حول موروث ابن عاشر تدندن وزارة الأوقاف (ح4)
هوية بريس – د. محمد وراضي
ختمنا الحلقة السابقة بهذا التساؤل: ماذا عن الوجه البدعي لطريقة الجنيد، والذي غابت عن الطرقيين حقيقته؟
نقول: إن التصوف قديم قدم الثقافات البشرية، مهما تكن الديانة السائدة هنا وهناك، بحيث إننا نجد الهدف منه “في جميع الفلسفات والديانات السابقة للإسلام، هو حصول المعرفة والوصول إلى طمأنينة الروح والقلب، والاتصال بالخالق والاتحاد به والفناء فيه! وهذا هو الإشراق أو الاستنارة كما يطلق عليها، حيث إن النفس عندما تتطهر وتتحرر من الماديات، ممثلة في الشهوات والرغائب والملذات، تلقى فيها المعرفة الإشراقية (= العلم اللدني). هذه المعرفة أو هذا النور، أو هذا الإشراق الذي يقذف في النفس وفي القلب، ما هو إلا الله عندما نتحد به ونفنى فيه”. وهذه القناعة تحديدا هي التي تلخص تصوف الجنيد. هذا التصوف الذي يجهله مشايخ الطرق الصوفية أو يتجاهلونه؟
يقول أفلوطين (ت. 205م) في التاسوع الخامس “النفس التي لا تضاء بضوئه (أي بضوء الله)، تظل بغير رؤية، فإذا أضيئت فإنها تحتوي على كل ما تنشده، فترى الأسمى بالأسمى (= ترى الله بالله). ترى الأسمى (أي الله) الذي هو في الوقت ذاته وسيلة الرؤية، لأن ما يضيء النفس هو نفسه الذي تريد رؤيته، كما أننا نرى الشمس بضوء الشمس”!
وللوصول إلى الإشراق والفناء، يتجرد المتصوف عن الدنيا وما فيها، ويختار العزلة أوالخلوة، ويعذب نفسه بالمشاق والجوع والرياضة والذكر والتأمل، وغير ذلك من الأمور التي يشترك فيها كل المتصوفة والكهان والرهبان مع البوذية، والديانات الهندية، ومتصوفة الفرس واليونان ورهبان المسيحية واليهود، وكهان الديانات الوثنية من زرادشتيين أو مجوس، وبعض فلاسفة اليونان.
وقد نتكلم هنا عن “الطاوية” نسبة إلى كلمة “طاوا”، وتعني “الطريق وأسلوب العمل، حيث يلاحظ أن المعنى قريب من استعمال متصوفة المسلمين كلمة “طريقة”. وقد ظهرت الطاوية في الصين قبل كونفوشيوس حوالي القرن الرابع قبل الميلاد، حيث استعملها بمعنى الطريق الصحيح للعمل”. وتدور حول عقيدة وحدة الوجود! حتى إن أحد الباحثين ذهب إلى أن التصوف لدى المسلمين امتداد للطاوية!
والمتصوف عند اليهود، هو الذي يصل إلى الجذبة، ويسمونه ب”نبي”. ويسمون الشيخ المرشد ب”صوفي”. والواصلون عندهم على ثلاث درجات: نبي، ثم راني، ثم بصير، والبصير عندهم هو المربي.
أما عند النصارى، فقد عرفت الصوفية باسم “الغنوصية”. وهي كلمة يونانية تعني المعرفة. والغنوصي هو العارف. وهو مصطلح يستعمله أيضا متصوفة المسلمين. وكان مريدو الغنوصية يتناقلون سرا هذا المذهب (ومنهم الجنيد). وقد تشعبت الصوفية عند المسيحيين إلى أكثر من مذهب. فنجد – على سبيل المثال – القديسة “تيريزا” الإفيلية – وهي إسبانية – تؤمن بعقيدة الاتحاد فتقول في قصيدة لها: “واتحاد النفس بالله في القران الروحي شبيه بشمعتين تذوبان معا حتى يصبح نوراهما نورا واحدا”.
ولا بد من التأكيد هنا على أن مسمى التصوف السني، ليس غير طريقة الإشراق ممزوجة بالإسلام. وطريقة الإشراق هذه، هي الطريقة الوحيدة التي استعملها المتصوفة في كل الأمم. إنها طريقة قديمة، وجدت مع وجود الصوفية في أعماق التاريخ، ثم إنها الطريقة التي سوف تبقى ما بقي الوجود، كما يقول ابن البناء السرقسطي في كتابه “المباحث الأصلية”.
فما إليه أبدا نشيــــــر****هو علاج النفس والتطهيــــر
وهذه طريقة الإشـراق***كانت وتبقى ما الوجود باق
أما صبغ الطريقة الإشراقية بالإسلام، أو فرضها عليه وعلى أهله، فقد تولاه مهندسو المرحلة الانتقالية. ولا نقول مهندسو المرحلة التأسيسية، لأن هؤلاء المهندسين، حافظوا على أغلب ما هو موجود في الطريقة الإشراقية والديانة الوثنية، والديانات السماوية، ونقلوه بسلاسة إلى المسلمين. وكان أول من تولى نقله إليهم: أبو القاسم الجنيد البغدادي (ت. 297ه – 910م). وهو الذي جمع كل تلك العناصر ومزجها مزجا بالتصوف. وهو أول من صاغ المعاني الصوفية. وكان يلقن التصوف في بيوت خاصة، وراء الأبواب المغلفة، وفي السراديب. وكانت تجربته ناجحة، وسار المتصوفة على خطاها. وهذه التجربة مضاف إليها تحبيره مصطلحات الصوفية، وإيجاده أسلوب العبارة الصوفية بإشاراتها ورموزها وألغازها. كل هذا جعل منه سيد الطائفة بلا منازع، لأنه رسم للصوفيين الطريق الذي يسيرون فيه بأمان، ويستطيعون بواسطته نشر عقيدتهم الإشراقية في المجتمعات الإسلامية من دون ضجة.
فيكون علينا الإدلاء بهذه الحصيلة:
1ـ الطريقة الصوفية الحقيقية للجنيد هي “الإشراقية” كما أوضحناها. أما ما يدعي الطرقيون المغاربة بأنهم أخذوه عنه فلم يكن غير تقية أو خداع ممنهج لإخفاء ما هو عليه بالفعل!
2ـ كان الجنيد حريصا على تلقين ما يلقنه لمريديه أو لأصحابه داخل سراديب مغلقة، حتى لا يتعرض لما تعرض إليه صديقه الحلاج، مع أنه حذره من البوح بحقيقة ما يؤمنان سويا به.
3ـ بعد ما انخدع الحكام في مرحلة متقدمة من تاريخ الإسلام، بمظهر مشايخ التصوف، وبما أصبح يروج حولهم من كرامات، أصبحوا يصرحون بما عليه الجنيد! وهذا نجده لدى الشاذلي ولذى التجاني كمجرد مثالين للاستشهاد. قال الشاذلي: “إنا لا نرى أحدا من الخلق! هل في الوجود أحد سوى الله الملك الحق؟ وإن كان ولا بد فكالهباء في الهواء إن فتشته لن تجد شيئا”. وقال التجاني مؤكدا وحدة الوجود لدى كافة المتدينين: “فمنهم المتوجه إلى صورة الحضرة الإلهية نصا جليا في محور الغير والغيرية، ومنهم المتوجه إلى الحضرة العلية من وراء ستر كثيف، وهم عبدة الأوثان ومن ضاهاهم، فإنهم في توجههم إلى عبادة الأوثان ما توجهوا لغير الحق سبحانه وتعالى ولا عبدوا غيره”!!!
والنتيجة أن المغاربة ليسوا منذ زمن بعيد، لا على مذهب مالك، ولا على العقيدة الأشعرية، ولا على طريقة الجنيد الصوفية؟؟؟ ونحن على استعداد للبرهنة على أنهم ليسوا على مذهب مالك وإن ادعى حكامنا وعلماؤنا الرسميون وغير الرسميين أنهم على مذهبه حتى الآن؟؟؟
صحيح .بارك الله فيك .
هذه مصيبة كبرى أن نسمع هذا الهراء من هذا المسيلمة الكذاب قبح الله سعيه ، لو أردت أن تحلل كل شخصيات الإسلام بهذا الورم الخبيث الذي في ذهنك لما سلم أحد حتى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم