خرايف جحا عند العالم الآخر… الجزائر أنموذجا
هوية بريس – عزيز إدمين
في تصرف غير ديبلوماسي وغير لائق برئيس دولة، وصف الرئيس عبد الجيد تبون، أثناء إلقاءه خطابا للأمة بالبرلمان الجزائري بغرفتيه، الحكم الذاتي المغربي، بأنه “خرفات جحا”، وهو المقترح المغربي المقدم أمام أنظار مجلس الامن الدولي منذ 2007 والذي وصف بالجدي والواقعي وذي المصداقية.
وهو أيضا المخرج السياسي للعتق من عنق زجاجة قضية، عمرت أكثر من نصف قرن، والذي حضي مؤخرا بالدعم الكامل من قبل عشرات العواصم الأوروبية والافريقية والأمريكية أيضا، بالإضافة إلى كل الدول العربية باستثناء الجارة الشرقية التي بقيت وحيدة خارجة الاجماع العربي، خاصة بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا.
التوصيف الذي قدمه الرئيس تبون لمقترح على طاولة المفاوضات الأممية، يعكس بالضرورة التحجر الذي تعيشه القيادة الجزائر منذ بداية المشكل، واستمرارها بالتمسك ببقايا الخطابات والشعارات لما قبل انهيار جدار برلين، كما أنه يعكس التناقض بين الخطاب والممارسة الجزائريتين، على مستويين.
المستوى الأول، عندما تعتبر الجزائر نفسها غير معنية وليست طرفا في النزاع، رغم المعرفة اليقينية بالدعم المالي والعسكري والديبلوماسي وحتى الترابي الذي تقدمه هذه الدولة لجبهة البروليزاريو وميلشياتها غير النظامية فوق أراضيها، وبالإضافة إلى الاعتداءات الحاصلة من قبل هذه الميليشيات على المنطقة العازلة شرق الجدار، والتي تنطلق دائما من الأراضي الجزائرية، ولكن أن يصل بإدراجها كنقطة محورية في خطاب الرئاسة الموجهة للشعب والبرلمان الجزائرين، فإنه يعتبر أعلى مستويات التورط في الملف.
فبالعودة لخطاب الرئيس تبون، والذي يمتد على ساعة ونصف تقريبا، وفي المحور الأخير المخصص للعلاقات الجزائرية الدولية، تطرق المتحدث إلى ثلاث نقطة فقط في كل علاقاته الدولية، فلسطين، والذي أكد على دعم قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأضاف أنه لن يكون فلسطينيا أكثر من الفلسطنين أنفسهم إذا قبل هؤلاء في إطار مفاوضات بحدود أقل من ذلك، وهو ما يعكس تناقض في الخطاب، لكون الجزائر لا تعترف بإسرائيل وتسميها بالكيان في أدبياتها الداخلية، ولكن الاقرار بحدود 1967 هو اعتراف صريح ومباشر بالدولة الإسرائيلية وإلا فإن السؤال يطرح ، إلى من سوف يذهب الجزء الاخر فلسطين والقدس الغربية؟
والتأكيد بقبول أي حل تقبله فلسطين، فإنه موقف لا يختلف عن مواقف جل دول العالم، ولا يميز الجزائر في شيء.
أما النقطة الثانية في إطار العلاقات الدولية، وتتعلق بفرنسا، والارث الاستعماري، ولكن بالعودة إلى ما قبل الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء وأن الحكم الذاتي هو حاضر ومستقبل الصحراء الغربية، فإنها كانت علاقات استراتيجية وتحالف كبير، وكون ذريعة الإرث الاستعماري ما هي إلا ورقة ابتزاز ومساومة في إطار العلاقات الفرنسية الجزائرية، والتلويح بورقة الجماجم هي استباق لطلب مرتقب من قبل فرنسا مع حلول بداية 2025 لاسترجاع 24 جمجمة وفق اتفاق “الاستعارة” بين البلدين لمدة خمس سنوات فقط.
وأخيرا، تتعلق الخارجية الجزائرية بملف الصحراء، وهنا مربط الفرس، لكون خطار الرئيس تبون، يؤكد أن العقيدة الوحيدة والاوحد للديبلوماسية الجزائرية هي تقسيم المغرب، لكون العالم يعرف عدة تحولات وعدة تحديات، فالوضع الليبي بجوار الجزائر، بل سعت للتدخل فيه، والنيجر وتشاد ومالي، وما تعرفه منطقة شمال الساحل ككل حيث يتواجد الطوارق الذين يتهمون جارهم الشمالي بالتدخلات في شؤونهم، وما تعرفه سوريا وأيضا الاتحاد الافريقي والعلاقات الافريقية الاوربية … كل هذه التحولات والتحديات لم تكن ضمن أجندة خطاب الرئيس تبون سوى مشكلة الصحراء.
التناقض الثاني الذي يقدمه السيد تبون ويؤكد وصايته وحضانته للبوليزاريو، وهو ادعاء التمسك بتقرير المصير الصحراوين لمصيرهم عبر الاستفتاء، فهو يناقض نفسه لانه لم يستفتي ساكنة تندوف، هل تقبلون بالاستفتاء كحل واحد أم تقبلون بحلول أخرى في إطار تقرير المصير كالحكم الذاتي مثلا؟ وذلك لكونه هو الناطق الفعلي والمهندس الحقيقي لمشكلة الصحراء، والقول بكون هناك قيادة البوليزاريو التي تنسق معه، فهو قول مردود عليه، لانها قيادة معينة من قبل جنرالات الجزائر، ويتم تقديم مسرحية انتخابية هزلية في إطار نظام عسكري وتيار واحد وقوانين انتخابية على مقاس هؤلاء الجنرالات، وفي غياب أي شفافية أو مراقبة أممية أو دولية أو منظمات مجتمع مدني دولي، وتعيين لهؤلاء القادة في ظل انتهاكات حقوق الانسان من اعتقالات وتعذيب واختطاف وترهيب واعدامات خارج إطار القانون، وبث وتسميم النزعات القبلية.. من قبل مليشيات غير نظامية والجيش الجزائري.
وما ساكنة تندوف إلا رهائن لدى الجزائر، ممنوعون من حركة التنقل والتعبير والحق في الحصول على بطاقة لاجئ من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والخروج والدخول من “المخيمات” يتحكم فيه من قبل شرطة غير نظامية عبر وضع حواجز المراقبة والتدقيق في الهوية ومنح الاذن بالخروج وأيضا الاذن بالدخول من قبل مليشيات تحمل السلاح فوق أراضي دولة يزعم أن لها السيادة على أراضيها ويمنع تفويض هذه السيادة وفق دستورها، فهل يمكن لهؤلاء أن يكون له رأي في تقرير مصيرهم فوق تراب تندوف؟
خلاصة التأكيد أن خطاب الرئيس تبون، يعري بالوجه المكشوف لدور الجزائر في النزاع، وأن توصيف مقترح الحكم الذاتي بشكل تهكمي، بـ”خرايف جحا” و”قاليك الحكم الذاتي ما الحكم الذاتي” و”القضية المزيفة”، ما هي إلا انعكاس لعقدة وحقد دفينين تتجاوز مجرد التدافع الجيوسياسي على المنطقة.