خاطرة.. حجاب بناتنا إلى أين؟

هوية بريس – عبدالله بن محمد الغامدي
الناظر اليوم في حال كثيرٍ من بنات المسلمين يلحظ تنوّعًا كبيرًا في مظاهر اللباس والحجاب، هذا التنوع لا يقف عند حدود الأشكال والألوان، بل يكشف عن تفاوت عميق في الفهم الشرعي لمعنى الحجاب وحقيقته.
ترى امرأةً مسلمة قد ارتدت الخمار والنقاب، وبدت عليها ملامح الحشمة والوقار.
وترى أخرى تلبس الخمار مع كشف الوجه، لكنها محتشمة في لباسها، لا تضع مساحيق الزينة، ولا تظهر ما يدعو للفتنة.
وتجد ثالثة ترتدي البنطال الضيق مع غطاء الرأس، وربما غطّت وجهها أحيانًا، ومع ذلك فثيابها لا تخلو من التضييق أو الإبراز.
ثم ترى من كشفت عن شعرها، وأظهرت زينتها، وثيابها تصف الجسد أو تشفّ عنه، وقد غاب عن قلبها أو غُيِّب عنها معنى الستر الحقيقي.
كل هذه الصور المتفاوتة تفرض سؤالًا مهمًا جدًّا:
ما الذي أوصل كثيرًا من بنات المسلمين إلى هذا المستوى من الفهم الخاطئ لأحكام الشريعة في باب الحجاب والستر؟
هل تظن الفتاة التي ترتدي البنطال الضيق مع غطاء الرأس أنها بذلك قد أتمّت شروط الحجاب، وغطّت بدنها كما أمر الله، وأنها بهذا اللون من اللباس قد امتثلت لأمر ربها؟
وهل تعتقد التي ترتدي الثياب المزركشة اللافتة، ذات الألوان الصارخة والزخارف المتعددة، أنها بهذا قد أدّت عبادة الحجاب، وتقرّبت إلى الله بطاعته؟
السؤال الجوهري هنا:
من أين تستقي الفتاة المسلمة اليوم مفهوم الحجاب الشرعي؟ وما هو مصدر التلقي عندها؟
هل هو القرآن والسنة وفهم العلماء الثقات؟ أم هو الإعلام، ووسائل التواصل، ومؤثِّرات الموضة، وصور المشاهير؟
إن الكلام هنا ليس عن مسألة النقاب فحسب، بل عن أمرٍ أوسع وأخطر:
عن كشف الوجه مع المساحيق الكثيرة، وألوان الزينة الصارخة، والكحل الملفت، والأظافر المصبوغة، والملابس الضيقة والشفافة التي قد لا تليق أحيانًا حتى داخل البيت وإنما تكون خاصة بالزوج، فكيف تجعلها المرأة لباسًا للخروج بين الرجال وفي الطرقات والأسواق؟
هذه الظاهرة ليست مسألة شكلية، بل علامة على خلل في التصوّر والفهم.
ولهذا فهي دعوة صادقة إلى العقلاء من الرجال والنساء على حد سواء:
إلى العلماء والحكماء، إلى المربّين والمربّيات، إلى أساتذة الجامعات وأهل الفكر والرأي، أن يقفوا أمام هذا الواقع وقفة مسؤولية، وأن يجتهدوا في تصحيح المفاهيم، وتعليم بناتنا حقيقة الحجاب الذي أمر الله به ورسوله ﷺ.
إن الخطوات الشيطانية لا تبدأ بالقفزة الكبيرة، وإنما تسير بالبنت خطوةً بعد خطوة، من تنازل صغير إلى آخر أكبر منه، حتى تجد نفسها – من حيث لا تشعر – في دائرة التبرّج الصريح، أو قريبةً منه. وهذه المظاهر لا تقف عند حدود اللباس، بل تجرّ معها آثارًا أخرى في السلوك، والنظرة للآخر، وطريقة التعامل مع الرجال، ومفهوم العفّة والحياء.
كما أن هذا التبرّج سببٌ في إغراء ضعاف النفوس من الشباب، ودفعهم إلى الوقوع في النظر المحرّم، وربما ما هو أعظم من ذلك من الفتن والنزوات. ومع ذلك، لو سألت كثيرًا من هؤلاء الشباب عن الزوجة التي يرتضيها أمًّا لأولاده، لقال لك بصراحة:
إنه لا يحب أن تكون زوجته متبرّجة أو ملفتة بهذا الشكل، ولا يرضى أن تكون أمًّا لأبنائه بهذه الصورة، وإن كان قد افتتن بهيئتها في لحظة عابرة.
فإذا كان هذا هو رأي الكثير منهم، وهو يراك اليوم في مظهر لا يليق، فاجعلي من ذلك مرآةً صادقة تراجعين بها نفسك، وتعيدين حساباتك.
إنها دعوة محبة ورحمة، دعوة لأن نعيد جميعًا – رجالًا ونساءً – بناء مفهوم الحجاب في نفوس بناتنا وأخواتنا وبناتنا الطالبات، وأن نرجع به إلى أصله:*
سترٌ وعفّة، وحياءٌ ووقار، وتميّزٌ عن أهل الفتنة، لا تقليدٌ أعمى لصيحات موضة عابرة.*
حتى تبقى المرأة المسلمة جوهرةً مصونة، يُحترم دينها قبل شكلها، ويُقدّر حياؤها قبل مظهرها، ولا تكون لحمًا معروضًا للأعين والقلوب المريضة؛ *فإن العين لا تمتد إلا إلى ما يُراد استغلاله، لا إلى ما يُراد صيانته وحفظه.
هي كلمة أخيرة لكل أخت تقرأ هذه السطور:
إن الحجاب ليس مجرّد قطعة قماش، بل هو عبادة وولاء لله، وهويّة إيمانية، ورسالة عفّة تمشين بها في الأرض. فكوني كما أرادك الله: مستورةً في مظهرك، جميلةً في قلبك، عظيمةً في طاعتك.



