بشكل مفاجئ، أعلن المغرب اعتماد نظام صرف جديد، يدخل حيز التنفيذ، ابتداء من الإثنين 15 يناير 2017.
الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، أوضح في لقاء صحفي عقب اجتماع مجلس الحكومة، الجمعة الماضية، أن نظام الصرف الجديد سيحدّد فيه صنف سعر الدرهم داخل نطاق تقلب +2.5% و-2.5%، عوض +0.3% و- 0.3%.
كما أبرز المصدر ذاته أن محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية، تقدّم بعرض حول إصلاح نظام سعر الصرف، توقف من خلاله عند مجموعة من الحيثيات المرتبطة بانخراط المملكة في نظام صرف أكثر مرونة.
لكن هذا القرار الحكومي، يطرح تساؤلات وتخوفات من تداعياته، خصوصاً على الاقتصاد المحلي، وعلى القدرة الشرائية للمواطنين بالدرجة الأولى.
تضخم في الأثمان
تعويم الدرهم من الناحية النظرية يؤدي غالباً إلى ارتفاع أثمنة المواد المستوردة، مما يشجع على الإقبال على السلع المحلية، وهي مسألة صحيحة نسبياً، لكن ما يمكن أن يحدث في الواقع كما يرى محمد صلوح، الخبير والمستشار في الشؤون المالية، هو تضخم الأثمان، مما سيؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين بصفة عامة، وهو الأمر الذي يعود إلى اعتماد الإنتاج الوطني على الاستيراد، خاصة المواد الطاقية ومواد التجهيز والمواد الغذائية”.
بدوره، أبرز عبد الحق بوزيان، الباحث في المالية الدولية، أن الآثار السلبية للانتقال إلى نظام الصرف الجديد في المغرب، ترتكز بالأساس في جانب الاستيراد “لأنه في الوقت التي ستنخفض فيها العملة المغربية، سيقابلها ارتفاع في العملة الأجنبية (اليورو والدولار)”.
وشدّد الباحث في المالية الدولية في تصريحه لـ”هاف بوست عربي”، أن “المسألة السلبية التي لا يوجد حل لها، ترتبط أساساً بالمواد الطاقية التي يستوردها المغرب بشكل كلي”.
من جانبه، يعتبر حسن أنفلوس، الإعلامي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، أن “ارتفاع سعر العملات الأجنبية التي يعتمدها المغرب في سلة العملات، سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على الدرهم لتغطية الفارق الناجم على هذا الارتفاع، ما يعني ارتفاع حجم النفقات لتغطية الاستثمار (السلع المستوردة كالتجهيزات مثلاً)، ما ينعكس على تكلفة الاستثمار بالنسبة للمقاولات الوطنية دائماً”.
وأشار حسن أنفلوس إلى أن قرار تعويم الدرهم، أو الانتقال من نظام سعر الصرف الثابت إلى نظام سعر مرن، “وإن صاحبته بعض الشروحات التي قدمتها الحكومة، وكذا بنك المغرب، فإنه ما زال قرار يكتنفه الكثير من الالتباس، وفي هذا الإطار على الحكومة أن تقدم مزيداً من الشروحات”.
للتعويم إيجابياته
في مقابل هذه الآثار السلبية، يرى عبد الحق بوزيان، الباحث في المالية الدولية، أن نظام الصرف الجديد له إيجابياته أيضاً، خصوصاً مع “ارتفاع أسعار الاستيراد التي تؤدي إلى انخفاض في المنتجات المحلية، التي سيقبل عليها المغاربة بشكل متزايد”.
وأضاف بوزيان، أن الإقبال الذي سيتزايد على المنتوج المحلي، سيؤدي بدوره إلى “ارتفاع الطلب على السلع المحلية، وبالتالي الزيادة في الإنتاج، والزيادة أيضاً في فرص الشغل”، وهو ما يعني أن “الاقتصاد المغربي سيستفيد من خلال تحسّن تنافسيته، والزيادة في الطلب عليه”، يقول الباحث في المالية الدولية.
كما أوضح المصدر ذاته، أن “هناك مؤشرات تسمح بالمرور إلى نظام سعر الصرف المرن، خصوصاً بعدما أخذت الدولة كل احتياطاتها، ومهدت لهذا النظام منذ عام 2010 وبطريقة اختيارية وإرادية”.
كذلك أوضح محمد صلوح، الخبير والمستشار في الشؤون المالية، أن تعويم الدرهم يتم بشكل تدريجي، لأن “تدبير مخاطر التعويم الكلي قد يؤدي إلى انهيار العملة الوطنية فجأة، مما قد يتسبب في انهيار اقتصادي لا يمكن لاقتصاد ناشئ أن يتحمله”.
هذا التعويم، حسب المستشار المالي، يسمح للبنك المركزي المغربي بمراقبة سعر العملة الوطنية، بالإضافة إلى أنه نظام صرف يسمح للفاعلين الاقتصاديين باستيعاب ميكانيزمات سوق العملة المعومة، واكتشاف التأمينات والحلول المتوفرة للحد من هذه المخاطر.
خطوة من أجل الإقلاع
وفي أول تعليق له على قرار تعويم الدرهم، أكد وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، أن إصلاح نظام سعر الصرف سيكرس التقدم المحقق والمسجل، سواء على المستوى الماكرو-اقتصادي، أو على مستوى الإصلاحات الهيكلية والقطاعية المنتهجة، مشيراً إلى أن الخطوة هدفها “تقوية سيرورة انفتاح اقتصادنا الوطني على الخارج، والانطلاق نحو خطوة جديدة من أجل الإقلاع الاقتصادي”.
وكان والي بنك المغرب، عبد اللطيف جواهري، أوضح في تصريح سابق، أن الانتقال إلى نظام الصرف العائم لن يؤدي إلى انخفاض قيمة الدرهم، مشدداً على أن الانتقال نحو نظام الصرف الجديد، يشكل رافعة لدعم الإصلاحات التي باشرها المغرب، لاسيما في مجال التنافسية والإنتاجية، بهدف التصدي للصدمات الخارجية، من دون المساس باحتياطات الصرف.
كما نشر الموقع الرسمي لبنك المغرب، شروحات وتوضيحات بشأن الانتقال إلى نظام صرف أكثر مرونة عبر إبراز مزايا هذا النظام بالنسبة للاقتصاد. مبرزاً الفرق بين المرونة وقابلية الدرهم للتحويل الكامل، مشيراً إلى أن الإصلاح لن يؤدي إلى التراجع الآني لقيمة العملة الوطنية.