حين يدير المسؤول ظهره لمآسي المواطنين!

23 ديسمبر 2025 19:10

حين يدير المسؤول ظهره لمآسي المواطنين!

هوية بريس – اسماعيل الحلوتي

في واقعة تعد هي الأولى من نوعها في تاريخ كرة القدم المغربية، فوجئ الكثير من المواطنات والمواطنين الذين تابعوا مباشرة أو عبر القنوات التلفزيونية مقابلة الدور النهائي التي جمعت مساء يوم الخميس 18 دجنبر 2025 بين المنتخبين المغربي ونظيره الأردني برسم فعاليات كأس العرب في ملعب لوسيل بالعاصمة القطرية الدوحة، التي عاد فيها الفوز للمنتخب المغربي بحصة (3/2)، بظهور وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت في المنصة الشرفية أثناء حفل تسليم الجوائز، إلى جانب كل من رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل الثاني وولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية وشخصيات أخرى رسمية بارزة…

وهو الظهور الذي أثار ردود فعل غاضبة وخاصة في الفضاء الأزرق، حيث عجت مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات الحادة، من قبل عدد من النشطاء الذين لم يستسيغوا حضور وزير داخلية بلادهم في تظاهرة رياضية، في وقت مازالت مشاعر الحزن والأسى تعتصر قلوب الكثير من سكان عاصمة الخزف مدينة آسفي الجريحة، جراء الفاجعة التي ألمت بهم يوم الأحد 14 دجنبر 2025 عندما تحولت التساقطات المطرية الغزيرة إلى فيضانات عنيفة وسيول جارفة أتت على الأخضر واليابس، وذهب ضحيتها أزيد من 37 شهيدا وعدد آخر من المصابين بإصابات بليغة ومتفاوتة الخطورة، ناهيكم عن حجم الخسائر المادية الفادحة والأشخاص المفقودين…

فالمغاربة عامة وأهل حاضرة المحيط خاصة أصيبوا بالإحباط لشعورهم بالتهميش والإقصاء، إذ لم يجشم أحد من الحكومة نفسه عناء التنقل إلى مدينة آسفي “المنكوبة” لتفقد مخلفات الكارثة الطبيعية، الاستماع إلى صرخات عائلات الضحايا والمتضررين وتقديم واجب العزاء لهم ومواساتهم في هذا المصاب الجلل، لاسيما أن الدولة والحكومات المتعاقبة تتحمل جميعها المسؤولية الكاملة في هذه الفاجعة المؤلمة وغيرها من الفواجع المتوالية، في ظل التغاضي المستمر عن تقصير عدد كبير من المسؤولين والمنتخبين في القيام بواجبهم، وعدم تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” في حقهم، حتى يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الاستهتار بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، مهما كان منصبه.

من هنا وفي ذات السياق يحق لنا أن نتساءل حول الأسباب التي تحول دون تفادي إقدام الحكومة على هكذا خطوات من شأنها استفزاز مشاعر المواطنين وتقليب المواجع على عائلات ضحايا فيضانات آسفي، من خلال تكليف أحد أعضائها أو أي شخص آخر من المسؤولين في وزارة الداخلية ينوب عن الوزير، الذي قيل بأنه طار إلى قطر في إطار مهام رسمية مرتبطة بالشق الأمني الخاص بتأمين البطولة العربية. حيث يشار إلى أن عبد الوافي لفتيت حل بالعاصمة القطرية الدوحة قبل انطلاق المباراة النهائية، قصد الإشراف على تكريم عناصر الوفد الأمني المغربي الذي شارك في تأمين فعاليات “مونديال العرب 2025” في اعتراف رسمي بالمجهودات التي ما انفكت المصالح الأمنية المغربية تبذلها طيلة أيام المنافسات.

وحتى لا يستمر بعض المسؤولين في محاولة التملص من المسؤولية والاختفاء خلف القضاء والقدر، عليهم أن يعلموا جيدا أن الأمطار لا تهطل فقط في مدننا، فهي تتساقط في جميع المدن عبر العالم وتكون أحيانا أكثر غزارة من المعتاد، غير أنها نادرا ما تتسبب في إحداث المآسي كما يحصل في بلادنا، لا لشيء سوى أن معظم مدننا تشكو من هشاشة البنية التحتية وضعف الصيانة والوقاية، بالإضافة إلى غياب خرائط المخاطر وقصور منظومات الإنذار المبكر، كما تؤكد ذلك المرجعيات الدولية على مستوى تدبير مخاطر الفيضانات الحضرية، التي تتخذ من الاستباق والتخطيط والوقاية أهم العناصر الضرورية لحماية الأرواح والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة…

إن ما يحز في النفس كثيرا هو أن المسؤولين ببلادنا طالما يديرون ظهورهم لمآسي المواطنين، مما يزيد في تأجيج نيران السخط والغضب في النفوس، إذ ما علاقة وزير الداخلية المغربي بحضور التظاهرات الرياضية حتى وإن كانت من تنظيم المغرب نفسه؟ حيث أننا يمكن أن نتفهم ذهاب وزير الشباب والثقافة محمد مهدي بنسعيد، أو وزير التربية الوطنية والرياضة محمد سعد برادة إلى جانب رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إلى قطر من أجل حضور نهائي كأس العرب، لكننا لا نقبل بمغادرة وزير الداخلية التراب الوطني في مثل هذه الظروف الحرجة التي مازال أهل آسفي يلملمون جراحهم، وهو المسؤول المباشر على تدبير الأزمات والوقاية المدنية واليقظة الترابية.

فمن حسن حظنا نحن المغاربة أن الله حبانا بقائد عظيم ما انفك يولينا عناية خاصة في كافة الظروف، ولا يتأخر عند الشدائد والأزمات في تقديم مختلف أشكال الدعم والمساعدة لعائلات الضحايا والمتضررين من الفواجع والكوارث المباغتة، حيث بادر القصر الملكي إلى توجيه الدعوة للحكومة عبر بلاغ رسمي من أجل إطلاق برنامج شامل، يقوم على الاستجابة الفورية لحاجيات الضحايا وإعادة تأهيل المناطق المتضررة من تلك الفيضانات الاستثنائية التي خلفت خسائر بشرية وأضرارا مادية بليغة، شملت عدة أحياء وبنيات وتجهيزات أساسية بمدينة آسفي.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
14°
16°
الأربعاء
15°
الخميس
17°
الجمعة
15°
السبت

كاريكاتير

حديث الصورة