خالد يايموت: أمريكا فقدت مركز ثقلها في الشرق الأوسط والسعودية وإيران كانتا محتاجتين لهذه المصالحة
هوية بريس – حاوره: عبد الصمد إيشن
1ــ أعلنت الصين مصالحة تاريخية بين السعودية وإيران شهر مارس الماضي، كيف تقرأ السياق الجيوستراتيجي للإعلان عن هذه المصالحة؟
للمصالحة سياق داخلي إيراني، وسياق داخلي سعودي، بالنسبة لإيران، بعد جهود كبيرة قادتها إيران منذ حوالي 20 سنة في المحيط السعودي وبالشرق الأوسط، انتهت إيران إلى ما يشبه الباب المسدود، بحيث عجزت عن السيطرة الفعلية على الوضع في ما يخص الشرق الأوسط رغم النجاحات المهمة التي حققتها في كثير الدول سواء باليمن أو سوريا أو العراق ولبنان، إلا أن ذلك كان مكلفا جدا بالنسبة للنظام الإيراني، لدرجة أن الدولة أصبحت عاجزة على مواصلة حتى حماية الانتصارات التي حققتها في الدول العربية وبناء ذلك النفوذ، ومهددة بشكل فعلي من الناحية الداخلية، خاصة الجيل الجديد من النساء والشباب، لهذا تتجدد المظاهرات باستمرار. أضف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الايراني. والمبادرة للمصالحة مع السعودية جاءت من طرف المحافظين وليس الإصلاحيين وهذا التوجه المبادر ناطق باسم الحرس الثوري.
أما بالنسبة للسعودية فقد تأكد منذ دخولها سنة 2015 في الحرب اليمينية أنها غير قادرة على حل المشاكل مع إيران بنفس أساليب الأخيرة، أي بالقوة العسكرية، وتبين لها أن مواردها تذهب سدا في هذه المواجهة العسكرية مع إيران. أيضا انتباه السعودية للتراجع الأمريكي عن حمايتها وعن نفوذها التقليدي في الشرق الأوسط وظهور الصين وروسيا والهند كقوى جديدة مهتمة بالشرق الأوسط. وقامت بتشبيك العلاقات الدولية مع هذه القوى بشكل سريع في السنوات الأخيرة.
بالتالي تقاطع المصالح أدى إلى تقريب فكرة المصالحة للتغلب عن المشاكلK خاصة المواجهة بين إيران والسعودية، ورأت الأخيرة في تشبيك العلاقات مع الصين وروسيا ربحا في العلاقات الاقتصادية والسياسية. هذا في الوقت الذي فقدت فيه أمريكا مركز ثقلها في الشرق الأوسط إلى المحيط الهادي والهندي، بحيث تعتبر أن الجغرافيا السياسية المهمة لها في هذا السياق هو وجودها العسكري هناك وبناء نفوذها هناك.
2ــ هل ستنعكس المصالحة المذكورة على الساحة العربية وعلاقات دول المنطقة بإيران؟
على الأقل منذ 2010 إلى الآن الجامعة العربية عرفت تفككا كبيرا بحيث أن الجغرافيا العربية لم تعد تمثل بشكل تنظيمي إلا بشكل هش خصوصا في مجلس التعاون الخليجي الذي عرف انتكاسة كبيرة بعد محاولة غزو قطر التي قادتها بعض الدول من نفس المجلس، وبعض المواجهات التي دخل فيها ما يسمى بالحتالف العربي في اليمن، بمعنى آخر حتى مجلس التعاون الخليجي الذي كان آخر موقع دفاع هيكلي للنظام العربي المشترك، في 2017 عرف هزة كبيرة وكاد أن ينهار. وبالتالي فالحديث عن نظام عربي جامع لا تأثير كبير له جدا، ومن هنا يجب أن نفهم أن القيادة السعودية للعالم العربي منذ 30 سنة الماضية، السعودية كانت فعليا تقود النظام العربي الرسمي في أهم المحطات الكبيرة وهذا الإحساس بالنسبة للسعودية يبقى دائما لقدرة النظام على تحريك الموارد وفي نفس الوقت على سرعة المناورة التي تتميز بها السعودية تاريخيا في العلاقات الدولية. ومن هنا جاءت فكرة السعودية لاستعادة المبادرة في العالم العربي.
وترى أنها اذا تحركت بشكل انفرادي لن تحقق غايتها في بناء نفوذ جديد في العالم العربي، فهي تحتاج إلى دول عربية كثيرة سواء حاجتها إلى ململة الصف الخليجي أو حاجتها إلى بعض الدول المهمة في العالم العربي، كالمغرب والسودان وكذلك إلى مصر والعراق وسوريا والأردن والكويت وقطر.
أما انعكاس ذلك على العلاقات العربية مع إيران، نعم ستنعكس هذه المصالحة على تلك العلاقات، سواء سياسيا أو ماليا، والالتفاف على علاقات الصراع والرجوع لتطبيع العلاقات هي نفس الرؤية التي تتقاسمها إيران والسعودية تجاه العالم العربي. وبالتالي بناء علاقات تعاون وشراكة في العالم العربي، ولذلك سنلاحظ أنه منذ المصالحة والعلاقة بين السنة والشيعة في العراق شهدت نوعا من محاولات التسوية والتطبيع. وكذلك العلاقة بينهما في إيران ملفت للنظر. كذلك السعودية تقود النظام السوري للعودة للحاضنة العربية.
3ــ هل ترون في تحركات السعودية لعودة سوريا للجامعة العربية علاقة بموضوع المصالحة مع إيران؟
رجوع سوريا هو جزء من الرؤية الاستراتيجية الجديدة للسعودية في خلق جو إقليمي جديد قادر على التعايش مع التحالفات الدولية الجديدة، القائمة والمرتقبة بعد الحرب الأوكرانية – الروسية. وهذه القراءة هي استباقية ومعالجة للمشاكل الماضية التي كانت تراهن فيها السعودية على الولايات المتحدة الأمريكية وتبينت مقاربتها الفاشلة في الأخير. اذن السعودية تحاول ربط الدول العربية بهذا المناخ الدولي الجديد والمرتقب.
4ــ أشارت تقارير إعلامية إلى طرح موضوع عودة سوريا والتقارب مع إيران ضمن مباحثات بين وزيري الخارجية للسعودية والمغرب، كيف سيقارب المغرب في نظركم هذه التحولات الجديدة في المنطقة العربية؟
أنا أذهب أبعد من ذلك بأن التحرك السعودي فيما يتعلق بسوريا، أنا أزعم أن هناك مشاورات قبلية بين المغرب والسعودية حول الموضوع، قبل أن يشار إلى ذلك إعلاميا، بمعنى أن الدبلوماسية السعودية أحاطت علما نظيرتها المغربية بعزمها التحرك تجاه عودة سوريا للجامعة العربية. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بأن التحرك الدبلوماسي هو تحرك تحت القنوات بشكل مدروس قبل أن يكون ظاهر في وسائل الإعلام، لماذا أقول ذلك، لأنه إذا رجعنا إلى خمس سنوات الماضية، سنلاحظ أن هناك دول بعينها كانت تقود مطلب بعودة سوريا، كالجزائر ومصر. أساسا الجزائر رسميا من تقود عودة سوريا بنوع من الصخب الإعلامي، لكن سنلاحظ أنه طيلة 6 أشهر الأخيرة الحركية اقتصرت في هذا الموضوع بشكل حصري على الإمارات، وبشكل جامع للعالم العربي قادته السعودية. يجب أن ننتبه أن السعودية وهي تقود هذا الفعل، قد رتبت له مع بعض الدول العربية ليس مع المغرب فقط ولكنها لم تنسق لحد الآن مع الجزائر مما أدى إلى غضب شديد من الدبلوماسية الجزائرية، حتى لما خرجت السعودية للعلن في التنسيق وأقامت لقاءات ثنائية مع الدول العربية في الموضوع السوري، فإنها لم تستدعي الجزائر وهذا فيه إشارة للاختلاف الكبير في الرؤية الاستراتيجية للملف بين البلدين.
إذن المبادرة الأخيرة للسعودية في الملف السوري كانت بتنسيق مع المغرب، وهي تعرف أن سوريا تعرف تدخلات كبيرة في شأنها الداخلي من طرف قوى أجنبية، ولهذا تركيز المغرب على ضرورة استصدار موقف واضح من سوريا فيما يخص مغربية الصحراء، تأخذه السعودية بعين الاعتبار، وتعلم أن عودة سوريا للجامعة العربية لن تكون انذاك لسوريا أي قوة في النظام العربي وسيقع توحيد للرؤى فيما يخص الحفاظ على الوحدة الترابية لجميع الدول العربية وستجد سوريا نفسها في هذا الإطار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* خالد يايموت: خبير وأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط