خدعوك فقالوا عنك ولك أخيتي ووصية رحمتنا المهداة..

هوية بريس – محمد بوقنطار
وأنا قافلٌ من شهودِ صلاةِ الصبح قد أديت واجبها بمسجد الحي، متقلِّبٌ بين نعمة التوفيق ومنّة الهداية ولا حول لي ولا قوة، مررت بمحطة الحافلات، فإذا بحافلةٍ تشقّ عتمة الفجر وقد كُتبت على لوحتها الإلكترونية عبارةٌ كبيرة: “لا للعنف ضد النساء والفتيات”. استوقفتني تلك الكلمات، فمددت بصري داخلها بفضول غير غرائزي، فإذا جلّ ركابها نساءٌ وفتياتٌ يسرعن إلى أعمالهن، وبعضهن يجرين في ظلامٍ دامس خوفًا من أن تفوتهن الحافلة في ذلك الوقت الضيق القاسي، وتلك مصيبة وتلك ثالثة الأثافي.
ولم يلبث ضوء الحافلة الخلفي أن كشف جسدَ فتاةٍ مرهقةٍ متهالكة من العدو والركض، تركض لا لتفلت من معتدٍ، ولكن لتلحق وسيلة نقلٍ تُقلّها إلى عملٍ ينتزعها من دفء بيتها وبقايا أمنها. حينها سألت نفسي في أسفٍ ودهشة مقرفة:
أيُّ عنفٍ أشدُّ من أن تُضطر ابنةٌ أو امرأةٌ إلى مغادرة بيتها في هذا الظلام، وأن تُلقى في الطرقات قبل أن يستيقظ الناس، بدعوى الضرورة أو لقمة العيش؟
وهل بقي عنفٌ أشدّ من ذلك الخروج المرهق الذي صارت المرأة تُساق إليه سوقًا، بينما ترفع المؤسسات والشركات شعاراتٍ براقة من قبيل “لا للعنف ضد النساء والفتيات”؟
ياللسخرية! شعارٌ يُرفع على مقدمة الحافلة، بينما بطنها حبلى بالعشرات من النساء اللواتي دفعتهن الظروف وقست عليهن سياسة العبث والإتراف التي كرست بمرسوم وزاري ظالم جائر زمن حكومة من حملوا شعار “الإسلام هو الحل” وملأوا دنيانا ضجيجا بلحنهم الكاذب المنغوم تلك الساعة الإضافية التي ما تزال تجثم على نفوسنا وتخنق أنفاسنا وتصيب أجسادنا بأضراب من الأسقام والأدواء ولا حياة لمن نناديهم ونستصرخ بهم ونرجوهم أن يحملوا هذا الترف الوافد والعبث الناكد بعيدا عن قريتنا الآمنة المطمئنة.
آهٍ يا أمي وأختي وخالتي وعمتي وجارتي وابنتي وزوجتي…
لقد خَدَعَك تجارُ الحداثة، وباعةُ الشعارات، وأربابُ المصالح، ونفثوا في روعك كذبة مفادها: سعادتك نريد، وكرامتك نبغي، وحريتك نروم… وكذبوا ورب الكعبة.
فالقصد والبغية ليستا أنتِ للأسف، ولا سلامتك، ولا راحتك، بل محض سوقٌ جديد، ويدٌ عاملة، وعجلة اقتصاد تدور في غير انقطاع، يبحث أربابها من طلاب الدنيا عمّن يدير آلتها الطاحنة ولو على حساب الأسرة والسكينة والحياء والأمن والاستقرار، وفضيلة تحمل الذكر مشاق العمل وضراوة العيش بدل الأنثى وليس الذكر كالأنثى هاهنا.
وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعند ربها تجتمع الخصوم.



