خبير تربوي ينتقد أولويات وزارة التعليم: تلاميذ في الحضيض و”الهيب هوب” في الواجهة

24 مايو 2025 21:57

هوية بريس – علي حنين

كشف تقرير “تيمس 2023” الصادر عن الجمعية الدولية لتقييم التحصيل في الرياضيات والعلوم عن استمرار المغرب في ذيل الترتيب العالمي، سواء على مستوى تلاميذ السنة الرابعة ابتدائي أو السنة الثانية إعدادي.



وأوضح التقرير أن المغرب ضمن آخر ثلاث دول في التصنيف، ولم يسجل أي تحسن مقارنة بنتائج دورة 2019، حيث ظل تنقيطه دون المعدل الدولي المحدد في 500 نقطة.

ورغم تأكيدات وزارة التربية الوطنية على مدى السنوات الماضية بشأن التزامها برفع مستوى تحصيل التلاميذ، فإن المؤشرات الحالية تُظهر عكس ذلك.

فقد تراجع أداء تلاميذ السنة الرابعة ابتدائي، في مقابل تحسن طفيف لتلاميذ الثانية إعدادي، دون أن يؤثر ذلك على الترتيب العام المتدني للمغرب من بين 64 دولة و6 أنظمة تعليمية مرجعية.

🔸أرقام متدنية تنذر بالخطر

وفقًا للتقرير، حصل تلاميذ السنة الثانية إعدادي على 327 نقطة في العلوم، ليحتلوا المركز ما قبل الأخير، ولا تتذيلهم سوى ساحل العاج، وهذه أدنى نتيجة منذ 25 سنة. أما في الرياضيات، فقد سجلوا 378 نقطة، أي أقل مما حققوه في دورتي 2019 و2015.

وفي المقابل، تصدرت سنغافورة التصنيف بحصول تلاميذها على 606 نقاط.

أما بالنسبة لتلاميذ السنة الرابعة ابتدائي، فرغم تحقيقهم نتائج أفضل مقارنة بالدورات السابقة، سواء في الرياضيات أو العلوم، إلا أن ترتيبهم العام تراجع.

فقد حصلوا على 393 نقطة في الرياضيات، ولم يتفوقوا إلا على الكويت وجنوب إفريقيا، وفي العلوم سجلوا 390 نقطة، وجاءت نفس الدول خلفهم.

🔸الوزارة تركّز على “هبهبة” المدرسة‼️

في تناقض صارخ مع نتائج “تيمس”، كشفت مذكرة وزارية صادرة عن وزارة التربية الوطنية بتاريخ 15 ماي 2025 تحت رقم 25/356، عن تنظيم دورة تكوينية لفائدة أساتذة التربية البدنية والرياضية في مجال رقصات “الهيب هوب” و”البريكينغ”.

وجاء في المذكرة، الموقعة من طرف مدير الارتقاء بالرياضة المدرسية، دعوة إلى مديري الأكاديميات الجهوية لترشيح إطارين تربويين من المتحمسين لهذا النوع من الأنشطة للمشاركة في الدورة، التي سيؤطرها خبير دولي بهدف “هبهبة” المدرسة المغربية.

وأوضحت المذكرة أن هذا التكوين يأتي “في إطار التوجه الاستراتيجي نحو تنويع الأنشطة الرياضية ودعم قدرات الأطر التربوية”.

🔸استياء واسع واتهامات بـ”تغريب” المدرسة

غير أن هذه الخطوة أثارت غضبًا عارمًا في صفوف نساء ورجال التعليم، واعتبر العديد منهم أن هذا المسعى يمثل “تغريبًا ثقافيًا” و”خضوعًا لثقافات وافدة لا تنسجم مع المرجعية التربوية المغربية”.

وطالب المنتقدون الوزارة بـ”التركيز على الأنشطة التي تعزز الانتماء الوطني وتحافظ على الأصالة الثقافية، بدل استيراد أنماط سلوكية وفنية غريبة“، معتبرين أن أولوية الوزارة يجب أن تنصب على معالجة الإشكالات البنيوية في النظام التعليمي، وليس على “هبهبة” التلاميذ.

🔸انحرافٌ في توجهات الوزارة

وفي هذا السياق، حاول الأستاذ محمد يتيم، الحاصل على دبلوم الدراسات العليا في علوم التربية والمكون التربوي السابق، الربط بين هذا التراجع الفادح، وما اعتبره انحرافًا في توجهات الوزارة نحو مواضيع هامشية لا تخدم مصلحة التلميذ المغربي.

في مقاله التحليلي، المنشور على موقع “pjd.ma”، تساءل يتيم بمرارة:

“ألم يكن من الأولى أن تتداعى الوزارة ومصالحها المركزية والمجالية للقضايا البنيوية وعلى رأسها تراجع المغرب في التصنيف الدولي للتحصيل؟”

وهو تساؤلٌ ينطوي على نقد واضح لغياب الأولويات، حيث يرى أن الاهتمام بـ”هبهبة المدرسة” من خلال رقصات الهيب هوب والبريكينغ، لا يمكن أن يكون حلاً لمعضلة تعليمية معقدة كالتراجع المزمن في مستوى التحصيل، مضيفًا:

“أم لعباقرة الوزارة تصور آخر يجعل ‘هبهبة’ المدرسة المغربية طريقا إلى تحسين جودة التعليم؟!”

🔸”هبهبة” المدرسة: ليست مجرد زلة تقنية أو خيار بريء!

يرى محمد يتيم أن هذه المفارقة ليست مجرد زلة تقنية أو خيار بريء، بل تمثل فشلاً في قراءة الأولويات الوطنية، مشيرًا إلى أن:

“هذا التوجه يعكس فهمًا مختلًا لطبيعة الأزمة التعليمية التي يعيشها المغرب، وكأن هناك قناعة ضمنية بأن الرقص يمكن أن يكون بديلاً عن التحصيل العلمي والمعرفي”.

ويُشبِّه يتيم هذا السلوك المؤسسي بمثل شعبي ساخر يقول:

“أش خاصك العريان؟ خاصني خاتم أمولاي”!

في إشارة إلى انفصال السياسات التربوية عن واقع المدرسة المغربية، حيث البنية التحتية المتدهورة، وضعف تكوين الأطر، والمقررات المتهالكة، والأقسام المكتظة، جميعها تُهمل لصالح مشاريع ثانوية ذات طابع استعراضي.

🔸”لو تطوع باحثون… لانكشفت حقائق أخرى”

في موقف نقدي جريء، يدعو محمد يتيم إلى الانفتاح على دراسات تقييمية صادقة في باقي المواد الدراسية، وليس الاقتصار على الرياضيات والعلوم، مشددًا على أن نتائج مماثلة قد تظهر في مواد اللغة العربية، الفرنسية، والتاريخ والجغرافيا، مما يعني أن الأزمة هيكلية وتمس المنظومة بكاملها.

ويضيف:

“لو تطوع باحثون تربويون مختصون في التحصيل في مواد أخرى لانكشفت حقائق أخرى، وكان لأصحاب القرار في المدرسة المغربية خيار آخر غير: ‘هبهية’ المدرسة المغربية”.

🔸”الدفّ يضرب في البيت”… فهل ترقص المنظومة؟

في ختام تحليله اللاذع، يستدعي يتيم بيتًا شعريًا شهيرًا من التراث العربي:

“إذا كان رَبُّ البيتِ بالدف ضارباً .. فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهِمُ الرَّقصُ.”

وهي استعارة قوية ترمز إلى أن القيادة التربوية حين تضلّ البوصلة، فإن المنظومة كلها تتجه نحو العبث، وتنخرط في أشكال من “الأداء الفلكلوري” الذي قد يُرضي بعض الجهات أو يُنتج مشاهد استعراضية، لكنه سيظل عاجزا عن رفع المغرب في المؤشرات الدولية التي تُقاس بها جودة التعليم.

📌 دعوة لتصحيح البوصلة التربوية

تكشف المداخلة النقدية لمحمد يتيم عن حاجة ماسة لإعادة ترتيب الأولويات في قطاع التربية والتعليم، على أساس التركيز على جوهر العملية التعليمية بدل مظاهرها، والتفاعل بجدية مع التقارير الدولية كمؤشرات إنذار تستدعي تدخلًا عميقًا وإصلاحًا فعليًا، لا تجميلًا للواقع.

ففي زمن تتسابق فيه الدول على تطوير مناهجها وتكوين أطرها وتحسين أداء متعلميها، هل يكفي “هبهبة” المدرسة المغربية لتجاوز الرتبة ما قبل الأخيرة في التحصيل الدراسي؟

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة