حينما يبرر وزير الأوقاف “الفائدة البنكية” استنادا إلى تأويلات حداثية “باكستانية”

07 يوليو 2025 19:25
التوفيق: أمير المؤمنين يسهر على حفظ دين الأمة وفق نموذج يستجيب لحاجيات المؤمنين

هوية بريس – متابعات

أثار تصريح الدكتور أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، بشأن “الفائدة البنكية” وعدم دخولها في الربا المحرّم شرعا، موجة من الاستغراب والانتقاد، خصوصا بعد استناده إلى أطروحات المعارض والمفكر الباكستاني فضل الرحمن مالك، لتبرير موقفه.

والواقع أن اللجوء إلى مرجعيات تأويلية حداثية كالتي يمثلها فضل الرحمن يكشف عن تحوّل لافت في الخطاب الرسمي الديني بالمغرب، يستدعي الوقوف عند خلفياته المعرفية وتبعاته الشرعية والاجتماعية.

ففضل الرحمن، أحد رموز “التأويلية الحداثية”، لا ينطلق في مقاربته للنص القرآني من منطلقات فقهية تقليدية أو أصولية، بل يسعى إلى تجاوز التراث التأويلي الإسلامي الكلاسيكي، سواء الفقهي أو الفلسفي أو الكلامي، لصالح منهج تأويلي جديد يقوم على فكرة “الوحدة البنيوية” للنص، ويستخدم أدوات تحليل تاريخي-اجتماعي تهدف إلى اكتشاف ما يسميه بـ”العقلانية الإسلامية” الكامنة. لكنه بذلك ينقل النص القرآني من سياقه التعبدي والتشريعي إلى أفق معرفي تأويلي أقرب إلى ما فعله مفكرون آخرون كنصر حامد أبو زيد وعبد المجيد الشرفي، الذين فككوا مركزية المرجعية الإسلامية لصالح منظومات علمانية وعقلانية نسبية.

استناد الوزير التوفيق إلى فضل الرحمن لتبرير الفوائد البنكية لا يخرج عن هذا الإطار، حيث تتم مقاربة النصوص الشرعية المتعلقة بالربا والفوائد من منظور حداثي يهدف إلى “إعادة تأويلها” وفق واقع اقتصادي معولم.

 والمشكلة ليست فقط في التأويل ذاته، بل في المقدمات الفكرية التي ينبني عليها، والتي ترى في الفقه الإسلامي عائقًا أمام “التقدم”، وتعمل على تفريغه من مضامينه التشريعية لصالح تأويلية تأخذ من النص ما يخدم مقاصدها الحداثية، وتُهمّش ما لا يتوافق مع ذلك.

فضل الرحمن، وإن بدأ حياته في أحضان التعليم الإسلامي التقليدي، سرعان ما انخرط في مسار أكاديمي غربي، وصولا إلى جامعة شيكاغو، حيث أسس لقراءته القرآنية ذات الطابع التأويلي، مركّزًا على ثلاثية: التوحيد، والوحي، والحساب، كمفاهيم كبرى يبني عليها مشروعه. ومن هذه المنطلقات، يُخضع النص القرآني لتحليل تاريخي يحاول فيه نزع الطابع الإلزامي عن التشريعات، وتحويلها إلى “قيم أخلاقية” قابلة لإعادة الصياغة وفق مقتضيات العصر؛ وهنا مكمن الخلل في اعتماد هذا الطرح من قبل وزير الأوقاف.

إن تأويلية فضل الرحمن لا تعير اهتمامًا للمرجعية الفقهية التي تشكلت عبر قرون، ولا تلتزم بقواعد الاستنباط الأصولي، بل تتعامل مع النص ككيان مفاهيمي يمكن تطويعه وفق منهج مزدوج الحركة بين الواقع والنص، لا وفق قواعد ضبط المعنى الظاهر والباطن المعتمدة عند أهل الأصول.

ما يسمى بـ”الفائدة البنكية”، كما أجمع جمهور العلماء قديما وحديثا، تدخل في نطاق الربا المحرم، لأنها زيادة مشروطة في القرض، ومآلها استغلال الفقير لصالح الغني. هذا الحكم لا يقوم فقط على ظاهر النصوص، بل على إجماع فقهي ممتد، وعلى مقاصد الشريعة في حفظ المال ومنع الظلم. فكيف يمكن لوزير الأوقاف أن يُسقط هذا التراكم الفقهي والمنهجي لصالح قراءة تأويلية معاصرة يتبناها مفكر من خارج البيئة الفقهية الإسلامية والتدين المغربي، وتُعد قراءته محل نقد واسع في الأوساط العلمية والشرعية؟

ثم إن فضل الرحمن نفسه لا يدّعي أن تأويليته تصلح بديلاً شاملاً أو أن تفسيره هو القول الفصل، بل يعتبر تأويله محاولة جماعية تحتاج لجهود المؤرخين وعلماء الاجتماع والأخلاق، وهي مفتوحة على النقد والتطوير. فهل تصلح مثل هذه القراءة، بكل ما فيها من تفكيك وإعادة بناء، لتبرير موقف رسمي لوزارة قائمة على حفظ الأمن الروحي والثوابت الدينية للمغاربة؟

الأدهى من ذلك، أن هذه المقاربة تحمل خطرا أكبر: إذ إنها تنقل مركز السلطة في تفسير النص من العلماء والفقهاء إلى المفكرين الحداثيين وأساتذة الجامعات الغربية، وتفتح الباب على مصراعيه أمام تبريرات لاحقة قد تُسقط أحكاما قطعية أخرى بدعوى التأويل والتحديث.

وفي هذا السياق، فإن تبرير الفوائد البنكية لا يظهر كموقف اجتهادي داخل المنظومة الفقهية، بل كخيار أيديولوجي يندرج ضمن مسار علمنة الخطاب الديني، وتفكيك مرجعيته التشريعية، لتصبح الوزارة مجرد وسيط يضفي الشرعية الدينية على خيارات الدولة الاقتصادية، ولو على حساب ثوابت الدين.

إننا لا نرفض الاجتهاد ولا مقاربة النصوص بما يتناسب مع واقع المسلمين، ولكننا نرفض أن يكون هذا على حساب الأصول والمنهج، وأن يُستبدل بالاجتهاد الأصيل تأويل فلسفي نشأ في سياق فكري مختلف، واستُخدم في أغلب الأحيان لتبرير اندماج المسلمين في نظم رأسمالية أو علمانية لا تعبأ بأحكام الإسلام في الاقتصاد أو الأخلاق.

إنّ المطلوب من وزير الأوقاف ليس أن يتحول إلى “مفكر تأويلي”، ولا أن يبحث عن مبررات لاختياراته من الفقه الحنفي والتأويلات الحداثية الشاذة؛ بل أن يكون حافظا للعهد، مؤتمَنا على الثوابت، متفاعلا مع قضايا الأمة من موقع المعرفة الشرعية لا من موقع التبرير السياسي أو الفلسفي. أما أن تُقحم التأويلية الحداثية لتبرير الفائدة البنكية/الربا المحض، فذلك انزلاق مقلق لا يمكن القبول به، ويستدعي موقفا واضحا من العلماء والمفكرين الغيورين على الدين والهوية والوطن.

ـــــــــــــــــــــــــــ

للتوسع في الموضوع المرجو متابعة الرابط

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
9°
15°
الجمعة
15°
السبت
15°
أحد
15°
الإثنين

كاريكاتير

حديث الصورة