسم من أهم المجالات التي تعكس بشكل قوي مدى وجود العنف من عدمه، مع إمكانية تحديد طبيعته ومصادره.
الإدارة التربوية: التدبير اليومي لأطر الإدارة التربوية، مع التعاون المثمر مع هيئة التدريس يسهم بفاعلية في تيسير مهام التأطير التربوي من أجل الإسهام في تشخيص ظاهرة العنف المدرسي. بحيث يوفر قاعدة معطيات، ومستندات، وبيانات، ودراسات مهمة تخص الحياة المدرسية: النتائج الدراسية، سير إيقاع التعلمات، ضبط التغيبات اليومية، ضبط السلوكات اليومية.. فمن خلال الاطلاع على مختلف المستندات يمكن للمشرف أن يسهم في تشخيص الظواهر المرصودة وتصنيفها، ودراستها.
الفصل الدراسي: رغم أنه أضيق حيز من أحياز المؤسسة، فإنه يشكل مجالا لملاحظة الكثير من السلوكات المرتبطة بالعنف بشكل مباشر أو غير مباشر. لذلك فالمشرف التربوي الماهر يعي تلك السلوكات ويحاول تفسيرها وتأويلها قصد التوصل لجلول تربوية وإنسانية تعود بالنفع على المنظمومة التربوية، وعلى المتعلمين بالدرجة الأولى.
لجن الافتحاص التربوي: وهي أيضا من بين الآليات التي تشتغل تحت إشراف السلطات التربوية المختصة. وتقوم بزيارات المؤسسات التربوية إما منتظمة أو دورية أو سنوية أو عند الحاجة.. وتشتغل على محاور متعددة خدمة للفعل التربوي، ومساهمة في تجويد الأداء الإداري والتربوي، من أجل إرساء الحكامة التربوية. وأثناء اشتغالها، تكشف عن عدة نتائج منها ما له ارتباط بطبيعة السلوكات المرتبطة بالحياة المدرسية.
– ما هي رؤيتكم الاستشرافية لتجاوز هذه الظاهرة؟ وهل هناك أنشطة عملية لتجاوز هذه الظاهرة كليا داخل المؤسسات التعليمية؟
بإيجاز، وبنظرة تفاؤلية، نقول إن هناك تضافرا للجهود المبذولة من طرف السلطات التربوية على المستوى الوطني، والقائمين على الشأن التربوي جهويا وإقليميا ومحليا. ولا يفوتني أن أنوه، من خلال هذه المنبر، بالجهود التي يبذلها السادة والسيدات رئيسات ورؤساء المؤسسات التربوية بالتعاون مع الأطقم التربوية من أجل تقديم الحلول والبدائل التربوية الممكنة للقضاء على العنف.
كما نؤكد أيضا أن العنف المدرسي هو تحدٍّ من بين التحديات تواجه المجتمع، والدولة. ولا شك أن لكل داء دواء، طالما حصل الوعي، وتوافرت الإرادة الصادقة، والتعاون المثمر في مكافحته. أجل، إن الأمر يحتاج للتشخيص الدقيق، والوقت الكافي، وتضافر الجهود.. لكن العلاج آكد ووارد.
أما الأنشطة، وطرق التدخل، فهي كثيرة، ولا يسمح المجال لبسطها، لكن نرى من موقعنا كمشرفين تربويين، أن يتضافر التربوي، والسياسي، والاجتماعي، والعلمي/الطبي، والاقتصادي، والإداري.. من أجل الانكباب والبحث والدراسة لنشر قيم النبل والتسامح والتعاون والأمن داخل المؤسسات التربوية.
شكرا