حين تنهار الأخلاق لدى المسؤولين!

حين تنهار الأخلاق لدى المسؤولين!
هوية بريس – اسماعيل الحلوتي
من بين الأمور التي ينبغي التسليم بها وعدم الاختلاف حولها مهما حصل، هي أن الأخلاق من أبرز القيم الإنسانية الرفيعة، بل وتعتبر من اللبنات الأساسية في بناء المجتمع أي مجتمع، ومن بين مميزاتها أنها إلى جانب الحفاظ على بقائه ونمائه، تساهم أيضا في استقراره وأمنه، وهي أسطع دليل على رقيه. وفي المحصلة نجد أن الحضارة الحقيقية تقاس بالأخلاق الإنسانية وليس بالقيم التكنولوجية، إذ طالما تحولت التكنولوجيا والتقدم المادي إلى نقمة ووبالا قاسيين على الأمم، وتسببت في انهيارها الحضاري.
فما يغيظنا أكثر في هذا البلد “الأمين” أو الذي نريده أن يكون كذلك، هو أن الأمور مازالت تسند إلى غير أهلها، حيث أنه بدل الاعتماد على معايير الجدارة والاستحقاق في إسناد المسؤوليات والمناصب العليا لمن يستحقها من الأشخاص النزهاء ذوي الخبرة والكفاءة العلمية، تتدخل معايير أخرى في غياب الضمير من قبيل المحسوبية والولاء والرشوة وغير ذلك كثير ورهيب، علما أن سيد الخلق النبي الكريم محمد عليه أفضل الصلوات وعلى آله وصحبه أجمعين، قال: “إذا أسندت الأمور إلى غير أهلها، فانتظر الساعة”.
ومن سوء الحظ أنه في الوقت الذي مازال فيه الشعب المغربي يعيش في أوج الفرح، على إثر القرار 2797 الصادر مساء يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025 عن مجلس الأمن الدولي، القاضي بمنح الصحراء حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية، باعتباره الحل الأمثل للنزاع المفتعل. وهو القرار التاريخي الذي جاء تتويجا للجهود الدبلوماسية الحكيمة والرؤية الملكية القائمة على الوضوح والفعالية والتراكم الميداني، لاسيما أنها ساهمت في تمكين بلادنا من تحقيق مكاسب دبلوماسية غير مسبوقة، من حيث تزايد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي والاعتراف بشرعيته، فضلا عن أنه سيفتح الباب للعبور صوب مرحلة جديد من التنزيل الفعلي للمقاربة التنموية التي تعيش على إيقاعها الأقاليم الجنوبية…
فإذا برئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية عبد الله بوانو يفجر فضيحة سياسية وأخلاقية عن “صفقات الأدوية بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية” خلال الجلسة العامة التي انعقدت بمجلس النواب يوم الخميس 13 نونبر 2025 أثناء مناقشة الجزء الأول من مشروع قانون المالية برسم سنة 2026. حيث صرح في معرض كلمته بأن حكومة عزيز أخنوش فشلت على عدة مستويات، وأن سرطان الفساد تسرب إلى داخل أعضائها عبر عدة فضائح، وخاصة فيما يتعلق ب”فراقشية” أضاحي العيد، وصفقات الوزارة الوصية على صحة المغاربة، التي تحولت إلى “وزارة الصفقات” في شبهة تضارب المصالح، عبر تفويت الوزير أمين التهراوي صفقة استيراد أدوية بشكل غير قانوني لفائدة شركة في ملكية وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة. وتحقيق إحدى المصحات الخاصة لأرباح خيالية بملايين الدراهم في بضعة أسابيع، من خلال الاتجار في دواء لداء السرطان تشتريه بمبلغ يتراوح بين 600 و800 درهم، ثم تعيد بيعه لباقي المصحات الأخرى بما قدره 4000 درهم دون حسيب ولا رقيب.
وهي الفضائح التي أسالت الكثير من الحبر على صفحات الجرائد الورقية والإلكترونية، وأثارت عدة ردود أفعال غاضبة داخل البرلمان وخارجه في البيوت والمقاهي وعلى منصات التواصل الاجتماعي، مما أدى بذات النائب البرلماني إلى المطالبة بتشكيل لجنة تقصي الحقائق في موضوع شبهة تضارب مصالح في صفقات عمومية للأدوية، ودخول النيابة العامة على الخط، بينما سارعت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى إصدار بلاغ تنفي من خلاله التهم المنسوبة إليها، وقيام الوزير الوصي أثناء اجتماع اللجنة البرلمانية المعنية ببعض التوضيحات التي بدت غير مقنعة للجميع…
وقبل حتى هدوء “الزوبعة” المثارة ويستقر الرأي على القرار الواجب اتخاذه، للكشف عن الحقيقة وتنوير الرأي العام، فإذا بالصحافي المثير للجدل حميد المهداوي يفجر فضيحة أخلاقية أخرى مساء يوم الخميس 20 نونبر 2025 إذ أنه وفي سابقة تعد هي الأولى من نوعها في تاريخ الصحافة المغربية، أبى إلا أن ينشر على قناته في اليوتيوب شريط فيديو يكشف جزءا من مداولات لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية داخل اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، يتضمن تسريبات تمثل انتهاكا صارخا لقوانين وأخلاقيات المهنة، وتظهر بالصورة والصوت ممارسات تعكس مستوى التردي والسقوط الأخلاقي الذي بلغه الإعلام المغربي، من حيث تجاوز الضوابط القانونية والأعراف المهنية، في استهداف صحافيين ومقاولات إعلامية ومحاولة هضم حقوقهم المهنية وإقصائهم من الدعم العمومي بشكل انتقامي وتعسفي، مع التلميح إلى إمكانية استغلال النفوذ بهدف التأثير المباشر على القضاء، وإقحام رئاسة النيابة العامة في صراعات مهنية، واستعمال ألفاظ مسيئة لهيئة الدفاع وغير ذلك كثير ومثير للتقزز والاستفزاز…
إننا وفي انتظار ما ستسفر عنه “التحقيقات” في فضيحتي الصفقات العمومية للأدوية بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية وتسريبات لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية داخل اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة، التي وصلت هي الأخرى للبرلمان عبر مساءلة محمد مهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والتواصل، ندعو إلى ضرورة تخليق الحياة العامة وإيلاء الأمر ما يستحقه من بالغ الأهمية، لأنه يندرج ضمن الشروط الأساسية لقيام مجتمع قوي، تسوده العدالة والشفافية وقيم النزاهة والمواطنة، لاسيما أن الدستور المملكة المغربية نص على تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة كافة أشكال الفساد، وحث على حماية حقوق الإنسان وتكريس المبادئ الأساسية للديمقراطية…



