خبراء وأستاذة مختصون يناقشون قضية الصحراء المغربية وتحولات المشهد الدولي

هوية بريس- متابعات
نظم منتدى المتوسط للتبادل والحوار ندوة حول “الصحراء المغربية: تحولات المشهد الدولي ورهانات القرار الأممي” يوم 7 نونبر 2025 بالمكتبة الوطنية بالرباط، بحضور خبراء وأساتذة مختصون.
وافتتح رئيس منتدى المتوسط للتبادل والحوار اللقاء بكلمة رسمت الإطار العام للندوة، مؤكِّداً أن الملف الوطني دخل مرحلة جديدة وصفها بـ«الوضوح والحسم» بفضل دينامية دبلوماسية وموقفٍ ملكيٍ استباقي. وقد مثّل انعقاد الندوة محاولة لقراءة ما حمله القرار الأممي وخطاب الملك من دلالات داخلية وإقليمية ودولية، ولبلورة إجابات عملية حول أدوات تنزيل حل الحكم الذاتي.
تضمن برنامج الندوة خمس مداخلات أساسية وملفات تعقيبية ومناقشة عامة، تناولت المداخلات الثلاث الأولى قراءة القرار من زوايا قانونية وسياسية ودبلوماسية وشرحت المبادئ التي أرساها القرار كمرجعية لمرحلة تفاوضية جديدة.
قدّم الأستاذ بكلية الحقوق أكدال، زكرياء أبو الذهب، قراءة استراتيجية اعتبر فيها القرار تتويجاً لمسار طويل من ممارسة “الصبر الاستراتيجي” من طرف المغرب، كما بيّن أن القرار أعطى قيمة عملية لمقترح الحكم الذاتي عبر تحويله من خيار نظري إلى أرضية تفاوضية يحميها إطار دولي أممي. وتوقف المتدخل عند ما أسماه “تطويع القانون الدولي” عبر التركيز على روح المقاصد بدل التمسك الحرفي بمنطوق بعض النصوص الدولية.
وركز الأستاذ والباحث المتخصص، بلال التليدي، في مداخلته على البعد الرمزي والديني للخطاب الملكي المرتبط بالقرار، موضحاً أن توصيف القرار بـ«الفتح المبين» يتجاوز لغة السياسة إلى حقل القيم والرموز، مستحضراً دلالات تاريخية تؤطر القرار في أفق مصالحة ووحدة، كما شرّح التليدي أبعاد القرار السيادية والدولية، مشيراً إلى أن القرار يكرس الاعتراف الدولي بوحدة وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ويمنع عودة السرديات القانونية القائمة على توصيفات تقلّص من هذه السيادة.
فيما قدّم الوزير السابق والباحث مصطفى الخلفي قراءة عملية مركزة على “خارطة الطريق” لتنزيل الحكم الذاتي وتحيين مقترح المغرب بما يتناسب مع المتغيرات الجديدة. اعتبر الخلفي أن خيار الاستفتاء أصبح، بحكم التجارب الدولية وبمقتضى الواقع العملي، آلية غير قابلة للتطبيق، ودعا إلى التركيز على تجارب الحكم الذاتي الدولية كمنابع إلهام لا نماذج جاهزة، مع ضرورة ابتكار “نموذج مغربي” يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات التاريخية والثقافية والتنموية للأقاليم. كما لفت إلى أن القرار يمنح المغرب مسؤولية مبادرة عملية لتقديم “مقترح محيّن ومتقدم” ليكون مرجعاً للمفاوضات.
هذا، وناقشت المداخلات، عدّة نقاط مركزية من بينها طبيعة ولايات بعثة المينورسو في المرحلة المقبلة، وإمكان ربط استمرار ولاية البعثة بالتقدم في المسار السياسي، وهو ما أورده نص القرار ويضع المسألة تحت شرطية زمنية وسياسية تتطلب تحركاً دبلوماسياً سريعاً من أجل استثمار الزخم الدولي وتهيئة مناخ تفاوضي ناضج. وقد عرضت مداخلات متخصصة أن المجلس بات يُصيغ اليوم «ممارسات معاصرة» تسمح له بصياغة حلول سياسية ضمن شروط تقييدية تؤمّن توافقاً بين متطلبات السيادة وضرورات تقرير المصير بطريقة واقعية.
وتطرّق المتدخلون أيضاً إلى المكوّن الداخلي والبعد المجتمعي كشرط لنجاح أي مقاربة مستقبلية، مؤكدين أن مصداقية الحكم الذاتي أمام المجتمع الدولي تبدأ من الداخل. وقد شدّد المتحدثون على أهمية تعزيز اللحمة الوطنية ومواصلة إصلاحات الحقوق والمؤسسات وعمليات الجهوية المتقدمة كآليات لبناء ثقة محلية تُقنع الشركاء الدوليين بجدية العرض المغربي. كما خلصت المداخلات إلى أن الموقف الوطني الموحد هو سلاح أساسي في مواجهة الحرب الإعلامية والقانونية التي قد تشنّها أطراف خارجية.
لم تغب قراءةُ المخاطر والتحديات عن نقاش الندوة؛ فقد تناول عدد من الأساتذة إمكان محاولات الخصوم عرقلة المسار عبر استغلال التفاصيل التقنية لمشروع الحكم الذاتي أو اللجوء إلى مناورات دبلوماسية وقضائية لإبطال الزخم المكتسب. كما نبه المحللون إلى أن الزمن السياسي الذي يحدده قرار التمديد المشروط لولاية المينورسو يفرض على المغرب تسريع وتيرة العمل التحضيري لتقديم مقترح متكامل يضم أبعاداً مؤسساتية وقانونية وحقوقية وتنموية، وإلّا فإن الفرصة قد تتقلّص في جلسات أممية قادمة.
أفردت المناقشات مساحة للنقاش حول البُعد الإقليمي والدولي، حيث بيّن المحاضرون أن القرار يغيّر قواعد الإطار الإقليمي للنزاع عبر تسليط ضغوط دبلوماسية على الأطراف الإقليمية، ويضع أمام الجزائر خيارين: إما الانخراط في المسار التفاوضي أو مواجهة تهميش متزايد لمواقفها ضمن المسارات الدولية المعاصرة. كما تطرقت التعقيبات إلى استراتيجيات لتعزيز العلاقات الإفريقية والمغاربية وتحويل ملف الصحراء من عائق إلى محرك للتعاون الإقليمي والتنمية عبر مبادرات اقتصادية واستثمارية.
خلال المناقشة العامة، توصّل المشاركون إلى أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى مزيج من سياسات “اليد الممدودة” في البُعد الإنساني والدعائي، وسياسات ضاغطة ودبلوماسية في الميدان الدولي، مع ضرورة بناء اقتراح حكم ذاتي محيّن يجيب عن استحقاقات الحكم الذاتي ويمتص مخاوف الأطراف المحلية والدولية. وخلصت الجلسة إلى أن تحويل نص القرار الأممي إلى “خارطة طريق تنفيذية” يتطلب عملاً متكاملاً بين الدولة، الأحزاب، المجتمع المدني، والباحثين لتقديم رؤية متماسكة وواضحة على طاولة المفاوضات.



