حول تثمين العمل المنزلي وتعديل المادة 49 من مدونة الأسرة المغربية

24 ديسمبر 2024 13:38

هوية بريس –د. عبد الكبير حميدي

من مطالب بعض الجمعيات النسائية والحقوقية بالمغرب، المطالبة بإعادة النظر في الأساس الذي بنيت عليه المادة 49، وهو مبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين، ودعوته إلى تثمين العمل المنزلي، لتصبح الزوجة شريكة في مال الزوج، حتى لو كانت غير موظفة وليس لها دخل مادي.

وفي هذا السياق، تقدم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بتاريخ 13/ 7/ 2022، بمقترح قانون تنظيمي يقضي بتغيير وتتميم المادة 49 من القانون 03 .70 بمثابة مدونة الأسرة، فاقترح تعديل المادة لتصبح على النحو الآتي: “لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر،  والأصل هو الملكية المشتركة للأموال التي تكتسب أثناء قيام الزوجية، لكن استثناء يمكن الاتفاق على مخالفة ذلك. يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج. يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر”.

غير أن ما يقترحه هؤلاء من “الملكية المشتركة للأموال التي تكتسب أثناء قيام الزوجية”، لا أرى له دليلا ولا وجها من الشرع، لا من نصوصه ولا من كلياته ومقاصده، وذلك للأدلة والاعتبارات الآتية:

              الدليل الأول: من القرآن، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (النساء 32)، وقد ذهب العلامة محمد الطاهر بن عاشور، إلى أنها في الأموال والممتلكات وأنصبة المواريث خاصة، حيث يقول: “والذي يبدو أن هذا التمني هو تمني أموال المثرين، وتمني أنصباء الوارثين، وتمني الاستئثار بأموال اليتامى ذكورهم وإناثهم، وتمني حرمان النساء من الميراث ليناسب ما سبق من إيتاء اليتامى أموالهم، وإنصاف النساء في مهورهن، وترك مضارتهن إلجاء إلى أسقاطها، ومن إعطاء أنصباء الورثة كما قسم الله لهم، وكل ذلك من تفضيل بعض الناس على بعض في الرزق ” . [1]

          الدليل الثاني: من السنة، ما ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة بن ربيعة زوجة أبي سفيان بن حرب، وأبو سفيان من سادات قريش ومن رؤساء قريش، اشتكت على النبي ﷺ بعد الفتح – بعد فتح مكة – اشتكت عليه وقالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بني، إلا ما أخذته من ماله بغير علمه فهل لي ذلك؟ فقال ﷺ: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك) [2] . ومعنى الحديث: أن ما يحق للزوجة من مال الزوج، لا يتعدى نفقتها ونفقة عيالها بالمعروف، وأما ما سوى ذلك فيتوقف جوازه على علم الزوج ورضاه.

          الدليل الثالث: من كليات الشريعة ومقاصدها، وهو أن هذا المقترح لا يخلو من ظلم وجور في حق الزوج، لأن الغالب الأعم أن يكون عمله في اكتساب وتنمية أموال الأسرة أكبر من عمل الزوجة غير العاملة وغير المكتسبة، فيكون إشراك الزوجة في الملكية – عن طريق الإلزام القانوني – ظلما له. كما أن إشراك الزوج في مال الزوجة الذي اكتسبته وعملت على تنميته، بنفس الطريقة، يعتبر ظلما لها، والعدل مقصد من أعظم مقاصد الشريعة.

          الدليل الرابع من مقاصد الشريعة: أنه إذا كان القصد من التعديل، هو حماية حق المرأة الموظفة أو الغنية، فإن مبدأ استقلال الذمة المالية كفيل بتحقيق ذلك أكثر مما تحققه الملكية المشتركة.

الدليل الخامس: من العرف، وهو الذي يهمنا أكثر، ومفاده أن العرف المغربي يجعل العمل المنزلي من مهام المرأة، في مقابل عمل الرجل خارج البيت، وتحمله لنفقات الأسرة وأعبائها المادية، وهو عرف استقر عند المغاربة على مدى قرون، وتوارثوه، وتلقوه بالقبول، ويحقق مقاصد الحياة الزوجية والأسرية في الإسلام، من مودة ورحمة ومكارمة، وكما هو مقرر لدى جماهير الأصوليين، فإن العرف الصحيح مصدر من مصادر الشرع، كما يدل عليه قوله تعالى:  ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء 19).

 الدليل السادس: في إعمال قاعدة المآلات: من خلال النظر في عواقب التعديل، وتوقع ما قد يفضي إليه من النتائج، وذلك أن من شأن إقرار الملكية المشتركة لأموال الأسرة، دون تراض من الطرفين أو دون رضى أحدهما، أن يؤجج نيران الخلافات والتوترات التي تعصف بالأسرة المغربية في العقدين الأخيرين، وأن يفرغ الأسرة من قيم المودة والرحمة والمكارمة ويحولها إلى شركة مالية مبنية على المشاحة، وأن يزيد من عزوف الشباب عن الزواج، وما ينجم عن ذلك من ارتفاع في نسب عنوسة النساء وعزوبة الرجال، وبإعمال قاعدة اعتبار المآلات، فإن هذا المقترح مقامرة بمستقبل الزواج وباستقرار الأسرة المغربية.

  الدليل السابع: في نقض دليل المطالبين بالتعديل: إذ إن ما يدعو إليه البعض من تثمين العمل المنزلي، واعتباره أساسا لإشراك الزوجة في أملاك الزوج، يختلف عن حق الكد والسعاية الذي أفتى بعض علماء المغرب إلى ضرورة مراعاته، لأن هذا الحق إنما يخص النساء – ونساء البوادي خاصة – اللواتي يزاوجن بين الخدمة الباطنة والظاهرة، وبين الأعمال المنزلية والأعمال المدرة للدخل، كالغزل والنسيج، وكأشغال الزراعة من حرث وسقي وحصاد ودراس وغيرها، وهي – في الأصل – من أعمال الرجال التي تحتاج من الخشونة والقوة البدنية ما لا تملكه المرأة، وما لا يتناسب مع أنوثتها وتكوينها النفسي والبدني، فقياس العمل المنزلي العادي على مثل هذه الأشغال الشاقة قياس مع الفارق، والقاعدة الأصولية تقضي بأن “لا قياس مع الفارق”.

لكل هذه الأدلة النصية والمقاصدية والأصولية، فإني أرى عدم انسجام التعديل المقترح مع نصوص الشريعة وكلياتها، ومع العرف المغربي المستقر منذ قرون، فيكون الإبقاء على المادة 49 من مدونة الأسرة – التي تنص على استقلال الذمة المالية للزوجين – على صيغتها الحالية، أقرب إلى نصوص الشرع، وأوفى بمقاصده، وألصق بالعرف والواقع المغربي.

[1]  التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد،  محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى 1393ه)، تفسير الآية 23 من سورة النساء، الدار التونسية للنشر – تونس، سنة النشر 1984م.

[2]  سبق تخريجه.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M