حول الوطنية المغربية.. “Autour du”Nationalisme marocain”
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
ملخص البحث:
يتحدث البحث عن قيمة الوطنية المغربية من خلال ثلاثة عناصر هي: اتهام الحماية، مناصرة الحماية، دراسة الحماية، مبينة أن ممثل الاتهام وهو من قادة الحركة الوطنية أدان الحماية لفتحها البلاد سنة 1927 أمام المعمرين ليستولوا على أجود الأراضي بالبلاد، ويطردوا منها أصحابها، مما أفقرهم، وأوجد حركة وطنية مناهضة لسياستها التي نهجت أسلوب الحكم المباشر بعد 1925.
وهو موضوع دراسة بينت أن الشبيبة الوطنية وكتلة السكان اتحدوا على مناهضة سياسة الحماية، و طرحوا برنامج إصلاح أساسه الخبز، العدالة، التعليم.
كلمات مفاتيح:
برنامج الإصلاحات المغربية، مونطان، بلافريج، درمينغام،
أهل الوطن، شكيب أرسلان، عبد الكريم، محمد حسن الوزاني.
نص الموضوع:
أثارت الأحداث الأخيرة بالمغرب -اهتماما خاصا وعاما- بما يكفي للعودة إليها، لتسجيل شهادات وملاحظات على مدى قيمتها، وتوثيق ذلك لمن يريد العودة لبحثها ودراستها.وسنسعى لتقديم روح تلك الثلاث التي نتوفر عليها المتمثلة في: اتهام، مناصرة، دراسة، بموضوعية.
1- لائحة اتهام:
صرح السيد أحمد بلافريج “أحد قادة الحركة المغربية” في مقابلة مع (حركة التونسيين) في 19 نونبر بأن أراضي المغربية الخصبة، اجتذبت حشدا من مصاصي الدماء، فقامة الحماية بإصدار مرسوم 1927 يسهل دمج الأراضي المصادرة من المغاربة، باسم المنفعة العامة ليتسنى استيعابهم ودمجهم، بسهولة في المحيط الاستعماري، تحت غطاء شرعية زائفة، فتم تمرير أفضل الأراضي المغربية لـ3000 معمر بسلاسة، مرفقة بمخطط التنمية الصادر سنة 1934 الذي تم إقراره من قبل شخصيات حضرية رفيعة المستوى، رفع لمجلس الحكومة.
في 1936 نُبِّهَت الحكومة للبؤس الفظيع المحدق بالفلاحين، طالبا منح نوع من الحرية والديموقراطية، كحرية الصحافة والتجمعات، التي لا يوجد منها شيء.
الجنرال نوكيس ومساعديه سيئو السمعة، الذين أراقوا الدماء، وأشعلوا النار في المحمية، من خلال العودة للأساليب الاستعمارية القديمة، الممثلة في سياسة كبار القياد.
حادثة تسببت في مذبحة مكناس، مع ما ترتب عليها من عواقب، كـ :مصادرة الصحف، والنفي للإقامات الشاقة والعقاب بالإعادة للَبْلاد، والترخيص بالحج الكاثوليكي، ومنع المواسم، فكانت ردود فعل الدار البيضاء، ووجدة والرباط، وسطات، وفاس الخ وكان احتلال مدينة فاس بمثابة إدانة سياسية للحماية.
عندما قدم بلافريج لباريس، قال الحقيقة من أجل أن يختفي للأبد، كل الفقر والبؤس بالمغرب، ولمحاربة الانتهاكات، واسترداد الأراضي المنهوبة، من أصحابها الممنوحة للمعمرين، وإطلاق الحريات الأساسية للمغارب، سواء بإعادتها أو بإعطائها لهم، ولمعرفة ما إذا كانت فرنسا، عازمة على عدم تجاهل تلك التطلعات المشروعة للمغاربة، لأن توسيع الفجوة بيننا وفرنسا -كما يفعل البعض (حزب بلافريج)- من شأنه الاحتفاظ بالاضطراب للغد.
2- المناصرة
بعد لائحة الاتهام هذه، من قبل ممثل يخاطب جمهورا من شمال إفريقيا، تم الحصول عليه مسبقا، فمن المناسب تلخيص ما جاء في الدفاع عن الحماية في مجلة Espri بتاريخ12/1ص372 من قبل السيد “إديرمنكام” الذي يخاطب فيه جمهورا متروبوليا متحضرا، لا يمكن لأحد أن يجادل في قيمته الفكرية العلمية أو نزاهته.
السيد “إديرمنكام” أكد أنه قبل 1912 كان المغرب أمة، بالتأكيد لم تكن منظمة للغاية، ولا موحدة كما ينبغي، لكن الوطنية المغربية كانت واقعا حتميا، بالرغم من بعض الفوضى التي استدعت أيضا بشكل ملح عِلاجا مريرا، تمثل في الحماية.
الحرب العالمية -الفضيحة المشهورة- أظهرت للأهالي تفرق المسيحيين، عبد الكريم قاوم مرشالان فرنسيان، الظهير البربري لسنة 1930 وضع نهاية للسياسة التي كان ينفذها خلفاء ليوطي، المناهضة لتفكيك المغرب بين مسلمين محتكمين لقانون القرويين، وبرابرة محتكمين لقانون العرف.
الوطنيون الذين حصلوا على دعم سياسي من الميتربول ودعم العالم الإسلامي، نبهوا لعدم الوفاء بالوعود التي أعطيت في خريف 1930 (صحافة، تجمعات الخ).
قامت الاحتجاجات؛ وتم تنظيم نخبة بقيادة عالم هو السيد علال الفاسي، الذي أراد إعادة الإسلام لنقائه الأول.
تمَّ اتخاذ عقوبات ضد متآمرين أحدثوا مظاهرات عريضة بمكناس، واستفزازات في لخميسات وغيرها، نتج عنها انخفاض تلطيخ المغرب بالدماء، مدينة فاس كانت مسرحا لاحتلال وعنف مستفز.
في عين المكان اتهم المقيم العام الحكومة، من خلال التلميح الذي وضعه في مقدمة الأمر الواقع في الميتربول، وكانت ردة الفعل يومه جد ضعيف، سواء هنا وهناك.
لقد فضل البعض تجريم الدعاية الأجنبية، في حين كانت فرنسا خجولة جدا، بحيث لم تأخذ في الوقت المناسب قرارات مناسبة، تؤدي لإجراءات صارمة،
تعبيرا عن الضعف…
3- دراسة:
يجب أن يضاف لشهادة السيد إديرمينكام الصادقة، ملاحظة السيد روبير منطان، الذي أخذ دراسة المسألة من قبل، لمدا طويل، في politique etrange دجنبر 1937 الذي استعرضت خطوطه العريضة في مجلة إفريقيا الفرنسية سنة 1937 ص:502.
بالنسبة لروبير منطان ظل المغرب قبل حوالي ثلاثين عاما، من أكثر البلدان الإسلامية تخلفا، باستثناء المدن التي هي موانئ على الساحل، عدد قليل من السهول الداخلية، تتخللها القصبات التي تتمثل بها سلطة المخزن؛ مما يعني أن سكانها خاضعون لها.
لقد كانت ثلاثة أخماس مساحة المغرب خاضعة لكيانات مستقلة؛ إقطاعات مرابطين، إمارات شكلية، إقطاع، جمهوريات تطوقها نزاعاتها حدودية صغيرة في إقليم مغلق، من قبل السياسة الشريفة، وجهل العموم، بأية فكرة للإصلاح.
فجأة وجد المغرب نفسه موحدا، من قبل الغزو الفرنسي الذي فرض عليه اندماجا وحشيا غاشما، في دولة حديثة مكونة من أجزاء كثيرة، متضادة العناصر مع مفهوم الدولة، حيث يسهل على أي عنصر من تلك العناصر أن يتسبب في خلق أزمة أو أكثر، من أزمات التكيف مع الوضع الجديد.
لقد تم التخطيط لهذه الدولة من قبل المارشال الذي كان يحلم بتوجيه تطور الإمبراطورية، من خلال الاعتماد بشكل أساسي على البورجوازية التقليدية على مدى جيلين على الأقل.
لكن كان من الضروري أن نحسب بالإضافة للاختناقات الداخلية -التي تنفجر بين القوى الإجتماعية، التي ترتبط ببعضها لأول مرة- تأثيرات المشرق، من خلال انفعال الأحزاب “المناهضة للاستعمار” الأوربي، ونزعة القوى المعادية لفرنسا.
سبق أن حدثت في عام 1925 أزمة أولى، تطورت وفقا للمعايير المغاربية، وهزت المغرب بدافع من عبد الكريم، جعلت سكان المدن يرتجفون من انتصار القبائل البربرية، الذين شعروا بشغف المغامرة، واستيقاظ روح الاستقلال في نفوسهم؛ وشكل الهدوء الذي تبع هزيمة قائد الريف بالنسبة للشبيبة، فترة مهمة للانضمام لمدارسنا من أجل التعليم والتكوين، هذا الشباب المتطلع للعب دور، في كيفية تحقيق أهدافه السياسية الواقعية، بطريقة أحكم من آبائه.
تم اقتناص ما جاء من خرق في النص المضمن بظهير 1930 من زيغ وطيش، مؤسس على حماسة المختصين المرتجلين، المدعين إلمامهم بمعرفة العادات البربرية، وكذا عمى رجال الكنيسة، لإثارة العالم الإسلامي ضد فرنسا، التي تقود حملة صليبية جديدة ضد الإسلام والمسلمين بالمغرب، والتي أدارها الزعيم الإسلامي العظيم، السيد شكيب أرسلان باقتدار.
على الرغم مما أبانته فرنسا من حسن النية تجاه البورجوازية المسلمة بالمغرب، المتمثلة في ظهير 16 ماي 1934 وما تضمنه من إصلاحات لتهدئة مخاوفها لكن الحركة المناهضة للسياسة البربرية كانت قد انطلقت، ووجدت بالميتربول موالين لها.
في سنة 1934 التي انتهت بخضوع شامل لسلطة ممثلي السلطان بالمغرب، واتبعت على الفور بـ(برنامج الإصلاحات المغربية) الذي قدم خطة تنظيمية ذات طابع معتدل، يزيل مجموعة من المظالم المبررة مع الأسف، برنامج يهدف بصفة نهائية، إفساد الحماية وتخريبها، وتحويلها لعملية (تكليف) حسب مذاق اليوم.
منذ زمن الاضطرابات، التي لم تتوقف، وخاصة الآن في الحاضرة؛ تظهر كأنها غير معبر عنها بفضل التسهيلات التي حملتها الظروف (الأزمة العالمية، تراجع الحرف اليدوية، بؤس قروي) مع فتح الإمكانيات من قبل السلم الفرنسي لسكان المدن الذين كان الخوف يحاصرهم، ويلجئهم للاحتماء بالأسوار الحيطة بها، وغلق أبوابها عليهم، خوفا من الهجمات الخارجية عليهم من قبل المتمردين على المخزن، والشاملة لكل البادية الموجودة في مدار أنشطتهم التجارية، أو المالية، ومخططاتهم السياسية.
نعرف الأحداث التي اتسم إعدادها، وتنفيذها بالسرية والفجاءة وإخلاص القوات، المتزامن مع المؤامرات المسجلة عامة، في كل الحالات، بتعاون بين ثلاث عناصر بشرية مختلفة:
1- فئة مكونة بالعربية حصريا نشأت في ظل القرويين، معارضة لأي ابتكار، وفي المدارس الخاصة، وكلها متشبعة بالأدب الشرقي المعاصر؛ يتعرض يعيش يعاني مع ذلك، غير أنه يعاني من خلال الترجمة، تأثير كلاسيكياتنا، لاسيما تلك التي كانت في القرن الثامن عشر، والرومانسيين؛ يمثل هذه الفئة، رئيس “الحزب الوطني” السيد علال الفاسي، الذي هو زعيم الثقافة التقليدية والإصلاح الديني.
2- حفنة من الشباب نشأوا في مدارس أو جامعات حضرية، أو أوربية ممزقة بين جاذبية الحداثة، وتقليدية بيئتهم الأسرية، وقد أعجبوا بشجاعة منشوراتهم الصحفية وغيرها، المستوحاة من الإصلاح الاجتماعي المستمد من معين مذاهب الأحزاب السياسية الفرنسية؛ كرئيس “الحركة القومية” السيد محمد بن الحسن الوزاني.
3- الكتلة الكبيرة، وهي مكونة من صناع تقليديين بالمدن لا شغل لهم، وبروليتاريا بدون حرفة، مكدسة في أحياء الصفيح، من أصول قروية متزايدة باستمرار، والتي يصعب تمييز خصائص تحركاتها، والمولية نظرها نحو قيادتها التقليدية، تأتمر بأوامر مرابطيها وصلحائها، لتنفيذ دورهم التقليدي، دون معرفة، أو ادراك هدف مسيرهم، ولا أين يتم أخذهم.
قدم الزعماء للدولة الحامية المطالب الواردة في “خطة الإصلاح المغربية” مؤيدة من بعض سكان المدن، مدعمة تلك المطالب بمحددات تقدم حلولا توصلها للشعب في تركيبة من ثلاث كلمات: الخبز، العدالة، التعليم.
الكتلة القروية المترابطة تدعم حركة هذا النوع من الأخوة المرابطية التي يسميها البعض “أهل الوطن” المولع ذوقها بطعم البارود، والروح الرياضية الحربية، التي ستفقد تقاليدها، إذا ما أرست فرنسا السلام بالمغرب، واستمرت في تحويل مقاتلي الأمس لفلاحين ورعاة مسالمين، ودافعين للضرائب.
– آراء متقاربة
– اتهام بلافريج في جداله، يحمل عناصر جيدة لإقناع أطراف معينة، من الحضريين، الذي يأمل المرء أن يسمع منها بشكل أسهل وأسرع.
– نداء السيد ديرمنغام، المتبصر، ولكن مَنْ.. ينادي.
ليس لأحد من سبب وجيه للاشتباه في نكران الذات بما يجهر به المحامي بلافريج عن قناعة، من غير أن يهمل في حديثه بعض الأحكام المسبقة، مع حماس شديد يؤدي لتوزيع جزئي للمسؤوليات.
– دراسة لروبير منطان وفقا لمنهج سوسيولوجي، موضوعي، دقيق، ذكي للماضي والحاضر، والأشياء والناس، الذين يجعلون المشاركة أكثر مساواة بين الفاعلين، والتي لا نغالي بالامتنان له على خلاصته الاستدلالية، الواقعية، وفي نفس الآن متبصرة، وودية، يضرب بها المثل.
لكن بشكل عام، هل هذه الدراسات الثلاث متناقضة؟ لا نعتقد ذلك، أقل بكثير من ميول مؤلفيها والأهداف التي اقترحوها، -وربما أيضا مناهجهم، الفجائية في مواقعهم- لا تميزهم.
إذا أعطينا محاججة السيد بلافريج، كقاض وحزب، مكانة خاصة، السيد ديرمنغام والسيد منطان يفضيان لنفس المحصلة التي ترتكز عليها الحركة الوطنية المؤثرة محليا أو أجنبيا، واللذان يساعدان في هذه المبادرات.
أنظر نتائجها، الكل يعلق أهمية كبرى على “برنامج الإصلاحات المغربية” لسنة 1934 الذي قال عنه السيد ديرمنغام بأنه “نظري بعض الشيء، وبعيد عن التطبيق الفوري” والذي يبدو للسيد منطان كنوع من كوكتيل يوحد الصيغ السياسية التي من المحتمل أن تغري الدوائر الديموقراطية، الأكثر تقديما لإبقاء عقلية الخوارج القديمة للبربرية، التي يجهلها الميتربول، ولا يرى فيها سوى رائحة غريبة، كما يتفقون على بعض الإصلاحات المتأخرة، كالقضاء، والتعديلات الضريبية وإعادة التنظيم الإداري، وما إلى ذلك.
هذا الإصلاح الأخير ملح، ومستعجل بشكل خاص، وذلك في اتجاه التخفيف من خاصية “شخصنة” السلطة، لو جاز التعبير. (يتبع)..
لـ:J.Ldreit de Lacharriere فـي:
إفريقيا الفرنسية:1938؛ ص: “11-13”.